LOGIN
المقالات
alshirazi.org
مقارعة الفساد السياسي والسياسي الفاسد
رمز 86
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 4 أكتوبر 2012
شبكة النبأ: من الأسباب الأساسية التي جعلت الدول الإسلامية والمسلمين عموماً، يعيشون في حالة العسر والضيق والضنك الاقتصادي، أن حكوماتهم فاسدة، وأن حكّامهم في الغالب لا يعملون وفق الضوابط الاستشارية التي أقرّها الإسلام في تعاليمه الواضحة، وكان على المسلمين محاربة ومكافحة الفساد السياسي وعزل السياسي الفاسد عن العمل في السياسة لكي يتنقى الفضاء السياسي تماماً من الفساد، حتى تنعم الدول الإسلامية بعدالة السلطات، وبالنظام الذي يتيح لهم حياة أفضل مثلما تعيش الدول المتقدّمة.
الحاكم بين الشكل والجوهر
هناك نقطة أو صفة مشتركة بين معظم الحكّام الإسلاميين والعرب، أنهم يجيدون الكلام المعسول، ويتقنون بث الاُمنيات بين الناس، ويكرّرون مفردات وجمل تتحدّث عن (الخير الآتي)، ولكن ما يفضح هذا الاسلوب المحتال هو الجوهر المخادع للحكّام، حيث تفضحهم ساحة العمل الملموس دائماً، إذ هناك فرق شاسع بين ما يقوله الحكّام وبين ما يفعلونه!، لاسيما أن هؤلاء الحكّام متمسّكون بشكل الإسلام، ولا يعملون بجوهره.
يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, في كتاب (من عبق المرجعية)، بهذا الخصوص: (لا يكفي للحاكم أن يقول انني حاكم إسلامي، بل لابد أن يكون مستنداً إلى القرآن والسنّة، فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون عليهم السلام، ويقولون انه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي، وإن تسمّى بالإسلام).
إذن من الواضح أن هناك تشدّقاً كبيراً بالشكل من لدن السياسيين الفاسدين، من خلال لجوئهم إلى أساليب فاسدة في إدارة معظم شؤون الدولة، وذلك طمعاً بالمكاسب والمنافع التي تكون في الغالب مادية بحتة تخص الحاكم نفسه وحاشيته وعائلته، كما ثبت ذلك بالأدلة القاطعة، حين سقطت أنظمة الحاكم الأوحد في تونس ومصر وليبيا، وفضحت أولئك الحكّام وعوائلهم والمقرّبين منهم.
لذا لا يصح أن تُعطى السلطة لكل من هبّ ودب، إذ ينبغي أن تكون هناك مواصفات وضوابط مهمة ومعروفة ومشرّعة تتواجد في شخص الحاكم ومعاونيه، لكي يصلح لإدارة شؤون المسلمين وفقاً للمبادئ والتعاليم والصفات التي أقرّ الإسلام بضرورة تواجدها في شخصية الإنسان لكي يصلح لقيادة الناس.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (مواصفات الحاكم الإسلامي انه رجل مؤمن متفقّه في الدين تماماً يعرف شؤون الدنيا ويتحلّى بالعدالة التامة, فمهما توفرت في الإنسان هذه الشروط ورضي به أكثر الناس صار حاكماً وإذا فقدت إحدى هذه الشروط عزل عن منصبه فوراً, ولكن إذا لم ترض الاُمة ببقائه رئيساً حقّ لهم تبديله إلى غير ضمن جمع الشرائط).
دولة العدل والمساواة
في ضوء المواصفات السليمة التي يجب أن يتحلّى بها السياسي أو القادة عموماً، ستكون هناك دولة مدنية قوية، قائمة على سلطة المؤسسات وقدرتها على ضبط إيقاع الحكم، وجعله لا يتعلّق بقرارات فردية طائشة أو متسرّعة، كما يحدث دائماً في ظل الأنظمة الفردية والحكّام الطغاة، لهذا غالباً ما تجد قوة الاقتصاد مرتبطة بالنظام الاستشاري للدولة، بمعنى كلما اقترب النظام من الاستشارية كلما كانت القدرة على بناء اقتصاد متطور، حاضرة بقوة، الأمر الذي يساعد على تنقية السياسة من الفساد، فيتم مكافحة فساد السياسة والساسة الفاسدين في إطار دولة يسودها النظام الدستوري الاستشاري المنضبط.
هنا تتحقق الركائز الاقتصادية القادرة على محو الفقر، وبناء الإنسان ماديّاً ومعنوياً، فيغيب الفقر كليّاً، كما حدث في ظل حكومات إسلامية قوية يؤكّدها التاريخ الإسلامي في حلقاته المشرقة، لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه، قائلاً: (حتى الكافر في الإسلام، حين يسأل الناس... يكون هذا أمراً غريباً).!
وتقلّ حالات الفقر في دولة كهذه، بل تنتفي حالات الفقر كليّاً، بسبب حركة الاقتصاد الفاعلة والمتنامية، حيث تتاح فرص العمل للجميع، ويسود نظام تكافؤ الفرص، مع الحفاظ على القدرات والمهارات الفردية، بمعنى أن المساواة وتكافؤ الفرص لا تمحو التفوّق المهاري للفرد، بل هناك رعاية للجميع وفقاً لقدراتهم ومهاراتهم، في مجالات الحياة كافّة.
الاقتصاد السليم والمجتمع
من المؤكد أن مكافحة السياسة الفاسدة وعزل الساسة الفاسدين، تتطلّب جهداً استثنائياً تخوضه النخب ضد الفساد السياسي، وعندما يتحسّن الاقتصاد، فإن فرص القضاء على الفساد تكون أفضل بكثير، ولعل المفارقة الكبيرة تتمثل بالارتباط والتداخل القسري بين السياسة والاقتصاد، بمعنى ان الاقتصاد وتحسينه يرتبط بقرارات الساسة أنفسهم، لذا قلّما نجد حاكماً أو سياسياً فاسداً يقدم على اتّخاذ قرار اقتصادي سليم، بل دائماً يحاول مثل هؤلاء الحكّام تقزيم الاقتصاد وتحجيمه لكي يحصر الفوائد به وعائلته وبطانته والمقرّبين منه، أما عامة الشعب فهم دائماً معرّضون للفقر, مضافاً إلى القمع وسواه، لهذا ينبغي أن يتحسّن الاقتصاد لكي تصبح حالة مقارعة الفساد السياسي أفضل، وحينذاك ينعدم الفقر شيئاً فشيئاً، بسبب السياسة الاقتصادية السليمة والعادلة.
هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل؟). بمعنى أن السياسة العادلة تقود دائماً إلى انتفاء الفقر.
وسوف يتحقّق هذا عندما تصبح الحكومات في الدول الإسلامية (استشارية) وهذا مصطلح أورده المرجع الشيرازي الراحل (رحمه الله) في كتاباته الكثيرة بهذا المجال، وهو مصطلح يقابل (الديمقراطية) ويتفوّق عليها من حيث التطبيق، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه، أن: (الحكومة الإسلامية حكومة استشارية). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي أيضاً: إن (الاستشارية نظام متفوّق على نظام الديمقراطية، على ما أوضحه المرجع الشيرازي الراحل رضوان الله عليه, في كتبه).
وهكذا يكون النظام الاستشاري أكثر قدرة على بناء الدولة القوية، من خلال القدرة على مكافحة الفساد السياسي، ومحاصرة السياسيين الفاسدين وطردهم خارج ساحة العمل السياسي.