LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الحكومات بين الواقع والشِعار
رمز 221
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 16 أكتوبر 2014
شبكة النبأ: هناك حكومات عديدة، تقول انها حكومات إسلامية، ولكن هل يصحّ الاعتماد على الحكومات نفسها، لكي نثق ونؤمن بأنها إسلامية في القول والعمل؟، وهل يكفي أن تقول الحكومة، أنها إسلامية وملتزمة بأحكام الإسلام فيما يتعلّق بإدارة السلطة والحكم، لكي نثق بأنها فعلاً إسلامية، أم أننا ينبغي أن نستمد حقيقة الحكومة، أية حكومة، من واقع الحال الذي يعكس قراراتها وأفعالها إزاء المجتمع الذي تحكمه؟، لا شكّ أن الاجابة الصحيحة، أننا لا نعتمد ما تنسبه الحكومات لأنفسها من تسميات أو قرارات أو أفعال.

إننا في حقيقة الأمر نقف عند حقائق يعكسها الواقع، ونقف عند قرارات نظرية ينبغي أن تتحول إلى عمل ملموس، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه، بالأعمال والقرارات الواقعية للحكومة، وهذه بدورها، هي دليل المراقبين والمعنيين على صحّة قول الحكومات من عدمه، فنحن نلاحظ أن جميع الحكومات في جميع دول العالم، غالباً لا تذمّ نفسها، بل الغالب هو مدح نفسها، ولا نجد إلاّ ما ندر، حاكماً أو حكومة تقول أنها أخطأت بحقّ الشعب، أو بحقّ نفسها، حتى الحكومات التي تقف على رأس المجتمعات المتقدّمة.

لذلك لا يمكن أن نعتمد أقوال الحكومات وادّعاءاتها، كمعيار نقيس عليه صلاحية هذه الحكومة أو تلك من عدمها، إنما المعيار هو ما يعكسه واقع الحكم، وما يفرزه الواقع من التزام بحقوق المجتمع وحرياته واحتياجاته وما شابه، كذلك لا يمكن أن يكون الشعار، مهما كانت كلماته عميقة ومؤثّرة، معياراً لقياس صلاحية الحكومات، فثمة منها تقدّم الشعار على التطبيق، علماً ان الشعار يكون جميلاً منمّقاً ومؤثّراً في مفرداته ومعناه، ولكن لا يمكن أن نركن إلى جمال معنى الشعار الحكومي أو إلى الجماليات التي تحملها كلمات الشعار، لأن سبب تراجع الأداء الحكومي هو تقديم الشعار على التطبيق.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتاب (من عبق المرجعية) على أن: (السبب فيما نراه في البلاد الإسلامية اليوم من نواقص، ومشاكل، يعود إلى أنها إسلامية بالاسم فقط، والشعار فحسب، وليس أكثر من ذلك).

 
خصوصية النظام الإسلامي
من الأمور المهمة التي لاحظها المعنيون بالشأن السياسي، أن الإسلام يطرح نظاماً للحكم ذا خصوصية تميّزه عن سواه من الأنظمة الأخرى، ولعل هذه الخصوصية تكمن في جوانب تنظيرية وعملية تتعلّق بالكيفية التي يُدار فيها الحكم والسلطة، كي تنتظم تحتها طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لذلك يطرح الإسلام نظاماً خاص للحكم، وإدارة محدّدة بوضوح لكيفية إدارة المجتمع، ولا يأتي هذا من فراغ، فهناك تجربة إسلامية مع الحكم تمتد على مسافة قرون متعاقبة، وكان الواقع وانعكاسات الحكم العملية هي معيار نجاح أو إخفاق الحكومة، ولم يكن الشعار طريقاً لتوصيف الحكومات، إنما العمل الواقعي الملموس هو المعيار الأول.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الشأن، في الكتاب المذكور نفسه: (لا شكّ أن الإسلام له نظام خاص للحكم، وإدارة شؤون المجتمع، كما لا شكّ في أن هذا النظام الإسلامي الخاص قد طُبّق في البلاد الإسلامية طيلة ثلاثة عشر قرناً حتى سقوط الدولة الإسلامية قبل أكثر من نصف قرن). وهذا يؤكد بطبيعة الحال، أن خصوصية النظام الإسلامي لم تأت من فراغ.

فآلية الحكم التي يدعو إليها الإسلام تعتمد الكثير مما يُسمى اليوم بالأنظمة الديمقراطية، بل كان الإسلام هو البوّابة الأولى للديمقراطية، وكانت الحكومة الإسلامية تعتمد ما تراه في الواقع من أدلة تؤكّد نجاحها في إدارة شؤون الناس، لذلك كانت الانتخابات وحرية الآراء، ومجالس الأمّة وما شابه، من آليات الوصول إلى حكومة منصفة، لا تقوم على الشعارات الفارغة من الفعل.

من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على: (أنّ في الإسلام انتخابات، واستفتاء، وإدلاء بالآراء والأصوات، ومجالس أمة وبلدية، وما شابه ذلك). وهذه الإشارات الديمقراطية الواضحة، هي أهم ما يدل على خصوصية الحكومة الإسلامية آنذاك، والتي ينبغي أن تتوافر اليوم في كل حكومة تنسب نفسها إلى الإسلام.

أما إذا ثبت العكس، أي عندما يكون الشعار المجرّد، وسيلة للحكومة، مع انها تنسب نفسها للإسلام، وتصف نفسها بالحكومة الإسلامية، فهذا أمر لا يمكن قبوله، أو الموافقة عليه، لأنه يتناقض مع خصوصية النظام الإسلامي، ولا يرتقي قط إلى مبادئ الحكم الناجح في المنظور الإسلامي، وهو الحكم الذي يدعو إلى الاقتران التام بين الشعار والتطبيق، وعندما يحدث العكس، فلا علاقة لمثل هذه الحكومات والأنظمة السياسية بالإسلام ومنظوره لإدارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فمن يُنسِب نفسه من الحكومات والحكّام إلى الإسلام، عليه قبل كل شيء أن يلتزم بمبادئ الإسلام التي تدعو لإنصاف الناس فعلياً، وليس عبر الشعار أو الادّعاء.

أهمية المشاركة في الرأي
من الأمور التي تبعد الحكومة عن الشعارات المجرّدة، دور الرأي المختلف وحرية الإدلاء به، فمن السمات الأساسية للنظام القائم على مبادئ الإسلام، انه يسمح للجميع بالمشركة في آرائهم حول إدارة الدولة، أو سوى ذلك مما يتعلّق بحياتهم، وعندما تلغي الحكومات هذا الشرط، وتحول دون مشاركة الرأي المعارض المختلف معها، فإنها تلغي أهم الشروط التي وضعها الإسلام كهوية للنظام الذي ينسب نفسه له، من هنا فإن كل نظام يقوم على الاستبداد والظلم وحصر السلطة بأيدي شخص أو حزب أو أقلية، لا يمكن أن يكون نظاماً إسلامياً، لسبب بسيط، أن حرية الرأي مكفولة للجميع في الإسلام، وعندما تتم مصادرتها تحت أي تبرير كان، فهذا يتناقض مع سمات النظام الإسلامي، ويصادر السمات الشعبية، أو المشاركة الشعبية الواسعة التي يمكن أن تميّز هذه الحكومة عن تلك.

يقول سماحة المرجع الشيرازي، بالكتاب نفسه، في هذا المجال: إن (الحكومة في الإسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فماذا يريد الناس غير المشاركة في الرأي، وغير الغنى، والعلم، والحريّة، والأمن، والصحّة، والفضيلة، مما يوفّرها الإسلام خير توفير؟).

هكذا ينبغي للحكومة التي تنسب نفسها للإسلام، أن تكون قادرة على توفير كل ما يحتاجه الفرد والشعب في الوقت نفسه، وهذا قد يصعب تحقيقه، ما لم تكن هناك إرادة فعلية لتحويل الشعار إلى واقع، أو إلى حقيقة عملية تتجسد على أرض الواقع، لذلك يمقت الشعب تلك الشعارات التي تحتوي على مفردات متميّزة وجمل منمقّة إذا كان هدفها تجميل وجه الحكومات فقط.

لأن الشعب يتعامل مع حقائق، ويحتاج إلى قرارات لا تبقى حبراً على ورق، الشعب يحتاج إلى حكومة أفعال وليس إلى حكومات شعارات.

لأننا كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه: (لا نسير خلف الأسماء والشعارات بل خلف الواقع). فالأخير أي الواقع هو المعيار الأهم للكشف عن هوية الحكومات، وهل انها تنتمي للإسلام أم لا؟

وسوف يتم الكشف عن هذا الانتماء الإسلامي من عدمه، ليس على أساس ما يتم نشره في الشعارات المعلّقة في الشوارع والساحات العامة والدوائر الرسمية وما شابه، وإنما على أساس الفعل الذي يقترن بهذا الشعار أو ذاك، وعند ذلك سوف نكون إزاء حالتين، إما حكومة إسلامية حقيقية تقرن الشعار بالعمل، أو حكومة إسلامية بالاسم فقط، تعتمد الشعارات الفارغة فقط!!