شبكة النبأ: هناك كتاب مهم من تأليف سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، مخصّص عن الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وبمناسبة ميلاد الإمام الحجّة المبارك، نستعرض ما جاء في متن هذا الكتاب، نظراً للمعاني القيمة التي انطوى عليها.
عبير الرحمة الإلهية
يعرض هذا الكتاب جانباً من رؤى المرجع الجليل آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظلّه فيما يخصّ السيرة المهدويّة حيث يردّ سماحته المزاعم التي تصوّر الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه بأنّه رجل قتل ودم، وكأنّ من مهمّته الإبادة والانتقام، ملفتاً النظر إلى دور الروايات التاريخية المدسوسة في بلورة هذا التصوّر المغلوط، عامداً إلى تمحيص أسانيد هذه الروايات وبيان مدى سقمها، ليخرج بتحليل علمي دقيق مفاده أنّ جميع تلك المرويّات إن لم تكن واهية من الأساس، فمطعون في بعض رجال سندها وإن أُقحم فيهم ـ إلى جنب الكذّابين والمزوّرين ـ بعض الثقات المعوّل عليهم في صحّة الأخبار ووثاقتها. كما يلفت سماحته بعد ذلك إلى أهمية أن يعرف الإنسان المؤمن ما هي المسؤولية الملقاة على عاتقه في عصر الغيبة، وينبّهه إلى أنّ معرفة الواجب مقدّمة على الرغبة التي تساور كثيراً من المؤمنين في التشرّف بلقاء الإمام.
لذلك جاء في مقدمة هذا الكتاب (لقد تشرّفت مؤسّسة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الثقافية بنشر بعض هذه الرؤى والبحوث الصادرة عن سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مناسبات مختلفة، في كتاب أسمته: عبير الرحمة. ولأهميّة هذا الموضوع عمدت المؤسّسة إلى إعادة طبع الكتاب مضيفة إليه بحوثاً أخرى لسماحته تتعلّق بالموضوع نفسه مثل رسائل الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف للشيخ المفيد رحمه الله وبيان أنّ - الواجب وهو الالتزام بأوامر الشريعة والعمل بالوظيفة ـ مقدّم على السعي في التشرّف بلقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه).
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية أن يعرف الناس إمام زمانهم، وأن لا يموت الإنسان ميتة الجاهلية حين يجهل إمامه، كما نقرأ ذلك في قول سماحته: (من الواجبات العامّة الملقاة على عاتق جميع المسلمين، معرفة إمام زمانهم ثمّ طاعته، وأهمّ ما يُستدلّ به في هذا المجال من الأدلّة النقلية الحديث المتواتر: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الصدد تذكيراً للمسلمين: (مما لا ريب فيه أنّ إمام زماننا هو الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الذي شُحنت بذكره كتب المسلمين على الإطلاق من خلال الأحاديث والروايات والآثار التي بيّنت سمته وصفته وحسبه ونسبه؛ فقد صرّحت الأحاديث بأنّ اسمه اسم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وبأنّه الإمام الثاني عشر، وأنه آخر الأئمة، وأنّه من ولد عليّ وفاطمة سلام الله عليهما, وأنه ابن الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه).
الشاهد على أعمال البشر
من المعروف عن الإنسان انه قد لا يتمكّن من كبح رغباته وأهوائه، ولذلك لابد من المراقبة والشعور بها أيضاً، لكي يقل هامش الخطأ والانحراف إلى أدنى حد، والرقيب هنا هو الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص:
إن الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه (هو شاهد على أعمال البشر وسلوكهم، لاسيّما المؤمنين منهم، وأنّ الله تعالى ادّخره ليستنقذ به المستضعفين، ويهدي الجاهلين، ويضع حدّاً قاطعاً لظلم الظالمين وتجبّر المتجبّرين، إن شاء الله تعالى).
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي، ان هناك من يحاول أن يسيء للإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لأسباب كثيرة يجب فضحها والتصدّي لها، إذ يقول سماحته في هذا الشأن:
(ممّا يؤسف له أنّ غياب المعرفة الصحيحة في تناول سيرة الإمام المنتظر سلام الله عليه بعد ظهوره المشرق، والجهل أو الخلط في تحليل الأحاديث والروايات والآثار الواردة في هذا الشأن، فضلاً عن المكذوب أو المدسوس من الروايات المزعومة، حدت بالبعض إلى تصوّر الأوهام وكيل "ما هي تهمٌ في الواقع" إليه عجّل الله تعالى فرجه، والتي لا تصحّ نسبتها حتى إلى الفرد العادي!). ويضيف سماحته قائلاً: (لقد دأب كثيرون ـ مع الأسف ـ على رسم صورة عنيفة وفظّة عن الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه في عصر ظهوره، معتقدين أنّه سيؤسّس دولته وينشر سلطانه بإعمال السيف في الناس وإهراق دمائهم، مستندين في ذلك إلى ما تضمّنته بعض الروايـات الموضوعـة والتي تذكر أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه سيأخذ الناس بالشدّة والعنف عند ظهوره لدرجة أنّهم يتمنّون لو كان بينهم وبينه أمد بعيد حتّى لا يتسلّط عليهم!! بينما ثمّة روايات أخرى تذكر أنّه سيشكّك كثير من الناس في انتسابه إلى الدوحة المحمدية بسبب ما يرون من سيرته العنيفة في الحكم).
النجاح في إدارة السلطة
على خلاف ما يُشاع ويُكال للإمام الحجّة من تهم وإشاعات مسيئة، فإن سماحة المرجع الشيرازي يعرض لنا كيف تُساس أحوال المسلمين في ظل قيادة الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، إذ نقرأ في كتاب الرحمة قول سماحته: (من خصوصيات الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه أنّه ينجح في الإمساك بالسلطة السياسية على العالم كلّه وتشكيل حكومة تسع المعمورة برمّتها، وهذا الأمر يتطلّب أخلاقيّات وأساليب إداريّة حكيمة وخاصّة يبلورها القادة والمسؤولون الرفيعون فيها، وعلى رأسهم الإمام نفسه. ومن هذه الأساليب أن يكون المسؤول مع الناس والمساكين رؤوفاً رحيماً، بالقدر نفسه الذي يكون فيه حازماً وحسيباً على عمّاله والمسؤولين، فقد روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه وصف الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه فقال: المهديّ جواد بالمال، رحيم بالمساكين، شديد على العمّال).
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي أن شدّة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه ستكون مع نفسه أولاً كما نقرأ ذلك في كتاب عبير الرحمة: (ستكون شدّته على نفسه قبل الجميع وفوق الجميع، ورغم أنّ الناس سينعمون بالرفاهية والطمأنينة في ظلّ حكومته، إلاّ أنّه عجّل الله تعالى فرجه ـ ومحاكاةً لسيرة جدّه أمير المؤمنين سلام الله عليه ـ سيكتفي بلبس الخشن وأكل الجشب).
وهكذا على المسسلمين وهم يحتفلون بميلاد الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، أن يتصدّوا للإشاعات الكاذبة والروايات المزيّفة، وأن يجعلوا من هذه المناسبة بداية متجدّدة للسير على هدي الإسلام وتعاليمه التي تهدف لتذليل الصعاب أمام الإنسان أينما كان، بالنسبة للمكان أو الزمان.