شبكة النبأ: الأمم المحظوظة هي تلك التي يتواجد في تاريخها وحاضرها العظماء والأفذاذ الذين يأخذون بيدها إلى أعالي القيم، ويزرعون في تربتها العلم والأمل والخير والسعادة وأفضل القيم، كحصيلة لأفكارهم النيّرة، وهذا ما تحقق لأمة المسلمين وللبشرية عبر الإرث الفكري الخلاق الذي بذرهُ الإمام الحسين عليه السلام في المعمورة كلها، وخصَّ به أرض كربلاء المقدسة، والعقل البشري برمته.
نعم المسلمون محظوظون، والبشرية كلها تُشمَلُ بذلك، فقبل 1400 سنة رُفع مشعل الحرية عاليا، وانطلقت حملة الحسين الفكرية، كي تحمي كرامة الإنسان بكل العناوين التي يحملها، فالإنسانية هي العنوان الأهم والأعمّ والأشمل، وقيم العدالة والكفاح ضد القمع والتسامح والمساواة والإنصاف ورفض الإساءة للإنسان هي الخطوط العريضة للحملة الفكرية الحسينية.
هذا ما قام من أجله سيد الشهداء (عليه السلام)، محاربة الجهل ومقارعة الضلال بكل الوسائل والسبل المتاحة، ولكن هناك مسؤوليات تقع على الآخرين من دون استثناء، مادام الفائدة تعود على الإنسانية بالنفع، فإن الكلّ يقع عليه دوره الذي يكافئ قدراته وشخصيته، وحين أعلن الحسين عليه السلام ثورته كان يهدف إلى نتائج معروفة سلفا، إنها لا تأتي ولن تتحقق إلا بخوض النضال الفكري ضد أرباب القمع والظلم والطغيان، لهذا لا يستثنى أحد من هذه المهمة ولا يعفى شخص من هذا الواجب.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى كلماته القيّمة:
إنّ (هدف الإمام الحسين سلام الله عليه هو إنقاذ الناس من الجهالة والضلالة. فعلي كل فرد منّا وبمقدار استطاعته أن يسعى في تحقيق هذا الهدف).
فالمهمة الأكبر الملقاة علينا أن نسعى في نشر حبّ الإمام الحسين عليه السلام، عرفانا لثورته المبدئية الخلاقة، واعترافا منّا بفضله علينا، وتمهيده الطريق السليم لنا كي نسلكه كما أراد وخطط لمقارعة الطاغية يزيد، ومن بعده كل الظالمين، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فلا مجال لانتهاك حرية الناس، ولا طريق أو وسيلة لإذلالهم، والتعدي على حقوقهم وحرياتهم، فإن سعينا إلى غرس حب الحسين في القلوب والعقول والنفوس سوف تأتي الخطوة التالية وهي مضمونة ومكفولة بتحقيق الخطوة الأولى، وهي تتلخص بنشر الفكر الحسيني العظيم الذي قُدِّمت لأجله الأرواح والدماء قرابين لحرية وكرامة الإنسان.
هاتان الخطوتان المهمتان، ترتبطان مع بعضهما أشد الارتباط، فبعد رسوخ الحب الحسيني علينا معرفة وإتقان الأهداف الحسينية، والعمل وفقها في إدارة علاقاتنا المتبادلة ونشاطاتنا في الكسب والعمل والفكر وإطلاق الأقوال، في كل ما ذكرنا، علينا أن نعتمد المبادئ والأفكار التي أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام) كخارطة طريق للمسلمين والإنسانية في مواجهة كل ما وكل من يقف عرضةً في طريق الحرية والسلام والعيش بكرامة وأمان واحترام.
يطلب منا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أن نلتزم بحب الحسين وأن نسعى بلا تردد في تطبيق أهدافه ومبادئه عمليا في حياتنا، قائلا سماحته: (اسعوا إلى نشر حبّ الإمام الحسين، وبعده فكر الحسين صلوات الله عليه ثم السعي للعمل وفْقهما).
كيف نحظى بجوامع السعادة
إن من جملة المسؤوليات والمهام التي تُلقى على محبّي الإمام الحسين عليه السلام، في إطار تحقيق الأهداف الفكرية، هي أولوية تعظيم الشعائر الحسينية وإقامة مجالس العزاء وتنشيط المواكب وإنشاء الهيئات وتعميم إشارات وعلامات ولافتات الحزن والبكاء، فهذه الطرائق الممكنة تسهم بشكل أساسي في نشر الفكر الحسيني وفي توسيع الرقعة الأرضية التي تصل إليها وتشملها، ومن ثم توصيلها إلى العقول والقلوب والنفوس، وسوف تجد موطنها الملائم، لأن الإنسان مجبول على هذه المبادئ الهادفة إلى تكثيف القيم وترميزها بما يتسق وما يهواه الإنسان لأنها تتوافق مع ما يرومه الناس، لذا يستوجب هذا الأمر التركيز على تعظيم الشعائر الحسينية بالشكل الذي يستحقه الإمام عليه السلام.
فإن أقدم محبو الفكر الحسيني ومعتنقوه على هذه الخطوات بإيمان راسخ، وأسهموا بجدية في بناء الحسينيات، وإنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات والهيئات التي تُسهم في قضاء حوائج الناس، كما توجّه إلى ذلك مبادئ الإمام عليه السلام، فإن الجائزة الكبرى التي سيحظى بها المشاركون في هذا الجهد الكبير هي الفوز بسعادات الدنيا والآخرة.
لذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بهذه المساندة كما في قول سماحته:
(عظّموا الشعائر الحسينية، وابنوا الحسينيات، وأقيموا مجالس العزاء والمواكب، وانشئوا الهيئات، وعمّموا مظاهر الحزن والبكاء، تحظوا بجوامع السعادة في الدنيا والآخرة).
ولكن هنالك تركيز مهم على قضية بالغية الأهمية ينبغي أن ترافق إقامة الشعائر، والتمسك بالمبادئ التي وصلت إلينا من ثورة الإمام، إنها قضية إقران هذه الشعائر بالتطبيق العملي للفكر الحسيني والمبادئ الحسينية، فحين نعظّم الشعائر من المهم أن نطبق ما يريده الإمام الحسين منا، بخصوص الإخاء والتماسك والتكافل والتراحم والإنصاف والقيم الأخرى، مع الأهمية القصوى في عدم الخوف من مواجهة الظلم، ووجوب الانتصار للحق والأخلاق الإسلامية الراقية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إن مما يرضي الإمام الحسين سلام الله عليه، هو أن نصحب الشعائر التي تقام باسمه بالفضيلة والأخلاق الإسلامية في كافّة المجالات).
تشجيع الكتابة في الفكر الحسيني
وعلينا التركيز على الكيفية التي يمكن أن تعزز تطبيق الأهداف الحسينية، كونها مقدمات لتحقيق هذه الأهداف، فتعظيم الشعائر وإقامة مجالس العزاء والبكاء وكل الفعاليات المساندة من كتابة ونشر وسواها تضع أنفسنا وقلوبنا وأقدامنا على الجادة الصواب كي تتحقق النهضة الحسينية المقدسة بشكل راق وملموس ومؤكّد من خلال النتائج الاجتماعية والأخلاقية والإيمانية التي يتم تعزيزها ونشرها على المستوى الإسلامي والإنساني أيضا.
من هنا تأتي أهمية مشاركة محبي ومؤيدي منهجية الإمام الحسين عليه السلام، على أن تكون كل هذه الأنشطة الفكرية المبدئية ملاصقة للفعل البشري في جميع مجالات الحياة، إذا لا يصح أن نؤمن بالمبادئ ونسعى في طريق الأهداف ثم في النهاية حين نصل إلى التطبيق لا نفعل، لذا يركز سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على أولوية وأهمية بل وحتمية إرفاق التنظير الفكري بالتطبيق العملي للأهداف الحسينية العظيمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن مجالس العزاء والبكاء وما يكتب وينشر، هي كلّها مقدّمات لتحقيق هدف الإمام الحسين سلام الله عليه من نهضته المقدّسة).
ومن أهم ما ينبغي علينا القيام به كمؤيدين ومحبين للفكر الحسيني، خصوصا ونحن نعيش هذه الأيام وقائع زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، هو ذكر تضحيات سيد الشهداء وذويه وصحبه الأطهار، لما قدموه للمسلمين وللبشرية من مآثر وتضحيات لا أعظم منها ولا أنبل، حيث قُدمت أرواحهم الطاهرة ونفسهم الشريفة ودماؤهم الزكية قرابين لحماية الإسلام والمسلمين من الجور والظلم والانحراف والاستهتار الأموي بحقوق الأمة والانسانية.
لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي الجميع إلى تعزيز هذه المظاهر، وتاسيس العزاء بكل الأشكال الممكنة والمشروعة في نفس الوقت، فهي السبيل إلى تعزيز ما رمى إليه الإمام عليه السلام، وهي سبيلنا إلى الحرية وخلق أجواء عالمية إسلامية خالية من الأحقاد والضغائن وكل أشكال الاحتراب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (علينا تأسيس عزاء الإمام الحسين سلام الله عليه وتشجيع إقامته بمختلف أساليبه وأشكاله المشروعة).