LOGIN
المقالات
alshirazi.org
فضائل رمضان بين التجربة والكلام
رمز 73
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 28 يوليو 2012
شبكة النبأ: من الأمور المتّفق عليها بيننا جميعاً، بغض النظر عن الميول أو الانتماء الديني والمذهبي والعرقي، أن شهر رمضان ذو خصوصية تامّة، تميّزه عن جميع شهور السنة، فحين يُقال انه شهر الله تعالى، فهو فعلاً كذلك لأنه شهر الخير والبركة والمغفرة وشهر الطاعات أيضاً، ولكن يبقى الفعل الملموس هو سيّد الموقف كما يرى ذلك سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, إذ يقول سماحته في كتابه القيم الموسوم بـ(نحو بناء النفس والمجتمع): (لو لاحظ ذوونا وزملاؤنا أنّا نسعى لأداء صلواتنا في أوقاتها فإنهم سيلتزمون بذلك في الغالب حتى لو لم ندعهم بألسنتنا. وهذا لا يعني عدم وجود استثناءات ولكن التبليغ العملي والتربية والدعوة من خلال العمل بطبيعتها تؤثّر أكثر من الدعوة باللسان آلاف المرات. فما فائدة أن تدعو ابنك لأداء صلاته أوّل الوقت وهو يراك لا تكترث بذلك؟!). ويضيف سماحته في هذا الصدد قائلاً: (إن الذين عايشوا أشخاصاً اعتقدوا بصلاحهم - لما لاحظوهم يسعون أن لا تختلف أفعالهم عن أقوالهم - هم أفضل في الغالب من الذين استمعوا آلاف المواعظ، دون أن يروا نماذج عملية تجسّدها).

المؤمن مكرّم من الله تعالى
إنّ الله سبحانه يكرم الإنسان على أفكاره وأعماله، ويساعده على تحقيق هذا الهدف، لذلك يأتي شهر رمضان كفرصة إلهية تُمنح للإنسان حتى يصل إلى التكريم الإلهي من خلال التزامه وكفاحه المستمر ضد الزلل وضد رغبات النفس الممقوتة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (إن كل مؤمن في هذا الشهر الكريم - شهر رمضان المبارك- قد جُعل من أهل كرامة الله تعالى. وهذه الكرامة لا تخصّ الصائمين فقط بل هي تشمل حتى أصحاب العذر الشرعي الذين يسوغ لهم الإفطار كالمسافر والمريض. إن هذه الكرامة هي لهذا الشهر الكريم، للياليه وأيامه، وكل ساعاته. فالعناية الإلهية تشمل الجميع، ولكن بما أن إحدى صفات الله تعالى المهمة ومن أسمائه الحسنى «الحكيم» أي الذي يضع الشيء في موضعه، فهذا معناه أن التوفيق الإلهي وإن كان شاملاً في شهر رمضان لكلّ العباد، إلاّ أنّ قدراً منه يرتبط بمقدار همّتنا وتوجهنا وجهدنا.)

لذلك يعدّ هذا الشهر فرصة لبناء الذات والمجتمع، وان السعي له نتائج متباينة كل حسب الجهد الذي يبذله في الطاعة والالتزام والتطبيق أيضاً، لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على خصوصية هذا الشهر قائلاً بهذا الخصوص: (إنّ شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقيّ أيضاً. يقول النبي صلّى الله عليه وآله: فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتى مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقّاً).

دور الصلاة وتلاوة الأدعية
وطالما أن الإنسان يطمح نحو الأفضل دائماً، فإنه سيبقى دائم السعي في هذا المجال، مستفيداً من الفرصة الذهبية في هذا الشهر المبارك، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لاشكّ أن كل إنسان يتمنّى لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقّق التغيير، بل هو بحاجة إلى عزم وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدّمات يوفَّق في النتائج بلا شكّ؛ لأن هذا هو الهدف الأصلي لخلق الإنسان).

ولا ريب ان هناك دور روحاني كبير للصلاة، وتلاوة الأدعية في تنقية النفس وتشذيبها من الأخطاء، حيث تسمو الروح وتترفّع النفس عن الصغائر، وتتحاشى ارتكاب المعاصي والذنوب، وهذا هو السعي الحثيث لتقييد النفس ضد الزلل، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الصدد بالكتاب المذكور نفسه: (إن الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان المبارك بنفسها معدّات لتحقّق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه الوقت للقيام بها كلّها، بسبب تزاحمها مع مشاغل أخرى قد تكون مطلوبة هي الأخرى كالتبليغ مثلاً. إذن، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير على الإنسان).

وهناك طرق عديدة لمحاسبة النفس, على الإنسان المؤمن اللجوء إليها واستثمارها من أجل تحصين نفسه ضد الانحراف والزلل.

التفرّغ لشهر رمضان
من المؤكد ان الوصول إلى الأهداف الكبيرة يتطلّب سعياً يوازي قيمة الهدف وحجمه وأهميته، وشهر رمضان يحتاج من الإنسان أن يتفرّغ له، فهو لا يشبه الشهور الاخرى، إنه شهر الطاعات والعبادات وطلب المغفرة، وهذا يتطلّب جهوداً مضاعفة لتنمية الجانب الروحي والإيمان والتقوى والتقرّب إلى الله تعالى.

وذلك من خلال السلوك القويم مع الآخرين، وفي المقدمة منهم العائلة، الزوجة والأم والأب والأطفال، والحفاظ على حقوق الجميع، وعدم التجاوز عليهم بأية طريقة كانت.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (إذن، فليخصّص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضى منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى، وكيف تصرّف مع زوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار: ليدقّق مع نفسه فيم صرف وقته؟ ليصمّم بعد ذلك على أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته).

وتبقى التجربة العملية أقوى تأثيراً من الكلام، حيث رؤية العمل الجيّد والصالح مجسّداً فعلياً، أفضل من قوله بالكلام فقط، لأن تأثيره سيكون هنا مضاعفاً، على العكس من الكلام المجرّد الذي يكون مفعوله أقل تأثيراً كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً بهذا المجال: (وهكذا قد يتذكّر الإنسان في الشدائد بعض المواقف العملية بسرعة ولا يتذكّر أيّاً من الآيات والروايات أو المواضيع التي قرأها أو سمعها أو قالها).