في ليالي شهر رمضان العظيم يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات على بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحته دام ظله يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلى ما يتفضل به سماحته من وصايا وتوجيهات.
قيومية الزوج علی الزوجة
سأل أحد الحاضرين عن الآية الشريفة: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ».
فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: قوامون جمع قوام بمعنی القيم والمراد من القيم هو القائم بالشؤون، کما أنه يقال في العراق لخدام المشاهد المشرفة قيّم، يعني من يقوم بالشؤون المرتبطة بالحرم ويتكفلها، والمقصود من هذه الآية أيضاً هذا المعنی بأن الله تعالی جعل مسؤولية القيام بشؤون الزوجة والأسرة علی عاتق الزوج، ولهذه الجهة تكون نفقة الزوجة علی الزوج وإن کانت موسرة، ويكون مديوناً لها إذا لم يتمكن من أدائها.
الطب الإسلامي والروايات الطبية
ثم سئل عن الطب الإسلامي واعتبار الروايات الطبية.
فقال سماحته دام ظله: الطب في الإسلام له حدود وأُطر، وقد بيّن کلياتٍ في هذا العنوان، والروايات الطبية التي جاءت في کتب طب النبي، طب الصادق، طب الرضا عليهم السلام لإصلاح البدن ودفع ورفع العوارض، مضامينها من المراسيل غالباً، ومجيء رواية مکررةً في عدة کتب لا يكون سبباً لإعتبارها، ونقلها في شهر رمضان من دون أن تُنسب على نحو القطع إلی المعصوم عليه السلام لا يضر بالصوم، ولكن في اللاإقتضائيات ـ من المستحبات والمكروهات ـ يمكن العمل فيها بالروايات الطبية عملا بقاعدة التسامح في أدلة السنن، إذا لم تكن مما يحتمل الضرر فيها، وهذه الروايات أحيانا قضايا خارجية، ومن غير الثابت أن تكون لجميع الأفراد، ومستجمعة لجميع الشرائط مثل دعاء الكسير الذي تعلمه أبو حمزة الثمالي من الإمام السجاد عليه السلام وقرأه لشفاء ولده فشُوفيَ في ذلك الوقت، ومع أن قراءته مستحبة من حيث کونه دعاءً، ولكن ليس بمعنی أنه يؤثر هذا الأثر لكل شخص، وتحصل هذه الخاصية لكل شخص بقراءته، ومضافا إلی هذا، فإن هذه الأدعية الشريفة التي وردت في الروايات لشفاء الأمراض والأسقام هي من قبيل المقتضي وليست بعلة تامة، بحيث لا يُحتاج معها إلی مراجعة الطبيب واستعمال الأدوية، وأحيانا هي قضايا حقيقية ويمكن التفكيك بين مواردها بالإستفادة من العلوم الطبية.
حديث «أبوال الإبل خير من ألبانها»
وقد طرح سؤالٌ آخر في هذا المضمار کان حول مضمونِ روايةِ «أبوال الإبل خير من ألبانها». کيف يمكن أن يكون بول الإبل دواءً مع أنه مما يشمأز من شربه؟
فقال سماحته: هذه الرواية مجملةٌ وليست بمبينة، غير أن الإشمئزاز ليس ملاكاً لوجود الفائدة وعدم وجودها، نعم لو کان شيء معدوداً عرفاً من الخبائث فأکله و شربه حرام، بدليل الآية الشريفة «ويحرم عليهم الخبائث»، وللمرحوم النراقي صاحب المستند نظر خاص في هذه المسألة ولم أقف علی شخص من العلماء قبله أو بعده أن يقول بقوله، وهو أن المراد من الخبائث في هذه الآية هي الخبائث الشرعية يعني أن الخبائث هي ما حُرم شرعاً.
بعض خصائص رسول الله صلی الله عليه وآله
ثم سئل عن الآية الشريفة: «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ»، والآية الشريفة الأخرى: «لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ».
فأجاب سماحته دام ظله: الآية الأولی فيها إشارة إلی إحدى خصائص النبي الأعظم صلی الله عليه وآله، وأما الآية الثانية فنزلت عليه صلی الله عليه وآله لجهة التسهيل له صلی الله عليه وآله، لأن رسول الله صلی الله عليه وآله والأئمةَ المعصومين عليهم السلام لم يكن من عادتهم أن يقولوا لأحد «لا» ولا يردون أحداً آيساً، کما جاء في التاريخ أن أحداً جاء ببنته إلی النبي صلى الله عليه وآله وقد مات زوجها وکانت مهمومةً ومكسورةَ القلب، وطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يتزوجها، فقبل رسول الله صلی الله عليه وآله أن يتزوجها رعاية لحالها وجبراً لخاطرها.
وقد قال الفرزدق في وصف الإمام السجاد عليه السلام:
ما قال: لا قطُّ، إلّا في تَشَهُّدِهِ لو لا التشهد کانت لاؤه نعم
ولا يخفی أن زيجات النبي صلی الله عليه وآله کانت کل واحدة منها علی حكمة وکان لها سبب خاص ومن جملتها المورد الذي أشرنا إليه.
ثم سئل عن الحكمة في إستعمال لفظة «نساء النبي» و«أزواج النبي» في القرآن الكريم.
فقال سماحته دام ظله: إن إستعمال الكلمات المترادفة التي بينها فروقٌ دقيّة في معانيها هو من بلاغة القرآن الکريم، وهذه الفروق الدقيّة ذُكرت مفصّلاً في کتب فروق اللغة.
شرطة الخميس
بعد ذلك سئل عن شرطة الخميس وحقيقتها؟
فقال دامت بركاته: الشرطة من الشرط والعهد، والخميس بمعنی الحرب والجيش لأن الجيوش في الحرب كانت تقسّم علی خمسة طوائف: المقدم، الساق، الميمنة، المسيرة والقلب، کما أنه جاء في التاريخ أن سيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء قسم الجيش علی خمسة أقسام وعيّن لكل قسم أميراً ولكن جعل الراية الأصلية للحرب بيد أخيه المعظّم أبي الفضل العباس عليه السلام.
ونعم ما قال الشاعر:
عبست وجوه القوم خوف الموت والـ ـعباس فيهم ضاحك يتبسم
قلب اليمين على الشمال وغاص في الـ أوساط يختطف النفوس ويحطم
شرطة الخميس کانوا ثلة من أعوان امير المؤمنين عليه السلام، الذين شرَط لهم وعهد عليهم شروطاً من قبيل عدم الفرار من الحرب وعدم الإعتداء وعدم ملاحقة من فرّ من النزال والحرب معهم.
ثم ذكر سماحته: أن سيرة رسول الله صلی الله عليه وآله وسيرة أمير المؤمنين عليه السلام في الحكم کانت بلا نظير وقد راعَيا آداب الإنسانية والفضيلة الأخلاقية وجعلاها مبادئ أسياسيةً في ميدان الحرب.
اعتبار کتاب سليم بن قيس وکتاب الغارات
ثم سئل عن إعتبار کتاب سليم بن قيس الهلالي وکتاب الغارات للثقفي.
فقال دام ظله: علماء الشيعة لا يعدّون غير القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجادية أي کتاب صحيحاً تماماً، بخلاف العامة، بل يوجبون التحقيق في مطالب الكتب التي هي الأصح لدى الشيعة والأعلی اعتباراً عندهم. وکتاب سليم والغارات هما من جملة الكتب الجيدة وقليلة النظير، ولكن مع ذلك لا بد من ملاحظة وتقييم کل واحد واحد من منقولاتهما.
حكومة المرأة علی الجامعة
ثم سأل أحد الحاضرين قائلا: هل للمرأة أن تحكم الجامعة؟
فقال مد ظله في الجواب: لدينا في الفقه قانون باسم قانون الإشتراك وبحسب مقتضاه تكون المرأة والرجل مشترکين ومتساويين في جميع الأحكام، ولكن مع ذلك قد خصّص عموم هذا القانون في موارد معينة، مثلا لدينا دليل خاص على أن المرأة ليس لها أن تؤم الرجال في صلاة الجماعة، ولا أن تقضي بين الناس، ولا أن تكون مرجعاً للتقليد، وأما بالنسبة إلی الحكم وکونها إماماً من الجهة الظاهرية والدنيوية فإذا لاحظنا ذلك، نری أن المرأة جسمياً وروحياً لا تناسب منصب الحكومة، وفي عالم اليوم حتی في البلاد والجامعات التي تقول بتساوي المرأة والرجل في جميع الأمور؛ نشاهد قليلاً جداً أن تتكفل المرأة منصب رئاسة حكومة أو أن تکون رئيسة الوزراء أو سائر المناصب الحکومية.
المراد من النشوز
ثم سئل عن النشوز في الزوج والزوجة؟
فقال سماحته: يقول الله تعالى في القرآن الکريم: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، النشوز هو بالنسبة الی کل من الزوج والزوجة بمعنی ترك الوظائف الواجبة في حين يعمل الطرف المقابل بوظائفه الواجبة عليه، وقد بيّن القرآن الكريم النشوز لكل من الزوج والزوجة.
ثم ذكر سماحته: أن النشوز يتحقق بترك الوظيفة الواجبة مرة واحدة.
الحاکم الشرعي وطلاق الزوجة
ثم سئل: في أي صورة يمكن للزوجة أن تُطلّق وتُخلع بدون إذن الزوج؟
فقال دام ظله العالي: على طبق الأدلة الشرعية يكون الطلاق بيد الزوج، نعم في صورة عدم قيام الزوج بوظائفه الواجبة عليه، وعدم الرضی بطلاق زوجته، فهنا إذا راجعت الزوجة الحاکم الشرعي الفقيه الجامع للشرائط يخيّر هو الزوجَ بين أمرين 1ـ العمل بالوظائف الواجبة تجاه زوجته 2ـ طلاق الزوجة، وإذا امتنع الزوج عن قبول أحد الأمرين فللحاکم الشرعي أن يطلق الزوجة حينئذ.
عقوق الوالدين
وفي الختام سئل عن حقوق الوالدين التي جاءت في رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام وعن معنی عقوق الوالدين؟
فقال دام ظله: العقوق حرام، ويكون من قبل الولد تجاه الوالدين، وهو من المحرمات الشديدة: عقه يعنی ترکه، يعني أن الولد فرق بينه وبين والديه، مثل أن لا يذهب إلی لقائهما أو لا ينفق عليهما إذا کان الولد غنيا وهما فقيران، وبعکسه أيضا روايات، وسميّت العقيقةُ عقيقةً لأنها تُبعد الموت والمصائب والإبتلاءات عن الولد.
ثم أردف سماحته: في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام كما هو الحال في بعض الروايات الأخری؛ ذکر الحقوق الواجبة والمستحبة بلا تمييز ولابد أن يستفاد الإلزام في مورده من دليل آخر.