شبكة النبأ: مِمَّ يعاني العراق، وما هي الأسباب التي تقف وراء ما يحدث فيه من تداعيات قد تكون خطيرة؟، فالعراق كما يرى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظلّه)، لا يستحق ما يطوله اليوم من ظلم وتعسّف، كون هذا البلد العريق هو مهد الحضارة الإنسانية ومهبط الأنبياء وموطن الأئمة الأطهار من الدوحة المحمدية المشرفة، وهو أيضا بلد الموارد البشرية الخلاقة، وأرض الثروات الطبيعية الهائلة، والتربة الخصبة التي سمّيت لكثرة مساحاتها المزروعة بأرض السواد، والعراق بلد الرافدين دجلة والفرات، وإن تحدثنا عن الذهب الأسود فهو بلد الكنوز التي لا تُدانى.
كيف يعيش فقيرا محروما منذ عقود وإلى اليوم، ولماذا؟ ما هي أسباب ذلك ومن يقف وراءها، ثم أليست هناك حكومات نموذجية في تأريخه الإسلامي السياسي، لماذا لم يأخذ بها قادة اليوم وسياسيوه كنموذج لإصلاح العراق والنهوض به وبشعبه وأرضه وتأريخه إلى ما يستحق من مكانة ومرتبة تعيد البهاء والرفعة لهذا البلد وأهله.
لذلك يدعو سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية قيمة يوجهها إلى كل من يهمه أمر العراق من أصحاب السلطة والعلم والفكر والثقافة وعامة الناس، يدعوهم إلى تغيير واقع العراق من خلال إدارته بطريقة متحضّرة وتحسين دعائم الاقتصاد فقيها، مؤكِّدا سماحته قائلا:
(يجب أن لا يبقى العراق كما هو عليه اليوم).
ويأتي سماحة المرجع الشيرازي بأدلة تاريخية قاطعة على الموارد الهائلة لهذا البلد، وعلى حُسن إدارتهِ قبل أكثر من ألف سنة، وحُسن الإدارة هنا يتوزع في مجالات إدارة الموارد المائية والزراعية والثروات، وكل ما يتعلّق بتمشية شؤونه الاقتصادية، وحين نقارن بين الماضي البعيد (1000 سنة) وبين الواقع الزراعي والموارد المائية وإدارة الزراعة والاقتصاد عموما، سنُصاب بصدمة، وسنعرف من حجم الفارق الكبير بين أحوال العراق ماضياً وواقعهِ راهناً، على مستوى بناء السدود والإدارة الاقتصادية العلمية للموارد المائية كمثال على سوء الإدارة الحالية لهذا البلد العزيز الغني.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (كان في العراق وحده وقبل قرابة ألف سنة، من الموصل إلى بغداد، على نهر دجلة أربعين سدّاً. وهذا الأمر لم تجده في العراق اليوم ولا حتى قبل خمسين سنة، بلى كان منه القليل قبل قرابة ستين سنّة).
فشل إدارة الأموال تسبَّبَ بالكوارث
من الواضح أن ما يجري في العراق، وهو امتدادٍ لعقود من التردّي الإداري، يستوجب من الطبقة الحاكمة أن تبحث عن الأسباب، وأن تصل إلى نتائج واقعية، وبعدها يجب عليها أن تبحث عن نماذج الإدارة الحكومية الناجحة في تاريخ العراق والإسلام، كما عليهم أن يقرأوا سيرة الإمام علي عليه السلام، ويستطلعوا السبل الصحيحة التي أدار بها شؤون الدولة، وما هي الإجراءات والخطوات والوصايا التي كان يصدرها لعمّاله في الأمصار الإسلامية البعيدة والقريبة، إن دراسة هذه السيرة النموذجية ستكفي الحاكم الصادق مع نفسه كي يفهمها ويتّخذ منها طريقا نحو الإدارة السليمة والعادلة والتي تنتهي إلى نتائج باهرة.
ولكن كما تشير الأدلة هناك من غلبتْهُ شهوات السلطة والمال والنفوذ، وأنستْهُ دينهُ وتعاليمهُ أو أنه غضّ الطرف عنها، وراح يترك مسؤوليته الإدارية المحضة للسلطة، لينخرط في أعمال تجارية ومضاربات ليست من اختصاصه، يفعل هذا طمعا بالمال ونزولا مذلّا عند أوامر نفسه الصغيرة، فالحاكم والمسؤول الأعلى ومن هم أدنى لا شأن لهم بالمضاربات والعقود وما شابه، لأنها ستسحبهم إلى حومة الفساد، وتسقطهم في دائرة الشبهات والتجاوزات، لأن الأول والأخير في قضايا الاقتصاد والتجارة هو الشعب القطاع الخاص وليس قطاع الدولة ولا الحكومة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (من سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أنّه كان يكتب لولاته على الأمصار والدول المبعوثين من قبله صلوات الله عليه، أنّه لا تتدخّل في الأعمال والاقتصاد وفي الاستيراد والتصدير، بل عليك الإدارة فقط، حتى لا يظلم أحد أحداً، فاجعل الأمور كلّها بيد الشعب).
هناك عوامل وأسباب تقف وراء هذه الدعوة التي يتم توجيهها للطبقة السياسية في العراق؟، فسوء الأوضاع هي التي توجب على الساسة (كتل، وأحزاب، ومنظمات، وشخصيات وسواها)، أن تتجنب الانخراط في أعمال لا تقع ضمن اختصاصها أو مهمتها الإدارية، لأن المظالم الشنيعة التي يتعرض لها العراقيون اليوم يجب أن تتوقف، وأن ما يمر به العراق من ويلات وإسراف وسوء إدارة يجب أن يتوقف أيضا، وعلى القادة العراقيين ومن يهمه هذا الشأن أن يتعلّم كيفية إدارة السلطة من الإمام علي عليه السلام، فهذا النموذج الإداري للسلطة كفيل بتقديم ما يلزم من نصائح ومعلومات وافية لنجاح الحاكم والمسؤول في كيفية إدارة السلطة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على: (إنّ عراق اليوم وعراق الغد بحاجة إلى إدارة تتعلّم من عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه. تكفي المظالم التي مرّ العراقيون بها في العقود الخمسة الأخيرة ولحدّ الآن).
كلّنا مسؤولون عن إنقاذ العراق
ثمّة إجراءات معروفة يمكن لمن يسوس العراق اليوم أن يطبقها لكي ينقذ العراق والعراقيين من حالة البؤس التي يعيشها، المهم أن لا يتم تخليص العراق من الظلم بوساطة إلقاء التهم على هذا أو ذاك من الساسة أو غيرهم لم تعد تجدي نفعا لتقديم المعالجات اللازمة، فالعراقيون جميعا من دون استثناء تطولهم مهام معالجة الأوضاع المعقدة المريرة المتشابكة التي يتشرنق بها العراق دون أن يجد السبل الصحيحة للخلاص، على أن المهمة بالنتيجة تشمل الجميع، فمن يقول أنه منتمٍ إلى العراق عليه أن يحمل راية الإصلاح بقوة وأن يبادر بذلك من مكانه ومركزه ووظيفته وعمله ودوره في المجتمع.
لأن العراق في حالة الإسهام الكلّي والشعور الجمعي بالمشاركة في عمليات الإصلاح سوف يكون بالنتيجة نموذجا لدول المنطقة، بل لدول العالم، نظرا لما يمتلكه من مقومات الثراء والموقع الجغرافي والسياسي الذي يؤهله أن يعود إلى عصره الذهبي في كونه النموذج للدول الأخرى، علما وثقافة وسياسة واقتصادا واجتماعا، كما كان عليه في الحكومة العادلة للإمام علي عليه السلام.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (العراق لا نقص فيه، فلماذا حاله يكون كما نراه اليوم؟ ولا نلقي اللوم والمسؤولية على هذا وذاك، فهذه المسؤولية هي مسؤولية الكل، أي ليحاول الكل ويسعون إلى إصلاح العراق).
وإذا كان الحاكم والمسؤول تقع عليهم وظيفة إدارية محددة للسلطة مطلوب أن ينجحوا فيها، فإن الجميع مطالَب بالنجاح في مهمته لإنقاذ العراق مما هو فيه، بمعنى أن المواطن بجميع وظائفه وعناوينه وفئاته العمرية أو سواها، ليس معفيّا من المسؤولية، في إنقاذ البلاد مما تعانيه من مشكلات كأْداء، وعلينا جميعا أن نتحلى بالوعي التام وأن نفهم ما هي مسؤوليتنا وأن نشعر بها، وأن نتعاون ونتكاتف بقوة لاسيما في المجال التطبيقي، أي تحويل هذه المسؤولية إلى فعل يُساهم بطريقة أو أخرى في تخليص العراق من بؤر الظلم وشبكات الفساد، والنهوض به إلى المستوى الذي يليق باسمه وتاريخه وانتمائه، كونه أرض الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يرى:
بأنّ (مسؤولية الخلاص من المظالم هي مسؤولية على الكلّ وعلى الجميع. وتقع على كل رجل وامرأة، وعالم وموظّف، وكلّ أستاذ وطالب، وكل معلّم وتلميذ، وعلى العشائر الغيورة وغيرهم، عليهم جميعاً أن يتعاونوا ويتكاتفوا).
وتبقى درجة المسؤولية محددة بطبيعة المركز الوظيفي والاجتماعي والديني، بمعنى كلما كان مركز الإنسان العراقي أعلى من سواه وظيفيا فإن مسؤوليته تكون أكبر وهذا ينطبق على الدرجات الأخرى، لكن الجميع منن دون استثناء مسؤول عن إنقاذ العراق مما يحيق به من مخاطر كبيرة وحقيقية.