LOGIN
المقالات
alshirazi.org
أئمة أهل البيت أسوة للمسلمين
رمز 234
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 27 ديسمبر 2014
شبكة النبأ: عبر تاريخ الإنسانية الطويل، كان الإنسان ولا يزال، ميّالاً للبحث عن النموذج الذي يقتدي به، في المجالين الفكري والعملي، أي في مجال القول والسلوك، وكان الإنسان ولا يزال منذ ولادته حتى مماته، مراقباً جيّداً لمن يؤمن بهم ويرى في أفعالهم وسلوكم طريقاً جيّداً لبناء الحياة، ولعل اتّخاذ المسلمين نماذج من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأسوة حسنة لهم، هو الدليل القاطع لما ذهبنا إليه، فقد دأب المؤمنين على متابعة أقوال الأئمة عليهم السلام، ومتابعة مواقفهم الخالدة في التاريخ، وانطلاقاً من ذلك كان أئمتنا عليهم السلام مثالنا على مرّ التاريخ، في المواقف الخالدة.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيّم الموسوم بـ(نحو بناء النفس والمجتمع)، إذ قال سماحته في هذا المجال: (لنا في موقف الإمام الحسين سلام الله عليه مع الحرّ وأصحابه في كربلاء قدوة أيضاً، فإنّ الإمام سلام الله عليه سقاهم الماء مع أنه كان يعلم أنهم – إلاّ الحرّ – قاتلوه بعد ساعة!). فإذا عرفنا واطّلعنا على مثل هذه المواقف التي كانت تمثّل خطّاً واضحاً وسيرة ثابتة لأئمة أهل البيت عليهم السلام، فإننا جميعاً سوف نزداد تمسّكاً بهذا الطريق نحو بناء النفس والمجتمع في وقت واحد.

حتى في حياتنا الراهنة يمكن أن نلاحظ عيوب الآخرين في القول والعمل، وربما يكون منهم أناس على مستوى عال من المسؤولية والمنصب والصلاحيات، ومع ذلك فنجد انهم قد يُخطئون في موقف أو سلوك معيّن، وقد ينعكس مثل هذا السلوك بصورة معيّنة علينا وعلى الآخرين، ولكن في جميع الأحوال علينا أن نتمسّك بالطريق الواضح للأئمة الأطهار عليهم السلام والقيم التي زرعوها في الناس من أجل صلاحهم، ولا ينبغي أن تؤثّر علينا الأفكار أو الأعمال المسيئة مهما كان أصحابها، لأن المهم دائماً أن يكون الإنسان صالحاً ومصلحاً في الوقت نفسه، وأن لا يعتدّ بما يقوم به المخرّبون من أفعال أو ما يطرحونه من أفكار، لأن المخربين يهدفون إلى تدمير الحياة من خلال نشر الانحراف في المجتمع، لذا علينا أن نتّخذ النموذج الأمثل لنا كأسوة حسنة في حياتنا، ولا نتأثّر بمن لا يمت بصلة للمخرّبين الذين لا علاقة لهم بمبادئ وأفكار أهل بيت النبوة عليهم السلام أجمعين.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه المذكور نفسه، حول هذا الجانب: (لنسعَ لأن نصلح ما خرّب غيرنا. ونقول للناس: إنّ النبيّ والأئمة سلام الله عليهم كانوا صلحاء ومصلحين، فلا تتأثّروا بما يصدر عن غيرهم).

تقديم النموذج الأفضل
إنّ عملية بناء النفس تستدعي منّا، أن لا نكتفي باتخاذ النموذج الأفضل أسوة حسنة لنا فحسب، بل هناك دور آخر نحن مطالبون به، ألا وهو تقديم النموذج الأفضل للآخرين، أي نكون من خلال أقوالنا وأعمالنا نماذج جيّدة لمن يتواجد في محيطنا المجتمعي، وهذا بالضبط ما أراده منّا الإمام الحسين عليه السلام، فلا يصحّ أن ندّعي الانتساب إلى الفكري الحسيني ولا نعمل به، ولا يصحّ أن ندعو الآخرين للصلاح قبل أن نصلح أنفسنا، وليس من المناسب أن نتمسّك بمبادئ الإمام الحسين عليه السلام، ولا نستطيع أن نقدّم النموذج الأفضل للآخرين في سلوكنا وأقوالنا، لذلك يطالبنا أئمة أهل البيت بأن نكون النموذج لغيرنا في إصلاح الذات، والانتساب للخير وتوابعه بأفعالنا وأقوالنا، وينبغي أن نسعى دائماً لأن نكون مثالاً للآخرين في هذا الجانب.

لذلك يطالبنا سماحة المرجع الشيرازي بكتابه المذكور نفسه، بأن نقدّم النماذج الرائعة للناس دائماً، أي نكون نحن أولاً مثلما يريدنا الإمام الحسين صلوات الله عليه من حيث الأفعال والأفكار، لكي نكون نماذج جيّدة تسهم في إصلاح الآخرين، إذ يقول سماحته في هذا المجال بكتابه نفسه: (لنسعَ لتقديم النماذج العملية للناس وهو ما أراده وطلبه منّا الأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين).

وهناك أمر غاية في الأهمية، يتعلّق بأهل العلم تحديداً، فربما نحاول أحياناً أن نتبرّأ من أفعال وأعمال وأقوال بعضنا عندما يخطئ في مجال ما من مجالات الحياة، وهذا لا يصحّ بطبيعة الحال، بمعنى لا يجوز أن نقول أن هذا الفرد لا يمثّلنا، وإنما ينبغي العمل بجديّة لتدارك مثل تلك الأعمال المشينة، وأن نعمل بجديّة لتصحيح تلك الأفكار والأعمال، وأن لا نتبرّأ منها، من خلال التهرّب أو التبرير، بل يجب أن نتصدّى لعملية إصلاح الخطأ بقوّة ووضوح.

وهذا هو بالضبط ما دعانا إليه سماحة المرجع الشيرازي، من خلال قوله الوارد في كتابه (نحو بناء النفس والمجتمع)، إذ يؤكّد سماحته قائلاً في هذا المجال: (إذا ما صدر من أحد أهل العلم تصرّف مشين، ينبغي أن نسعى لتداركه ولا نقل إنه تصرّف شخصي ولا علاقة لنا به).

وفي كل الأحوال كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، لا ينبغي التنصّل من المسؤولية، عن الأعمال المسيئة التي قد يرتكبها أو يقع فيها بعض أهل العلم المحسوبين على النماذج الجيدة، إنما الصحيح دائماً، هو التصدّي بجديّة لتصحيح تلك الأخطاء بشفافية ووضوح وعدم تنصّل أو نكران لها، إنما الصحيح هو تصحيحها بروح المسؤولية الجماعية، مثلما نتعامل مع الحسنات والمواقف الجيّدة، من خلال العمل الأفضل والأجمل الذي يشكّل للآخرين، نموذجاً في السلوك وفي القول الصحيح أيضاً.

مكانة القَسَم وخطورته
من المواقف التي كان يتجنّبها أئمة أهل البيت، هي الحلف أو القسَم بالله عن أي شيء كان، وهذا المبدأ ينبغي أن نتعلّم منه الكثير ونلتزم به، نحن الذين نرى ونؤمن بالأئمة جميعاً أسوة لنا في حياتنا، فبناء النفس لا يمكن أن يتم بعيداً عن هذه المبادئ الكريمة الخالدة، ولا شكّ أن مكانة الله تعالى لا حدود لها عند الإنسان المؤمن، ولا يمكن زجّها في الوقائع الحياتية مهما كبرت أو عظمت، ولذلك كل ما يقوم به أئمة أهل البيت عليهم السلام، يعدّ خريطة فكرية وعملية لنا، نستقي منها سبل الحياة الأفضل والأجمل والأقرب إلى النجاح من سواه.

ولا شكّ أننا نتّفق أن الروايات الشريفة والأحاديث المباركة عن آل بيت النبوّة الأطهار، تعد دروساً لنا نتعلّم منها، ونبني بها أنفسنا ونحصّنها ونصونها من الوقوع في الزلل، ومما انتهجه أئمتنا عليهم السلام وفق مبادئ كثيرة عديدة تربوية أخلاقية وعملية، تفيد الإنسان، هو عدم القسم، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، ومثلما يرد ذلك في كتابه المذكور نفسه، حول جملة من النصائح والمبادئ التي كانت حاضرة في حياة أئمتنا الأطهار، تطرّز مواقفهم المبدئية بالتوفيق والنجاح الأكيد، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه (نحو بناء النفس والمجتمع): (في رواية صحيحة – عن الإمام الصادق عن الإمام الباقر سلام الله عليهما – أن الإمام السجاد سلام الله عليه كان مديناً لشخص بأربعمائة دينار ثم وفاه بعد ذلك. إلاّ أن الشخص أنكر على الإمام ذلك وطالب بالمبلغ مجدّداً أو أن يحلف الإمام بالله تعالى أنه وفاه، ولكن الإمام أمر ابنه الباقر سلام الله عليهما أن يعطيه المال ولم يكن مستعدّاً لأن يحلف. وكان الدينار الواحد يمكن أن يشترى به خروفاً يومذاك، ما يدلّ أن المبلغ لم يكن قليلاً، ومع ذلك لم يحلف الإمام وهو صادق)!

وهكذا يبقى أئمة أهل البيت عليهم السلام أسوة لنا، في حياتنا، ومواقفنا العملية والفكرية، كونهم مدرسة إنسانية عظيمة، تقدّم للإنسانية جمعاء دروساً في بناء النفس، وشقّ طريق النجاح في شقيّه الدنيوي والأخروي، على حدّ سواء.