شبكة النبأ: استعاد المسلمون قبل أيام قليلة، ذكرى جريمة هدم المراقد الطاهرة لأئمة أهل البيت النبوي الطاهر سلام الله عليهم أجمعين، في جنّة البقيع، في الثامن من شهر شوال (عام 1343 للهجرة) من قبل الفئة الوهابية التكفيرية الضالّة، وقد تجرّأت هذه الفئة المنحرفة على هذه الفعلة النكراء، وتجاوزت بذلك كل الخطوط التي لم يجرؤ غيرهم على التقرّب منها أو تجاوزها.
ولعل حالة التخبّط التي عاشها المسلمون منذ عدة قرون هي التي وفّرت لمثل هذه الفئة التكفيرية الغطاء والتبريرات المشوهة التي دفعت بهم للإقدام على جريمتهم النكراء هذه، وهي تعد إهانة لا يمكن السكوت عنها، وقد استغّلت هذه الفئة أجواء الفرقة المشحونة بالبغضاء، وأقدمت على فعلتها النكراء، مع علمهم المسبق بأنها تمثل خرقا للمقدس الإسلامي وللإرث العظيم الذي تركه الرسول الأكرم وآل بيته الأطهار للأمة الإسلامية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، استنكر في كلمة قيمة هذه الواقعة، وعدّها من الجرائم النكراء التي لا ينبغي السكوت عنها مطلقا، إذ قال سماحته:
قبل عشرات السنين وفي مثل هذه الأيام (وجّه الوهابيون إهانة كبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم، بل للقرآن والإسلام، ومازالت هذه الإهانة قائمة ومستمرّة، وذلك بهدمهم قبور أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم في البقيع، في المدينة المنوّرة).
ونظرا لمرور سنوات طويلة على هذه الجريمة الشنيعة، ولم يتم التراجع عنها، ولم تظهر في الأفق أية بوادر للتصحيح، فقد وجّه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، بمواصلة الشجب والاستنكار وإطلاق الحملات بمختلف أنواعها لشجب هذه الجريمة النكراء، ومواصلة الجهود الحثيثة لإعادة بناء المراقد الطاهرة في البقيع، على أن تتم هذه المطالبات على مستوى جماعي متواصل دونما يأس أو كلل أو تراجع، دعما للجهود السابقة ومواصلة السعي لإنجاز هذا الهدف.
لذلك حثّ سماحته (دام ظله) جميع المسلمين إلى الانتباه والسعي والمواظبة من أجل إعادة بناء المراقد الطاهرة، لاسيما وأنها تمثل تراثا إنسانيا، لا يجوز المساس به وفقا للأعراف الدولية بخصوص التعامل مع كل ما ينتمي إلى تراث الأمم الديني والثقافي والفني وغيره، لهذا مطلوب من المسلمين كافة عدم اليأس ومواصلة الحملات المنظمة والحثيثة للمطالبة بإعادة بناء المراقد المقدسة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(علينا أن لا نيأس؛ بل ينبغي أن نأمل أن تتحقّق نتيجة مساعي الذين سعوا قبلنا، ومساعينا في زماننا وعلى أيدينا، فنحظى بشرف وثواب إتمام التأثير؛ وإلاّ فسيكون من نصيب غيرنا).
كيفية استثمار حرية الإعلام العالمي
وإذا كانت هناك عقبات تتعلق بطبيعة الأجواء العالمية السائدة سابقا، لاسيما ما يتعلق بحرية الإعلام على المستوى العالمي، وانتشار وسائل الاتصال، وهيمنة الشوسيال ميديا على كل شيء، فضلا عن انتشار القنوات الفضائية التي تبث لكل أصقاع العالم عبر الأقمار الصناعية، فإن استثمار هذا الواقع، وهذه الحرية الإعلامية، يقع في صالح المسلمين الذين يسعون إلى تصحيح الخطأ الجسيم في هدم قبور البقيع الغرقد.
وطالما أن النشاط الإعلامي متاح لجميع الأفكار والخطوط، بما في ذلك المنحرفة منها كالإلحاد مثلا، أو الموجات التكفيرية المتطرفة، فمن باب أولى أن ينشط المسلمون بقوة وتنظيم ورويّة وإصرار على إنجاز حملات إعلامية ثقافية فكرية منظمة بشكل متطور، توضّح بجلاء الأبعاد التكفيرية المتطرفة التي تقف وراء هذه الجريمة النكراء وكسب الرأي العالمي لمعالجة هذا الخطأ الشنيع.
وهذه مهمة الجميع، فرجال الدين ليس وحدهم في هذا المضمار، بل كل المفكرين ممن يدعون إلى الحرية، ويصطفون إلى جانب حفظ وحماية التراث الإنساني العالمي، إذ ما جرى في جريمة هدم مراقد أئمة أهل البيت يعدّ إخلالا وتجاوزا على الإرث العالمي، والمطلوب منّا جميعا أن نستثمر الحرية الإعلامية ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة لغرض خلق رأي عالمي مؤيد لإعادة بناء المراقد المقدسة في البقيع من دون تهاون أو مراوغة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن عالم اليوم يختلف عن السابق كثيراً، من حيث الحريّة المتاحة وكثرة وتنوّع وانتشار وسائل الإعلام وسهولة الاستفادة منها وتأثيرها على الرأي العام العالمي).
رأي عام عالمي لبناء مراقد البقيع
ومما يجعل من مهمة إطلاق الدعوات والحملات الإعلامية في هذا المسار، ما تقوم به حتى الجماعات المنحرفة التي تسعى لحرف الأديان والمذاهب وتوظفها لصالح أهدافها، فضلا عن الأحزاب ذات الأفكار الهدامة، فهؤلاء جميعا استفادوا من حرية الإعلام العالمي، وجعلوه مطيّة لأفكارهم وأهدافهم غير السليمة.
حريّ بنا نحن أصحاب قضية إعادة بناء مراقد البقيع، أن نكون أكثر همّة واستفادة من الوسائل الإعلامية الحديثة بمختلف أنواعها، ومن الواجب على جميع المؤمنين حشد الطاقات والإمكانيات لإنجاز هذا الهدف ذي القدسية المحسومة، وما علينا سوى استثمار جميع الإمكانيات المتوافرة لدينا من أجل مضاعفة الضغوط القوية والكبيرة التي تركّز على خلق قوى ضاغطة على صناع القرار في السعودية لمعالجة ما جرى من تجاوز للخطوط الحمراء وللقيم التي تربّى عليها المسلمون.
ليس صحيحا المهادنة أو الفتور أو البحث عن الأعذار والتبريرات لترك هذا الهدف الذي يجب أن يكون من أول أولويات المسلمين، وفاءً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ولما قدّمه لأمة المسلمين والبشرية جمعاء، فلا يصح ولا يجوز أن تهدّم مراقد الأئمة الذين حملوا لواء الإسلام، وغرسوا مبادئه في قلوب المسلمين والعالم أجمع.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على هذه النقطة فيقول:
(هاهي الأديان والمذاهب والأحزاب المنحرفة كلها تستفيد من هذه الحريّة ومن وسائل الاتصالات لنشر أفكارها الباطلة، فأحرى بالمؤمنين لاسيما العلماء والمفكرين وأصحاب القلم والمبلّغين أن يستفيدوا من هذه الحريّة وهذه الإمكانات الموجودة، وأن يعيروا قضية – هدم قبور البقيع- أهمية قصوى).
ونظرا لضخامة القضية وحجم الهدف، والظروف المعقدة التي تحول دون إنجازه، فإن الجهود التي تسعى باتجاه تصحيح الخطأ الجسيم ومحو آثار هذه الجريمة البشعة، يجب أن لا تقتصر على فئة دون غيرها، من حيث العمر أو الانتماء أو نوع الجنس، فالجميع مطالَبون بالإسهام الفاعل في هذا الاتجاه.
المؤمنون جميعا تقع عليهم مسؤولية إعادة بناء مراقد البقيع، لا يوجد أحد مُستثنى من هذه المهمة، السعي مطلوب من الجميع، كلٌ بحسب قدراته وخبراته ومؤهلاته، والمهم أن تكون هناك مشاركة فاعلة قوية وفية، كي تجتمع جميع القدرات والطاقات، وتتحول إلى قوة ضاغطة عبر الإعلام ومختلف أنواع النشاطات والدعوات، لنصل إلى هدف واضح لا يقبل المساومة أو التأجيل، ألا وهو معاودة بناء قبور أئمة البقيع ولجم عقول وأفواه ونوايا التكفيريين المتطرفين.
سماحة المرجع الشيرازي يؤكد ذلك في قوله:
(إنّ على جميع المؤمنين علماء وكسبة وغيرهم، رجالاً ونساء، وشيوخاً وشباباً، في كل البلاد الإسلامية وغيرها أن يسعوا ليحقّقوا هذا العام المجموعي الذي يكون مؤثّراً إن شاء الله تعالى، وأن يستفيد كلّ منهم من كلّ فرصة متاحة وأينما حلّ وارتحل؛ بأن يطرح هذه المظلومية ويدعو لإزالتها).
وفي حال اجتمع المسلمون على موقف معالجة آثار هذه الجريمة النكراء – وهذا هو الموقف الحق والمطلوب-، وهو هدف عادل وصحيح، في هذه الحالة لابد أن تكون المعالجة قوية وجذرية وفاعلة، كي تمحو كل ما تركته هذه الجريمة من مخلّفات وتجاوزات، ولتكن درسا للمتطرفين التكفيريين يقوّض فكرهم التكفيري المتطرف ويشل قدراتهم ونواياهم وهي في مهدها.