LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"حَضَارَةُ العِلمِ النَّافِع"
رؤى مرجعية في التَّحوُّل الأخلاقي (2)
رمز 562
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 29 يونيو 2021
كتب: عبد الحسين السيد

مقدمة علمية

ما يُميِّز الحضارة المعاصرة هي التفجُّر العلمي، والتقدُّم العمراني، والتطور التقني. بل نحن نعيش في حضارة الثورة العلمية الرقمية، التي أحدثت نقلة نوعية في كل ميادين العلم المختلفة فصارت القفزات فلكية، وممكن أن نسميها ونقيسها بالسنين الضوئية، لأن هذه الثورة اعتمدت على النظريات العلمية وسيطرت على العالم بالمعلومات الضوئية الرقمية، بشبكة عنكبوتية جعلت الكرة الأرضية قرية إلكترونية كبيرة، فصارت الحضارة أوهى من بيت العنكبوت.

فالتفجر العلمي وسهولة الحصول على المعلومة صارت سِمَة مميزة لحضارة اليوم، وهو ما سهَّل السيطرة على العالم والتحكم فيهم والتدخل في دولهم وتؤثر بمعائشهم وحياتهم فتُعيد صياغة العالم والدول والشعوب كما يحلو لهم من خلال مراكز المعلومات والأبحاث والدراسات التي صارت هي التي تعطي الصورة التي يُريدها قادة الحضارة للأمم والدول والشعوب وليس الشعوب نفسها.

العلم قيمة كُبرى

وهذا ما علَّمنا إياه ديننا الحنيف وقرآننا العظيم، وذلك لاهتمامه بالعلم، والتعلم، والعلماء، منذ اللحظة الأولى لنزوله في غار حراء حيث نزلت سورة (العلق) بقوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 5)، ففي أول سورة كان الأمر بالقراءة، والقلم، والعلم بهما، ولذا لا نستغرب إذا كانت السورة الثانية نزلت باسم (القلم)، وبقوله سبحانه: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم: 1)

فالعلم يبدأ بالقراءة والكتابة ولكن هذا التنزيل لم يكن في القرن الواحد وعشرين في عصر الحضارة الرقمية والتطور التقني والثورة المادية بل كان في قلب الجزيرة العربية وفي الجاهلية الجهلاء حين لم يكن من العرب أحد يعرف القراءة والكتابة إلا لأشخاص معدودين فيها.

فنزل القرآن الحكيم على الشخص الكريم الذي لم يقرأ أو يخط بيمينه طيلة أربعين عاماً، كما تؤكد سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله، فكان الأمر بالقراءة في قوم لا يعرفون معنى للقراءة إلا الحفظ على ظهر قلب، والتناقل الشفاهي للشعر، والخطب، والقصص، من أنواع الأدب الذي برعوا فيه، وكذلك الأمر بالكتابة بالقلم في أناس لا يعرفون القلم للكتابة بل للرمي والاستقسام، والصيد به، وكانوا يسمونها الأزلام، وكانت الريشة للكتابة.

فرسول الله الكريم صلى الله عليه وآله والقرآن الحكيم، وضعوا أسس الحضارة الإنسانية حين أمروا بالقراءة والكتابة وبدء دورة العلم والتعلم فصارت الصحابة يتراكضون لتعلم ذلك، لأنهم سمعوا العشرات من الأحاديث الشريفة، من رسول الله إليهم صلى الله عليه وآله يحضُّهم على العلم، حتى قال: (اطلبوا العلم ولو بالصين)، "وغايته الوصف بأبعد مسافة متصورة حينذاك لما لطلب العلم من أهمية شرعية وعرفية في حياة الإنسان". (العلم النافع السيد المرجع صادق الشيرازي دام ظله: ص18)

نعم؛ العلم قيمة وقمَّة عالية وكلما صعدنا في مراقي العلم اقتربنا إلى منبع النور والحضارة، وذلك لأن العلم الذي يُريده الله ورسوله من عباده هو ما يُقرِّبهم إليه ويُعرِّفهم خالقهم ونبيَّهم ووليهم وأنفسهم، لا العلم الذي يجعلهم طغاة وجبارين وسفاحين وسفاكين للدماء، ويعملون مبيدات بشرية كما جرى في الحرب العالمية الثانية حيث أُبيدت مدينتين فاستسلمت اليابان وحلفها لأنه لا طاقة للبشر بتحمل الإبادة الجماعية بهذا الطريقة الوحشية، وذلك بفضل العلم الذي توصل لصناعة القنبلة الذرية في حينها، ولم يكن لديهم غيرهما ولو استمرت المعركة لربما كان للبشرية وجه آخر غير هذا الذي تسيطر عليه الحضارة الغربية، بقيادة الولايات المتحدة التي لها شرف صناعة واستخدام السلاح النووي في عصر الحضارة الرقمية.

العلم نور من الله

هنا خيط رفيع بين الحق والباطل، والخير والشر، والعلم والجهل، فالعلم ليس مجموع المعلومات فالكمبيوتر يجمع معلومات العالم فهل صار عالماً؟ والروبوت يحمل كل ما تعطيه فهل صار إنساناً؟، الأمر ليس بكثرة المعلومات، وغزارتها، ووجودها في الفكر أو الذهن وهذا ما نبَّه إليه سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي دام ظله في كتبه ومحاضراته الرائعة، لا سيما في المحاضرات الأخلاقية التي يُحاول سماحته التمييز بين العلم والجهل، وبين العلماء وغيرهم من المحصِّلين، أو الدارسين، ولذا تراه يُطالب الطلاب بتعلم الأخلاق، والفضيلة، لأنهم لن يكونوا علماء إلا بذلك.

ويؤكد سماحته على الرواية الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (العلم نور يقذفه الله في قلب مَنْ يشاء)، ويشرحه سماحته قائلاً: " ينبغي لأهل العلم أن يعرفوا أنّ الدراسة شيء والعلم الذي يبتغيه الله تعالى شيء آخر، فإنّ الدراسة مهما كانت واسعة وعميقة ومستوعبة فإنّها تصلح بحدّ ذاتها أن تكون مقدّمة للعلم فقط.. فلو أنّ شخصاً درس عشرات السنوات وتعلّم العربية والمنطق والفقه والأصول والفلسفة والبلاغة وغيرها، يكون قد حصل على معلومات، أمّا العلم الذي يريده الله وتواترت الأحاديث الشريفة في فضله، فهو ذلك النور الذي يقذفه الله في قلب مَن يشاء؛ والله تعالى يقول: (وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ) (سورة النور: 40، العلم النافع: ص21).

ثم يقول المرجع الشيرازي دام ظله: " إنّ التحصيل العلمي مقدّمة لحصول الإنسان على مطلق العلم؛ أمّا ذلك النور نفسه فهو شيء آخر، وهو من قبيل ما يُدرَك ولا يُوصف"، لشرافته ولطافته ولذا جاء وصفه بالنور، والنور كاشف لغيره، غامض في نفسه لوضوحه و"من أشكل المشكلات توضيح الواضحات"، كما يقول العلماء الكرام.

فالحضارة الرقمية اليوم كسبت العلم وتطورت به ولكن خسرت الإنسان وقيمته، وشرفه وكرامته، لأنها انطلقت مع "الثورة الصناعية" في أوربا الغربية، بما يُسمونه "عصر التنوير" لخروجهم من ظُلمات القرون الوسطى التي حبستهم فيها الكنيسة الكاثوليكية لقرون ومارسوا عليهم أبشع وأشنع أنواع الذل والامتهان، والقتل بالمقصلة الرهيبة، المخصصة لقطع رقاب العلماء، فقاموا بثورتهم على أولئك الذين يتحدثون باسم الله، ولكن للأسف انحرفوا فبدل من الثورة على الأشخاص الفاسدين نسبوا ذلك لرب العالمين، وقالوا مع مفكريهم وفلاسفة الثورة لديهم: لا يمكن الخروج من هذا النفق المظلم إلا بقتل الإله فصاح "نيتشة" صيحته الشهيرة: "نحن قتلنا الإله".

ولكن وجدوها فرصة للتخلص من الدِّين وليس من رجال الدِّين الفاسدين، فجاء بعده تلميذه "فوكو" بنظرية متطورة سماها "قتل الإنسان"، ويعني قتل الإنسانية فيه، وكانت انطلاقة فكرة الأنسنة في أوربا، فتخلَّصوا من الدِّين بقتل الدَّيان، وتركوا الفضيلة والأخلاق بقتل الإنسانية في الإنسان، وعلى هذا صارت وكبرت وتعملقت الحضارة الرقمية اليوم، بالعلم دون الفضيلة، وبالتقدم دون الأخلاق، وبالتطور ولكن بلا مرجع ولا مستند يُصوِّب المسيرة، ويُصحح أخطاء الحضارة الرقمية فكانت وبالاً على الجميع كما نرى ونسمع ونعيش في هذه الأزمات الكونية وأصلها وأساسها الأزمة الأخلاقية والقيمية في الحضارة الرقمية.

فالعلم مطلوب ومرغوب لبناء الحياة، ولكن ليكون وسيلة لرقي الإنسان، ورفعته في قيمته وكرامته وتحقيق إنسانيته، وأما العلم اليوم صار سيفاً قاطعاً، بل سلاحاً فتاكاً جداً للدمار لا للعمار، وللحرب والخراب لا للتقدم والبناء، حتى أن ما هو موجود من السلاح النووي فقط عدا عن غيره من أسلحة الدمار الشامل، ما يمكن أن يدمِّر الكرة الأرضية أكثر من مئة وخمسين مرة كما يقولون، فأي علم هذا الذي سيُبيد الحياة عن بكرة أبيها، ويُحوِّل الكرة الأرضية إلى جهنم وجحيم يصطلي بها البشر، فهل هو نعمة كبرى أم نقمة عظمى على البشرية كلها؟

فالعلم يجب أن ينطلق من الله ويستقر في قلوب الخيرة الطيبة من عباده الذين تفيض قلوبهم رحمة ورأفة ونورانية على خلق الله كالأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم السلام لا أولئك الأشقياء الذين إذا تعلموا طغوا، وإذا تسلموا المناصب بغوا، وإذا حصلوا على السلاح قتلوا ودمَّروا، فالعالِم هو المصلح للبلاد والعباد، والجاهل هو المفسد ولو كان معه كل شهادات العالم، فالشهادة تشهد أنه صار لديه علم في مجاله وأنه جمع بعض المعلومات في اختصاصه وأما أن يكون إنساناً يحمل في قلبه تلك الفضيلة فعليه أن ينتظر أن يُقذف ذلك النور فيه من ربه سبحانه وتعالى.

أنواع العلم كثيرة

ما يُميِّز هذه الحضارة أيضاً أنها شقَّقت العلوم وجعلتها أكثر تخصصاً وبذلك صارت أكثر دقة وتطوراً في كل المجالات العلمية المادية التي انطلقت منها، فدرسوا الإنسان – أعجوبة الكون – حتى وصلوا إلى قراءة الخريطة الوراثية فيه الجينوم، أو ال(d n a)، ولكنهم لم يستطيعوا أن يعرفوا شيء عن الروح فأهملوها لأنها من الله الخالق، وهم قتلوا في أنفسهم هذه القيمة التي لا يمكن للحياة أن تسير إلا بها، فأنكروا المبدأ والميعاد فتاهوا في صحراء الدنيا، وما عرفوا سرها لأنهم يفكرون خارج سربها، فتراهم يتخبَّطون في متاهة مظلمة، ويدورون في حلقة مفرغة، ولا يهتدون سبيلاً لأنهم يخافون أن يفكروا بالإله وبرسله الكرام لإنقاذ هذا الإنسان ولا يجرؤون حتى على التصريح بذلك لأنهم سيرمون بالجنون، أو يُقتلون وتُحرق كتبهم لكي لا يستيقظ هذا الإنسان من غفوته وسكرته إلا بالموت، فـ(الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا).

فالعلوم كثيرة وكبيرة ولكن أشرف وأفضل العلم هو ذاك العلم النوراني المقذوف في قلب العالم من الله رب العالمين، ليكون هذا العالِم سراجاً يضيء للسالكين في دروب الحياة المظلمة، وهم الذين يقرنون العلم بالعمل، والمعرفة بالفضيلة، والسير بالسلوك الحسن، ويدعون إلى الله بالتي هي أحسن، وهذا ما يدعو إليه السيد المرجع والأب المربي في محاضراته التربوية لطلاب العلوم الدِّينية وغيرهم حيث يقول المرجع الشيرازي دام ظله: " ولا ينبغي لطالب العلم (لكي يصدق عليه أنّه طالب علم) أن يقتصر على الدَّرس أو التدريس برهة من الزمن فحسب - وإن كان هذا لا بأس فيه - بل على المرء أن يتعلّم، إلى جنب دروسه، كلّ أحكام الحلال والحرام، بالإضافة إلى أصول الدِّين، والأخلاق، والآداب الإسلامية.

فلا يتصوّر أحد أنّ الأخلاق الإسلامية كلّها علوم لا اقتضائية، فكثير مما يعبّر عنه اصطلاحاً بالأخلاق إنّما هو من الواجبات، وضدّه من المحرّمات، فإنّ التكبّر والعُجب مثلاً ليسا من المكروهات - بالمعنى الأخصّ - بل هما من المحرّمات، وكذلك المِراء - وهو الجدال بالباطل - وغير ذلك ممّا يوصف بالأخلاق الذميمة". (العلم النافع: ص18)

فالعالِم حقاً وصدقاً هو ذلك العالم المتنوّر بنور العلم الإلهي، "الذي لا يأتي مع كثرة الدراسة، ولا بكثرة التعلّم، بقدر ما يأتي مع التحلّي بالفضائل والعمل بمقتضاها، وليس المقصود ألا يبذل الطالب جهداً في الدَّرس، بل المقصود أن يؤطّر دراسته بمجمل الفضائل التي ترقى به لأن يحصل على نور العلم". (العلم النافع: ص28)

ونور العلم له منبع واحد، ويدلُّ عليه بيت واحد وهو ما يُشير إليه سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله بقوله: "علينا أن نتعلّم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ونتأدّب بآدابهم، لنحصل على نور العلم، (وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور: 40)، وما لم يكن ذلك النور موجوداً فلا فائدة ترتجى وإن كانت الدراسة متحقّقة عند الشخص وكان يُجيد الكلام، والمنطق، ويتقن الخطابة، أو التأليف، ويملك معلومات كثيرة وجيدة". (العلم النافع: 26)

فالإنسان لا يوصف بالعالِم إلا إذا كان علمه من ذاك المنبع الأزلي للفيض، وهو العلم الذي يجب أن يرافق القيمة والفضيلة في كل مراحلها ليصدق عليه أنه يهدي إلى الله وإلى صراطه المستقيم في هذه الحياة الدنيا فيكون منقذاً لصاحبه ولمَنْ حوله من بني جنسه من البشر، وهذا ما يؤكده ويحاول أن يرسخه المرجع الشيرازي دام ظله معطياً الأفكار النيِّرة معززاً إياها بالواقعية من الحياة وسيرة قادتها من العلماء والأعلام.

ما هو العلم المطلوب؟

وهنا يخطر بالبال والسؤال عن العلم المطلوب والمرغوب فيه، لا سيما وأن العلم جاء مطلقاً في معظم الروايات والأحاديث الواردة في بابه، فأي علم نطلب من المهد إلى اللحد؟ وأي علم نطلبه ولو في الصين، وحتى في أقاصي الأرض؟

الحكمة مطلوبة ومرغوبة ولكنها لا تأتي من تلقاء نفسها، ولا تنبع من أعماق المرتاض، بل هي هبة ربانية كما يقول سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (البقرة: 269)، ولقمان الحكيم لم يولد حكيماً، فالأمهات لا تلد حكماء إلا إذا كان مثل السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، بل الله يؤتيه الحكمة بقوله: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان: 12)، فالحكمة هبة وهدية وعطاء من الله يجب الشكر عليها.

والقرآن الحكيم لا يصف رسول الله صلى الله عليه وآله بالحكمة فقط بل بمعلم الحكمة وقد قرن الكتاب بالحكمة في تسع آيات، وقرن تعليمه (صلوات الله عليه) الكتاب والحكمة في عدد منها، كقوله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 151)، وقوله سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران: 164)، أو قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الجمعة: 2)

فالعلم الذي يجب علينا أن نتعلمه هو الحكمة الصالحة لصلاح وإصلاح الدنيا والآخرة، وهذه لا يدرسونها في الجامعات ولا المدارس الحضارية والمعاهد العلمية الكبرى بل يقذفها الله، ويُعطيها الباري سبحانه ويهبها الخالق تعالى لخيار خلقه، والصفوة المخلصة من عباده الذين وصفهم بقوله: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: 18)

هذا هو العلم الذي يسميه المرجع الشيرازي دام ظله بالعلم النافع، وهو سبيل النجاة للعالِم والمتعلم، ولكن بشرط الإخلاص لله تعالى بالنيَّة، وهو ما شرحه سماحته في وصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لأبي ذر الغفاري حيث يقول فيها: (يا أبا ذر إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه، ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنَّة.. يا أبا ذر من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة).

فالعلم يجب أن يكون للنفع لا للضرر، وللبناء لا الهدم، وللحب لا للحرب، وللحضارة الإنسانية الراقية لا الحضارة الرقمية الساقطة في أبشع وحول الرذيلة، وفي مستنقعات الفساد في كل شيء في هذه الحياة الجميلة، ولكن شوَّهها الأشقياء وأفسدوها بتصرفاتهم التي جعلوها مطية لتسويق الفساد في البلاد والعباد.