LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الشباب المعاصر وإشكاليات الانحراف الخطير
رمز 65
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 19 يونيو 2012
سماحة المرجع الشيرازي:
(إنّ للشباب فطرة نقيّة، ولكن لابدّ من السعي والبناء حتى نهديهم إلى الطريق الصحيح)

 
بقلم: علي حسين.

تشييد البنية الأساسية لشخصية الكائن البشري، تستدعي حالة من الاستعداد الجسدي والذهني، حيث تتوافر في مرحلة الشباب ظروف مناسبة جدّاً للشروع في تكريس الجانب الإيجابي لدى الشخصية، سواء على مستوى الفكر أو السلوك، فمرحلة الشباب تمثّل فرصة مناسبة بل هي الفرصة الأهم في التشكيل الصحيح لبنية الإنسان الفكرية والسلوكية في وقت واحد.

أما الضعف الذي قد يتلبّس شخصية الإنسان، والاهتزاز والنكوص والتراجع الذي تعاني منه، فهو غالباً ما ينتج عن تعامل رديء مع هذه الفرصة، أي فرصة ترصين البنية الأساسية لشخصية الإنسان في مرحلة الشباب، لذا فإن إشكالية الشباب تبدأ مع البطالة والفراغ والإهمال المتواصل الذي يتعرّضون له من لدن المسؤولين عنهم، وهم (الرسميون الحكوميون، والجهات التوجيهية كالمؤسسات الخيرية ذات الطابع التوجيهي، والمحيط المدرسي والأسري)، من هنا تبدأ أولى الخطوات نحو الانحراف والانجراف إلى مهاوي الجريمة والإدمان على المخدّرات، في ظل إشكالية البطالة والفراغ وعدم اتخاذ الحكومات والجهات المعنية الإجراءات العملية الفورية لمعالجتها، والتي تنسجم مع خطورتها الفادحة.

ولذلك يعتبر الشباب الحلقة الأهم في تحقيق الأمن الاجتماعي أو فقدانه تبعاً لطبيعة التعامل مع هذه القضية، وهذه الورقة هي محاولة للتعاطي مع مشكلات الشباب في العصر الراهن، مستندين في ذلك إلى منهجية ورؤية المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله.

مظاهر إشكاليات الشباب

كثيرة هي الإشكاليات التي تعتري حياة الشباب، لاسيما في الدول والمجتمعات التي عجزت عن الإلتحاق بالركب العالمي المتقدّم حتى الآن، فالفراغ يعدّ من أخطر المظاهر التي ترافق مرحلة الشباب في هذه الدول، خاصة في موسم الصيف، حيث ينهي ملايين المراهقين والشباب عامهم الدراسي وينتقلون إلى العطلة الصيفية، حيث تعجز الحكومات وتهمل إيجاد البدائل التي تمتص فراغ هؤلاء بصورة صحيحة، فيؤدّي هذا الفشل الحكومي والفقر في التخطيط لاستيعاب طاقات الشباب، إلى مخاطر جمّة تتمثل بسلسلة من الانحرافات الخطيرة التي ينحدر فيها هؤلاء بسبب الفراغ، ومن أخطرها الإدمان على المخدّرات وارتكاب الجرائم المختلفة التي يكون لأصدقاء السوء، وحبّ الاستطلاع، وأفلام التلفاز، دور مهم في نشرها.

فقد أكدت إحدى الدراسات الميدانية بهذا الخصوص حول الظروف التي تدفع ‌الشباب إلى تعاطى المخدّرات (أن أصدقاء السوء من أهم الأسباب للإدمان بنسبة 3ر50 ‌بالمائة يليها الظروف المحيطة والمرور بالأزمات بنسبة 4ر29 بالمائة، وأوضحت دراسة اجتماعية في مصر أن حبّ الاستطلاع ‌والتجربة إضافة إلى أصدقاء السوء وعدم وجود الرقابة والتوعية من أهم أسباب ‌الإدمان، وذكرت أن 50 بالمائة من العينة التي أجريت عليها الدراسة قالوا أن وسائل ‌الإعلام تقلّل من انتشار الظاهرة فيما أكد 41 بالمائة أنها تزيد من حدّة المشكلة، وأكدت نسبة 2ر74 بالمائة من العينة أن التلفاز من أكثر الوسائل تأثيراً في ‌انتشار الظاهرة أو في الحدّ منها وأن نسبة 60 بالمائة رأت أن معالجات الأفلام ‌السينمائية للظاهرة من الممكن أن تعلّم الأفراد الإدمان وتعاطى المخدّرات).

أسباب نمطية

من المؤسف حقّاً أن تتكرّر الأسباب نفسها، في ما يتعلّق بمشكلات الشباب، مع تغيّر الحكومات، لاسيما في الدول الإسلامية والعربية، الأمر الذي يدل بصورة قاطعة على الإهمال الحكومي المتوارّث لهذه الشريحة الأكثر حيوية في المجتمع، بمعنى أن جميع الحكومات التي كانت تأتي عن طريق الانقلابات العسكري أو سواها، تجهل عن قصد أو دونه، أهمية معالجة مشكلات الشباب، وتهمل وضع البرامج المهارية والترفيهية لتطوير واستثمار مواهبهم وطاقاتهم، بل لا يهمّها أصلاً، أن تضع حلولاً لمشكلات الفراغ التي تتفاقم لدى الشباب عندما تحل العطلة الصيفية، فتزيد حالات الانحراف وتتضاعف أمام مرأى المعنيين (حكوميين أو أهليين)، من دون أن يتحرّكوا نحو الحلول المناسبة.

ناهيك عن الإهمال الشعبي أيضاً، حيث يغيب دور القطّاع الخاص باستثمار الأموال اللازمة في مشاريع تهتم بتنمية مواهب الشباب وقدراتهم المتنوعة.

يُضاف إلى ذلك ضعف الدور الذي تقوم به بعض المنظّمات المدنية والمؤسسات الخيرية المعنية بتطوير مهارات الشباب، لذا يتكرّر الإهمال ويتآزر في الوقت نفسه، سواء بالنسبة للمنظّمات الأهلية أو الجهد الحكومي بهذا الخصوص، على خلاف ما تبديه الحكومات في البلدان المتقدّمة من دعم كبير ومنظّم للشباب، كما حدث مؤخّراً في أمريكا مثلاً، حيث تم اختيار ما يقارب (300) طالب من عموم الولايات الأمريكية لتعليمهم (فن الدبلوماسية) خلال عطلتهم الصيفية، كطريقة لقتل الفراغ أولاً، ولتطوير المهارات الشبابية ثانياً، وهو ما نحتاج له فعليّاً من أجل انتشال شبابنا من حواضن الفراغ والإهمال المتواصل.

معالجات لامناص منها

من الخطوات المهمة التي يمكن أن تخفّف من سعة (طاقة الفراغ) لدى شبابنا، إنعاش العمل التطوعي الجماعي، لكن من الملاحظ أننا كشعوب ودول عربية وإسلامية، لا نزال نتعامل مع العمل الجماعي التطوعي وكأنه أمر كمالي، بدليل انه لا يشكّل أيّة نسبة مهمة في الانتاجية لدينا، إذا لم ينعدم كليّاً في مجتمعاتنا، وهو دليل على أن هذا النوع من الحلول لم يدخل في حساباتنا مع أهميته الكبيرة، ففي دراسة عن الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت أن عدد المتطوّعين بأمريكا يشكل 44% من جميع البالغين، ويقدّمون ساعات تطوّعية تبلغ أكثر من خمسة عشر بليون ساعة سنويّاً، وهذا ما يقارب عمل تسعة ملايين شخص بدوام كامل! هذه هي صورة العالم الغربي حيث العمل التطوعي المنظّم والمبرمج.

من جانب آخر كتب المفكّرون والمصلحون المعنيون، كثيراً من البحوث والكتب بشأن مشاكل الشباب لدينا، وطرحوا فيها رؤيتهم بهذا الخصوص، وقدّموا الحلول والمعالجات التي يمكنها أن تُسهم في تقليل مخاطر الفراغ وضعف الجانب الترفيهي، ولكن بقي جانب التنفيذ لهذه المعالجات متخلّفاً عن القيام بدوره الصحيح لاسيما بالنسبة للحكومات والجهات المعنية برعاية الشباب، وكما ذكرنا آنفاً، لم يقتصر هذا الجهد على الرسميين فقط، بل هناك مجموعة من الحلول يمكن أن تنطلق من الشباب أنفسهم لكبح الإشكالات التي يواجهونها بسبب الفراغ، وخاصة حالات الفساد التي قد تصيب بعض المراهقين والشباب، إذ أكّد سماحة المرجع الشيرازي، في الكثير من مؤلّفاته وطروحاته ومحاضراته، على دور الشباب أنفسهم في معالجة مشكلاتهم، حيث يقول سماحته:

(إنّ خير من يسوق الشباب صوب الخير والهداية هو أمثالهم من الشباب) ويضيف أيضاً: (ما أكثر الحالات ـ عبر التاريخ ـ التي أنقذ أخ أخاه أو أخته من الفساد والضلالة)، وهكذا يظهر لنا طريق آخر لمعالجة المشكلات الشبابية، لاسيما أن فطرة الشباب ونقاءهم يتيح فرصة أكبر للنجاح، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي أيضاً: (إن للشباب فطرة نقية، ولكن لابدّ من السعي والبناء حتى نهديهم إلى الطريق الصحيح).

خطوات عملية

إذن وصلنا إلى مرحلة ضرورة وضع المعالجات اللازمة للإشكاليات التي تعترض طريق الشباب، وهي مهمة ليست بالسهلة، لكنها ليست مستحيلة، كما أنها تمثّل المسار الوحيد الذي ينبغي أن يسلكه المعنيون (حكوميون رسميون، أو أهليون) بمعالجة هذه القضية بجديّة وإصرار، لا أن تترك الأمور على عواهنها، فيستفحل الخطر، وتتفاقم المشكلات، وتتضاعف حالات الانحراف بين صفوف الشباب والمراهقين، لذا لابد من تحشيد الطاقات المتوافرة كافّة، لوضع برنامج عمل يقدّم للمعنيين السبل الصحيحة لمعالجة هذه الأزمة الشبابية بصورة سليمة، عبر العديد من الخطوات العملية والإجرائية ومنها:

1- أهمية أن تبادر جميع الجهات المعنية باستيعاب طاقات الشباب بفتح دورات تتخصص في تنمية المهارات الشبابية المتنوعة.

2- العمل الجاد على إقامة المخيّمات لاسيما في العطلة الصيفية لغرض إشراك أكبر عدد من الشباب في ممارسة أنشطة تمتص فراغهم وتطوّر قابلياتهم وملكاتهم المختلفة.

3- تقديم البرامج المتنوّعة في مجال تطوير الشباب لاسيما في مجال العمل الجماعي التطوّعي، وعموم المجالات التي تشكّل منافذ مناسبة لاستيعاب طاقات الشباب.

4- أهمية المبادرة الفورية في توفير أماكن الترفيه الجيّدة والمناسبة، لأن الترفيه السليم يساعد الشباب على الابداع وتجديد الأفكار على نحو دائم.

5- تشجيع الشباب على ممارسة فعل القراءة، من خلال إنشاء المكتبات الجميلة وذات التصاميم الراقية، لاستقبال الأعداد الكبيرة من الشباب، لغرض تطوير ميولهم نحو القراءة والتثقيف الذاتي.

6- إنشاء الملاعب الرياضية الصغيرة والكبيرة والمسابح في عموم المدن والأقضية والنواحي.

7- تفعيل أنشطة المنظّمات الأهلية والمؤسّسات الشبابية، لأداء دورها في استيعاب طاقات الشباب والمراهقين.

8- تأسيس الملتقيات الشبابية التي تناقش قضايا الفكر والثقافة والعقيدة ومناقشة إشكاليات الشباب بروح منفتحة من أجل الحيلولة دون الانحراف الفكري، لأن أغلب الانحرافات السلوكية تنشأ من الانحرافات الفكرية والعقائدية.

من هنا يوجّه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله المعنيّين بشأن الشباب قائلاً: (لابد من الاهتمام بالشباب باعتبارهم رجال الغد، وبُناة المستقبل، عبر إرشادهم إلى الفضيلة والصواب، فإنه ينشأ فيهم القادة الأبرار، والزعماء الأخيار، والرؤساء الصالحون، والأمناء المصلحون، وهذا الأمر بحاجة إلى همّة كبيرة وشاملة من قبل كافة شرائح الأمة، لتعطي أحسن النتائج، وأطيب الثمار. لينشئوا جيلاً صالحاً، يبنون حضارة المستقبل على أسس الفضيلة والتقوى، والرفاه والخير، والعدل والقسط).

وبالاهتمام بالشباب عبر المبادرات العملية والفعّالة تكون الجهات المعنية حكومية أو أهلية قد أسهمت بالقيام بمسؤولياتها تجاه الشريحة الأكبر في المجتمع، وهم الشباب ومن ينتمي إليهم كالمراهقين، ويتم استثمار طاقاتهم ومواهبهم على النحو الأفضل، بالاضافة إلى حمايتهم من الوقوع في مهاوي الانحراف المتعدّدة.