شبكة النبأ: مع بزوغ الإسلام بدأ عصر جديد من الرفض القاطع لقيم التخلف التي كانت سائدة قبل الإسلام، وحمل الفكر المتوقّد شعلة التنوير التي أضاءت ظلمات الجهل المدقع وأنارت الطريق للناس كي يسلكوا جادة النور، هذا المبدأ الإسلامي يتطابق مع الفكر الشيعي، فعندما يغوص الباحث المتفحّص في جوهر التشيّع، فإن أول شيء سيكتشفه، هو انتماء هذا المذهب الى روح الإسلام، وكلما أوغل الباحث في بحثه، سيجد أن التشيع يستمد فكره ومبادئه وثقافته من الإسلام الحقيقي الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، لهذا تقع علينا جميعا مهمة نشر هذا الفكر، كونه يمثل روح الرسالة المحمدية التي تشكل أساساً وامتدادا لجوهر التشيّع.
إذاً ثمة رسالة يجب الاستمرارية في النهوض بها، وهناك (البلاغ المبين)، الذي لا مناص من النهوض به، فهو يمثل الرسالة النبوية المكرّمة بكل ما جاءت به من أفكار تنويرية أنقذت العالم من دهاليز الظلام والجهل والتشتت والتطرف بأبشع صوره، كما أن منهجية (البلاغ المبين) تضمن نشر الفكر الحسيني، وتعني ازدهارا مستمرا للتشيع، وانتشارا مستمرا للإسلام الحق.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية قيّمة، عن هذا الجانب: (في الحقيقة لابدّ من (البلاغ المبين) وهو رسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم. ولولا البلاغ والتبليغ لما كان الإسلام ينتشر منذ بدايته وما كانت الشبهات تُرَدّ والناس يهتدون بالأجوبة المقنعة).
وانطلاقا من هذا اليمان بالتبليغ، كانت مسؤولية نشر الثقافية الحسينية كبيرة، وتستدعي أن يشمّر المؤمنون عن سواعدهم، ويستنهضوا إراداتهم وينشرون الفكر والثقافة الحسينية بكل الوسائل المتاحة، وكان الكتاب هو الوسيلة الأهم والأكثر تأثيرا في أوساط الناس بمختلف مشاربهم، لذلك ركّز الذين تصدّوا لمهمة (البلاغ المبين)، ممن وضعوا أنفسهم وطاقاتهم وكل ما يمتلكون في خدمة القضية الحسينية التي هي في الحقيقة قضية الإسلام الحقيقي وليس الإسلام المشوّه الذي يعطي صورة معاكسة تماما للعالم من خلال التطرف والإرهاب والعنف الذي يتبرّأ منه الإسلام الحق جملة وتفصيلا، لهذا تم التركيز على نشر الثقافة والمبادئ العظيمة عبر التبليغ.
فقد قال سماحه المرجع الشيرازي (دام ظله) في كلمته: (كان المرحوم السيّد الأخ الأكبر والشهيد السيد حسن قدّس سرّهما ونفرٌ من الأصدقاء في كربلاء يكتبون ويؤلّفون وينشرون الكتب ويصدرون خمس مجلاّت فكرية وثقافية وأخلاقية أهمّها مجلة (الثقافة والآداب) يوم لم يكن في العراق تطبع كتب إسلاميّة إلاّ بأعداد قليلة، وهذه المجلة كانت تطبع منها خمسة آلاف لتوعية الناس والشباب خاصة).
الإسلام المحمدي منبع التشيّع
ومن بين الشباب الذين حملوا مهمة (التبليغ) على عاتقهم، سماحة المرجع الشيرازي نفسه، لسبب واضح جدا، أن الطريقة الأسرع والأكثر ضمانا لنشر التشيّع هو نشر الكلمة وطبع الكتب والمجلات التي تقدم هذا الفكر الى المتلقي حتى لو كان في آخر نقطة في العالم، وهكذا تواصلت جهود الشباب الحسيني في المشروع التبليغي للتشيع عبر إنجاز الدوريات والمجلات والمؤلّفات المتنوعة، والهدف هو توصيل قيم ومبادئ الى أبعد نقطة ممكنة.
لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) الشروع بهذه المهمة فيقول: (شخصيًّا لما كنتُ شاباً سافرتُ ذات مرّة إلى بغداد لأتفق مع مكتبة المثنّى، وهي إحدى أكبر المكتبات التي لها فروع ممتدّة من جنوب العراق إلى شماله، تبيع الكتاب للمؤلّف وتأخذ نسبة من ثمن البيع. وافق مديرها المسيحي على بيع الكتاب وأخذ نسبة 40 % من ثمنه، وكنا نقبل أن يأخذ حتى 60% لأن المهم عندنا كان إيصال الكتاب إلى أيدي القراء).
فالنشر بطريقة مستدامة هو الأسلوب الأكثر نجاحا في نشر التشيع، خصوصا أن هناك من يثير الشبهات هنا وهناك، وحول هذا الأمر أو ذاك، لكن (الشمس لا يمكن حجبها بغربال)، فأصالة الفكر الحسيني لا تغطيها شبهات فارغة من الإسناد وبعيدة عن العقل والنطق والإثبات، كما أن مواجهتها (بالتبليغ) المستمر، العلمي، المسنود، المنطقي، والمدعوم دائما بالتوثيق والأدلة والبراهين، يجعل من تلك الشبهات محل تندّر وسخرية الجميع، لأنها لا أساس لها من الصحة، ولا يمكن أن يصدقها عاقل.
لهذا السبب دأب الشباب من أتباع آل البيت عليهم السلام، بهمة عالية، وتخطيط مسبق، على مواجهة كل الشبهات التي تثار هنا وهناك، وكانت الكلمة والمجلة والكتاب، وكل أساليب الدفاع المتاحة، تُسهم بجميع الطرق والأساليب في رد تلك الشبهات، ووضعها في المكانة الصغيرة التي تستحقها، وهذه المهمات الكبرى، يقوم بها (التبليغ) والمبلغون من الشباب الحسيني الذكي المفكر المستعد دائما لأداء ما يتوجّب عليه من واجبات في جانب النشر والتبليغ.
من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بأن: (النشر، ضروري جدّاً.. وأنا رغم الشبهات التي تثار في زماننا على التشيّع لا أرى خوفاً على التشيّع.. إنّ التشيّع كان ولا زال كالجبل الشامخ الصلد. والمشكِّـكون لم يخل منهم زمانٌ).
الأهداف المبيّتة لحملات التشكيك
وطالما يمضي المبلغون في أداء رسالتهم المبدئية الثقافية الهادفة الى نشر الإسلام الحق ومبادئ الفكر الحسيني، فلا تستطيع أبواق التضليل أن تنال منهم، فشتان بين القول الفصل والقول الضعيف، وشتان بين النور الباهر، والظلام الخافت، فالمشككون يظهرون في كل حين، لكنهم يفشلون دائما، ويذوقون مرارة الهزيمة أمام الحقائق التي لا تقبل الشك.
لهذا فإن الناس تسخر من المشككين بمبادئ الفكر الحسيني، من هنا فإن تأثير المنحرفين يكاد لا يشكل أي تأثير، وإن حدث فإن تأثيره بسيط جدا حتى يكاد لا يُذكَر، كما أن هؤلاء الذي يذهبون في طريق التشكيك، سوف يكتشفون سريعا بأنهم ماضون في المسار الخاطئ، وأنهم لن ينالوا من مواقفهم هذه سوى الفشل، فالتشيع هو مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام، ويحمل عصارة أفكارهم ومواقفهم وثقافتهم العظيمة، لذلك لن يكون هنالك أي تأثير إلا ما ندر في الشباب الحسيني المؤمن، وتأتي مهمة التبليغ لتضع جميع النقاط فوق حرفوها وتكشف دور المشككين ومن يقف وراءهم، فيتم نبذهم من قبل الجميع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذه النقطة: (المنحرفون اليوم تأثيرهم على عدد قليل من الشيعة، وهناك جمهور واسع من أتباع المذهب لا يعيرون أهمّية لهم. وهؤلاء المشكِّـكين لا يدرون أنهم يضرّون أنفسهم ويبقى المذهب بخيرٍ دائماً لأنه مصون من العمق).
إن الحياة تبقى ساحة للمواجهة، فالصراع بين الخير ونقيضه قائم ومستمر، لكن الخسارة دائما تكون من حصة الباطل، فأئمة أهل البيت والتبليغ بفكرهم، هو الحق بعينه، وانتشار التشيع أمر لا نقاش فيه، ولا خوف عليه، لذلك فإن مستقبل هذا المذهب واضح تمام الوضوح للقاصي والداني، إنه المذهب الحق الذي يستمد طاقته المبدئية والفكرية من سيرة ومبادئ الفكر الحسيني الخلاق، لذلك سوف يستمر التبليغ، وسوف تفشل جميع محاولات التشكيك والشبهات بغض النظر عمّن يقف وراءها أو يدعمها، لأن مشروع (البلاغ المبين) قائم دائما وأبداً.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن: (هذه الحياة هي ساحة اختبارات، وأنا أرى بوضوحٍ تامّ أنّ المستقبل هو لهذا المذهب الحقّ بكل ما فيه من عقائد وشعائر وفقه وأخلاق، وسوف تتلاشى جهود المناوئين من الداخل والخارج، ويندمون على ما صرفوا من عمرهم في تشكيك الناس كما تلاشت جهود مَن قبلهم). ويضيف سماحته: (يجدر النشر والكتابة والتحدّث، وعدم التباطؤ في البلاغ.. فإنّ للكتاب أهمّيةً كبيرةً في هداية الناس).