LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
كلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله ليلة 11 محرّم الحرام 1444 للهجرة
رمز 30366
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 18 محرّم الحرام 1444 - 17 أغسطس 2022

تعريب: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين صلوات الله عليه، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله.

أين الطالب بدم المقتول بكربلاء

في البداية، أرفع التعازي للمقام الشامخ والرفيع، للإمامة العظمى والخلافة الإلهية الكبرى، مولانا بقيّة الله، المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بمناسبة مصائب عاشوراء الإمام الحسين صلوات الله عليه، وهي مصائب لا نهاية لها، ووفقاً للروايات الشريفة، هي باقية إلى يوم الانقضاء، أي إلى يوم القيامة، وهي ممتدّة ولها الامتداد. وأسأل الله عزّ وجلّ بعنايته الخاصّة أن يعجّل في الظهور الشريف لمولانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، حتى ينتقم لدم الإمام سيّد الشهداء ودماء أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، ولدماء أنصارهم، ولكي بظهوره الشريف، تزول وترتفع المشاكل عن بني البشر كافّة، التي ابتلوا بها في كل مكان بالعالم.

تعريف بالروايات

توجد رواية عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه، في كتاب (الكامل في الزيارات الشريف ـ باب 40 ح2) ولها أسناد أخرى أيضاً، أذكر جزءاً منها، ويمكنكم أن تراجعوها كلّها. وقبل ذلك، أذكر أمراً حول الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين صلوات الله عليهم، وهو: إنّ رواياتهم الشريفة على نوعين. الأول تعليمية، وقد نُظّم سياقها بشكل تسع مستوى درك وفهم المخاطَب، وفيها مطالب تعليمية، وذلك لكي يتعلّم عباد الله كيف يتكلّمون مع الله تعالى وكيف يدعونه. والنوع الثاني هي الأدعية المذكورة عن أهل البيت صلوات الله عليهم، وترى فيها تمام المعرفة العميقة لهم صلوات الله عليهم بالنسبة إلى الله جلّ وعلا في موضوع عبادته، وكيفية مناجاته ومخاطبته تبارك وتعالى. ومنها الأدعية التي دعا بها الأئمة صلوات الله عليهم في حال السجود وتضرّعهم إلى الله سبحانه.

كرامة الأئمة وشيعتهم

أما الرواية الشريفة فهي: عن معاويةَ بن وَهْب (قال: استأذنت على أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام فقيل لي: اُدخل. فدخلت فوجدته في مصلاّه في بيته فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته يناجي رَبَّه وهو يقول: اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ؛ وَخَصَّنا بالوَصيَّةِ؛ وأعْطانا عِلمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ؛ وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِي إلَيْنا، اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين...)

إنّ عبارة (اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ) تحكي هذا المعنى وهو أنّ الله تعالى خصّص كرامته لأهل البيت صلوات الله عليهم، وإذا وجد من غيرهم من نال كرامة، فهي من كرامة أهل البيت صلوات الله عليهم، كالمؤمنين أمثال زرارة، وابن أبي عمير، وسلمان، وأبو ذر، وأمثالهم. وبعبارة: لأنّ هؤلاء وأمثالهم قد اتّبعوا أهل البيت صلوات الله عليهم، وساروا على نهجهم، فقد نالوا رشحة من كرامتهم الواسعة صلوات الله عليهم.

يقول الراوي للرواية المذكورة: أنّ الإمام الصادق صلوات الله عليه قد انشغل بالدعاء لزائري الإمام الحسين صلوات الله عليه. وتوجد قرائن في نهاية الرواية، تدلّ على أنّ الإمام صلوات الله عليه، دعا للزائرين الحسينيين وهو في حال السجود.

التصرّف التكويني الإلهي للقضية الحسينية

أشير إلى أمر مهمّ في باب زيارات الإمام الحسين صلوات الله عليه، وهو: يطلق في اللغة العربية، على ذهاب شخص إلى شخص آخر والحضور عنده، بلفظ الزيارة، وأمّا الزيارة من بعيد فلا يطلق عليها في اللغة بزيارة. وكانت هذه القاعدة ثابتة إلى قبل زمن الإمام الحسين صلوات الله عليه وهكذا كانت تستعمل، إلى أن حلّت مصيبة استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، فغيّر الله تعالى وبدّل حتى اللغة العربية واستعمالاتها، وقرّر وجعل لفظة الزيارة، لمن يزور الإمام الحسين صلوات الله عليه عن بعد، وعبّر عنها لغوياً بالزيارة، واستفاد من لفظ (زُر). ولم يلاحظ مثل هذا الأمر حتى لرسول الله وللإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولا للصدّيقة الطاهرة السيّدة فاطمة الزهراء ولا للإمام الحسن المجتبى ولا لسائر الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم يقع هكذا تغيير في اللغة العربية بالنسبة لهم صلوات الله عليهم. بل تمّت التوصية بالنسبة للإمام الحسين صلوات الله عليه فقط، بأنّه إن لم تك حاضراً في كربلاء، فزره من بعيد. وهكذا يمكن القيام بهذا الأمر في الأزمنة المختلفة، أيضاً، كعاشوراء والأربعين الحسيني. فاستعمال تعبير الزيارة في هكذا موارد لم تذكره الروايات الشريفة لسائر المعصومين صلوات الله عليهم. وكما ذكرنا في مناسبات مختلفة، إنّ الله جلّ وعلا، قد تصرّف في التكوين والتشريع، وغيّرهما لأجل الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهكذا بالنسبة لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، فهي وطبقاً للتصرّف الإلهي في التكوين والتشريع، قد غيّر الله تعالى معنى لفظ الزيارة التي تعني الحضور عند المزور، عن موردها الأصلي، وجعلها للزيارة من بعيد، وقلب معناها. وعلى سبيل المثال: يستعمل تعبير (زيارة الأموات) للمتوفّين، وتتم عن قرب وبزيارة مزاراتهم. ولكن لا يطلق عليها اسم زيارة إن كانت من بعيد أو عن بُعد. وأما بخصوص القضية الحسينية المقدّسة، نرى الكثير والكثير من التوصيات والوصايا المكرّرة على زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه من بعيد، ومن بُعد.

هدف الزيارة

يبيّن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه في العبارات الأخرى من دعائه الشريف، بعض الخصائص لزائري الإمام الحسين صلوات الله عليه، ومنها أمران مهمّان جدّاً ويجدر الانتباه لهما. فيقول الإمام الصادق صلوات الله عليه: (اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرِّنا، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا، وَغَيظاً أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا). ففي العبارة المذكورة، أشار مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه في دعائه إلى أمرين مهمّين، وهما جزء من ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، وهما:

 الأول (وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ). والثاني (َغَيظاً أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا). وهاتان الخصيصتان علامة من ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم. والذي يدعو إلى التأمّل، أنّ الإمام الصادق صلوات الله عليه في الأمر الثاني لم يقل (وغيظاً أدخلوه على عدوّ نبيّك) بل قال (على عدوّنا)، وهذا التمايز يدلّ على أنّ هذه الخصيصة هي جزء من ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم وكان من ثقافتهم. وطبقاً لقاعدة (التعليل يُعمّم ويُخصّص) فإنّ العبارة تدلّ على إنّ إدخال السرور وإغاظة أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم، عبر إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، كان من ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، الذين قال بحقّهم سيّدنا نبي الإسلام صلى الله عليه وآله: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي).

عاقبة مرعبة

بناء على ما مرّ، إنّ الذين يصفون أنفسهم بشيعة، ويُحسبون في زمرة الشيعة بالعالم، بالحمل الشائع، إن قاموا بعرقلة ما بخصوص القضية الحسينية المقدّسة، فمن أي قسم سيكونون، هل هم من (غيظاً أدخلوه على عدوّنا) أم من (سروراً أدخلوه على عدوّنا) والعياذ بالله؟ فإنّ كانوا من القسم الثاني، فهذا يعني انّه ستكون لهم العاقبة السوء والموحشة والمرعبة كثيراً.

تقول الروايات الشريفة بالنسبة للشخص المستطيع الذي يترك حَجّة الإسلام بلا عذر، أنّه (مت يهودياً أو نصرانياً). فهكذا شخص، مع انّه كان يصلّي ويصوم ويلتزم بهما، ولكنه يحشر في يوم القيامة في عداد اليهود أو النصارى، وليس في عداد المسلمين. وكذلك نقلت الروايات للخاصّة والعامّة أنّ أحد الشعراء نظّم عن حديث شريف للنبي الكريم صلى الله عليه وآله بحقّ الإمام علي صلوات الله عليه، وقال (من عادى أخي عليّاً يحشر يوم القيامة زُرقاً). وهذا يعني انّ كل من يعادي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، يحشر في زمرة الكافرين.

ثم قال الراوي: (قلت ـ أي للإمام الصادق صلوات الله عليه ـ: جُعِلتُ فِداك لو أنَّ هذا الَّذي سَمعتُ منك كان لِمن لا يَعرفُ اللهَ عزَّ وجَلَّ لَظننتُ أنَّ النّار لا تطعم منه شَيئاً أبداً!! والله لقد تمنَّيتُ أنّي كنتُ زُرْتُه ولم أحُجّ). وفي ختام الرواية قال الراوي الذي كان قد حضر لأداء مناسك الحجّ، بحالة من التحسّر، للإمام الصادق صلوات الله عليه: (قلت: جُعلتُ فِداك لَم أرَ أنَّ الأمر يبلغ هذا كلّه) أي هكذا يكون الأجر والثواب لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه.

مصادیق الشعائر

لقد كان في زمن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، شعيرتان فقط من الشعائر الحسينية، إحداها زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، مع ما كان يرافقها من مشاكل كالسجن والتعذيب والقتل وغيرها، بل إنّ كثيراً من الزائرين الحسينيين قضوا نحبهم في السجون بسبب الجوع، وهذا مذكور بشكل مفصّل في موسوعة بحار الأنوار القيّمة للعلاّمة المجلسي رضوان الله عليه. والشعيرة الأخرى هو البكاء على الإمام الحسين صلوات الله عليه. ولم يك هناك حسينيات وأنواع العزاء الحسيني، كعزاء الزنجيل، وعزاء اللطم، وعزاء ليلة الوحشة والغربة وغيرها من العزاء الموجود اليوم. وحتى العزاء في الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم الحرام، وحسب تتبعي الشخصي، لم يكن موجوداً في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، إلاّ رواية واحدة عن مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه، التي تقول بأنّه صلوات الله عليه عندما كان يحلّ شهر محرّم الحرام، كان لا يرى ضاحكاً إلى يوم العاشر من الشهر. وهذا يعني أنّه لم يك هناك مجالس لعشرة محرّم. ولكن، وأحياناً، في يوم عاشوراء أو في غيره من الأيّام، كان أحد الشعراء ينظّم شعراً في مظلومية الإمام الحسين صلوات الله عليه. وعليه، هل يمكن أن يقال بأنّ العزاء في الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم هو بدعة؟ أم بناء الحسينية بدعة؟ لأنّها لم تك موجودة في زمن الأئمة صلوات الله عليهم؟

الأسوأ من الفواحش

إنّ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى قبيح جدّاً، ووفقاً للقرآن الكريم والروايات الشريفة، هو المذموم الأكثر، بمئات المرّات من مئة زنا ولواط. فالذين يحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، يستوجبون غضب الله سبحانه. بلى، وأحياناً، قد يشتبه بعض الفقهاء من أهل التديّن والورع والتقوى، في حكم ما، فهذا سيشملهم قول (رُفع ما لا يعلمون). ولكن الأشخاص الذين لا يمتلكون الملاكات الشرعية ولا يعرفونها، يتفوّهون بأنواع الكلام. ففي حديث شريف عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه، أنّه قال لقاضي القضاة في المسجد الحرام من أهل العامّة: (أنتم تلعبون بدين الله)، وذلك لأنّ الأخير وأمثاله، قد تركوا الملاكات التي دعا إليها القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم، التي أوصها بهما نبي الإسلام صلى الله عليه وآله: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي).

أما بالنسبة للشعائر الحسينية المقدّسة، فلم يذكر القرآن الكريم موضوعها، بل بيّن حكم الشعائر بشكل عام، وكذلك لم تبيّن الروايات الشريفة بأنّه ما هي الشعائر الحسينية، وما هي شعائر الله. وبعبارة أخرى: لم يذكر القرآن الكريم ولا روايات العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، موضوع ومصداق شعائر الله والشعائر الحسينية المقدّسة.

تشكيك مردود

أنا ذكرت كراراً، أنّه في هذه الحالة، تكون المواضيع والمصاديق عرفية، كباقي المواضيع وكلّها. فإنّ كانت علمية وموضع بحث، فستكون موضوعاً للاستنباط، وفي غير ذلك، سيكون الموضوع صرفاً، ولا يحتاج لاستنباط، وهذا ما عليه عقيدة سائر الفقهاء. ويمكن بهذا الخصوص، مراجعة العديد من الكتب والرسائل العملية، كالعروة الوثقى، ورسالة صاحب الجواهر، ورسالة الشيخ الأنصاري، ورسالة السيّد عابدين المازندراني، وغيره، ومطالعة التفاصيل الموجودة فيها. ولم يوجد حتى في زمن الغيبة الصغرى مكان باسم حسينية. وكان الناس من الغيبة الصغرى وبعدها، يجعلون إحدى البيوت وقفاً ويطلقون عليها اسم حسينية، وكانت تضمّن في مجموعات الموقوفات، وكانت تجري عليها أحكام الوقف. فهل يجب أن يكون كل شيء موجوداً في زمن الأئمة صلوات الله عليهم؟

قاعدة العمل والحكم

إنّ الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم قد بيّنوا القوانين وقالوا: (إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم التفريع). فاستنباط المصاديق والمواضيع هو لأهله، أي الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل: «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ». فكل الأفعال والممارسات الموجودة اليوم والتي تستحدث اليوم، إن خلت من المحرّمات، وعدّت تجليلاً للإمام الحسين صلوات الله عليه، فهي جزء من الشعائر الحسينية. والمقصود من المحرّمات، الحرام بعنوانه الأول لا الثاني، وهذا يجري بحثه في محلّه. وبناء على ما مرّ، فجميع الهيئات والتكايا والمواكب التي تقام وتنصب في أيّام شهر محرّم، في كل مكان بالعالم، والإطعام، وتوزيع العصائر والشرابت والشاي وغيرها من المشروبات، هي كلّها من الشعائر الحسينية المقدّسة، حتى لو لم تك في زمن الأئمة صلوات الله عليهم. فكل تلك الموارد، سواء كانت في أيّام الأربعين الحسيني، أو في الزيارات الأخرى الخاصّة، وفي غيرها من الأيّام، هي كلها تجليلاً وتكريماً لمقام مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه. فإن سأل أحد الأشخاص عن تلك الأمور، وأجابوه بأنّها لأجل الإمام الحسين صلوات الله عليه، فستكون تلك الأمور شعيرة للإمام الحسين صلوات الله عليه، وجزءاً من شعائره المقدّسة. وقد ذكرت الروايات الشريفة أنّ: (المَلَك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بقتل الحسين بن علي عليهما السلام كان مَلَك البحار، من ملائكة الفردوس، نزل على البحر فنشر أجنحته عليها، ثم صاح صيحة وقال: يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن فإنّ فرخ رسول الله صلى الله عليه وآله مذبوح، ثم حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات، فلم يبق ملك فيها إلاّ شمّها وصار عنده لها أثر ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم). فالثوب الأسود يعدّ ثوب حزن عند بني البشر، وليس لأهل البحار. ولعمري، أي شيء سيكون له الظهور من مصداق ثوب الحزن لأهل البحار كالأسماك وغيرها؟ ولكن مهما كان فهو في زمرة الشعائر الحسينية. فالقرآن الكريم والروايات الشريفة لم يعيّنا الإطار الخاص لمصاديق الشعائر، وعليه، كل ما من شأنه ويوجب التجليل والتعظيم، فهو من الشعائر.

عاقبة إهانة الشعائر الحسينية

إنّ الذين يوهنون الشعائر الحسينية المقدّسة، لهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة. فقد ذكرت الروايات للخاصّة وبأسناد عديدة، ولعله مذكورة حتى في روايات العامّة، أنّ جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله في اليوم الذي ولد فيه الإمام الحسين صلوات الله عليه، وبارك له المولود الجديد، وعزّاه في الوقت نفسه، باستشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه في كربلاء. وبعدها نزل الملائكة كلّهم على النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وقاموا بمثل ما قام به جبرئيل عليه السلام. أليس هذا من الخصائص الحسينية؟ فأنا شخصياً لم أر مثله بالنسبة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولا للسيّدة الزهراء ولا للإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليهم، في أي كتاب. ولقد سأل أحد الأشخاص، الإمام علي صلوات الله عليه عن عدد الملائكة، فقال: (عدد التراب). فلو أخذت قبضة من التراب فهل يمكنك أن تعدّ ذراته؟ فكيف إذا أردنا أن نعدّ ذرّات التراب كلّه الموجود على الأرض؟ وهل يمكننا القيام بهذا العمل؟! لا شكّ هو خارج عن قدراتنا. ومع ما مرّ ذكره من التفاصيل، تقول الرواية أعلاه، أنّ كل الملائكة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، وباركوا له المولود الجديد، وقدّموا له التعازي أيضاً، ولم يبق ملك إلاّ ونزل عليه صلى الله عليه وآله، كما في الرواية: ( لم يبق ملك). وأنا شخصياً لم أجد في كتاب ما، أنّه ماذا كان جواب النبي الكريم صلى الله عليه وآله للتهاني التي قدّمتها الملائكة، ولكن ذكرت العديد من الكتب، ومنها موسوعة بحار الأنوار، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، في تلك اللحظة، دعا على عدّة من الناس ولعنهم. وكان أوّل دعاء وأول لعن منه صلى الله عليه وآله في اليوم الذي ولد فيه الإمام الحسين صلوات الله عليه، وكان بعد تعازي جبرئيل عليه السلام والملائكة، وهو: (اللهم اخذل من خذله) وبعدها لعن صلى الله عليه وآله عدّة من الناس.

من أعوان يزيد

إنّ بعض الناس يكونون من ناصري الإمام الحسين صلوات الله عليه. فنصرة الإمام قد بدأت من يوم عاشوراء من أهل بيته وأنصاره عليهم السلام، وتمّ ذكرهم بـ(المستشهدين بين يديه). وأما، ما يقام باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه، من فعاليات، من بعد عاشوراء وإلى يومك هذا، كبناء القبّة والضريح والمنارة والمراقد، أو إقامة مراسيم العزاء، وإطلاق المسيرات الحسينية في الشوارع، وحملات الإطعام، وغيرها، ألا تعتبر نصرة للإمام الحسين صلوات الله عليه؟ بلى، هي كلها من الشعائر الحسينية المقدّسة، ومن أنواع نصرة الإمام الحسين صلوات الله عليه. ولكن يوجد فئة من الناس والأشخاص، يعادون قضية الشعائر. فحذاري من أن يكون المرء من المعادين للشعائر، أي ممن يحمل اسم الشيعة لنفسه ويصلّي ويصوم. فقد ذكر كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري، وفرائد الأصول، حديثاً عن الإمام العسكري عن الإمام الصادق صلوات الله عليهما، أنّه قال حول اولئك الأشخاص: «وهُم أضَرُّ عَلى ضُعَفاءِ شيعَتِنا مِن جَيشِ يَزيدَ عَلى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليهما السلام و أصحابِهِ». أي هكذا أشخاص، هم في الواقع، أسوأ كثيراً وأضرّ على الشيعة من جيش يزيد الذين حضروا في كربلاء. والعياذ بالله تعالى من هكذا عاقبة. وعليه فإنّ هكذا أشخاص من المعادين، يُلحقون بمعسكر يزيد.

الحذر ثم الحذر

كما يوجد فئة من الناس، يقومون بالخذلان، فيشملهم دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وآله: (اللهم اخذل من خذله). ويعني الخذلان، أنّ الشخص بإمكانه أن يقدّم الخدمة للقضية الحسينية، لكنه يقصّر. وعلى سبيل المثال: شخص يريد الذهاب إلى كربلاء لكنه يفتقد لجواز السفر، أو لا يعطونه الجواز لسبب ما. فإن وجد وكان من بإمكانه أن يساعده، بالمال أو عبر التوسّط، أو أخذ تأشيرة الدخول، ويمتنع عن المساعدات المذكورة، فهو قد قام بالخذلان. فكل من يمكنه أن يخدم القضية الحسينية المقدّسة، عبر المساعدة المالية، أو بلسانه وبكلامه، أو بقلمه، ويقصّر، فهو قد فعل الخذلان، وبالنتيجة يشمله دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي دعا الله تعالى به وهو باكياً بأن يخذل كل من يخذل الإمام الحسين صلوات الله عليه. والملفت للنظر، أنّه لم يُذكر في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله، متعلّق النصرة. ووفقاً لقاعدة في اللغة العربية وهي (حذف المتعلّق يفيد العموم) إنّ عدم النصرة الإلهية أو الخذلان الإلهي، يجري في كل المجالات، والمخذول يحرم في الدنيا من الأموال والتوفيق وغيرها، بل ولا يُنصر من الله تعالى حتى في الآخرة وفي القبر وفي عالم البرزخ وعند سؤال المَلَكَين، حتى لو كان من المصلّين والصائمين وحجّ بيت الله الحرام. فليكن نصب أعين الجميع، دعاء نبي الإسلام صلى الله عليه وآله ولعنه. فالقضية الحسينية، قضية خطيرة ومهمّة، سواء في الأمور السلبية، والأمور الإيجابية.

قصّة وعبرة

قصّة نقلها العلماء والخطباء كثيراً، لكي تكون عبرة للآخرين، ومذكورة في كتب مختلفة ومنها موسوعة بحار الأنوار، وبعضها ذكرت اسم صاحب القصّة، وهي:

(عن عبد الله بن رباح القاضي قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام، فسئل عن بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن برمح، ولم أضرب بسيف ولم أرم بسهم، فلما قتل رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة، ونمت، فأتاني آت في منامي فقال: أجب رسول الله! فقلت: مالي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجرّني إليه فإذا النبي جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلما ضرب ضربة التهب أنفسهم ناراً فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ عليّ ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال: يا عدو الله انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترع حقّي وفعلت وفعلت، فقلت: يا رسول الله ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال: صدقت ولكنّك كثّرت السواد، ادن منّي! فدنوت منه فإذا طست مملوء دماً فقال لي: هذا دم ولدي الحسين فكحّلني من ذلك الدم فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً). علماً أنّه شارك في جيش يزيد قرابة أكثر من ثلاثين ألف، فهل سيكون له التأثير لو قلّ منه شخص واحد أو ازداد عليه واحد. ولكنّ القصّة تشير إلى أمر مهم وهو تكثير السواد على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذه من الموارد في القضية الحسينية المقدّسة التي غيرّ الله تعالى لأجلها حتى معاني اللغة. فالقضية الحسينية خطيرة ودقيقة وسريعة التأثير.

السعداء

إذن، طوبى لكل من قدّم الخدمة للقضية الحسينية في عشرة محرّم الأولى. ولكن يجب السعي إلى أن تكون الخدمات أكثر وأكبر، وأن لا يصدر منّا التقصير إن كان بإمكاننا القيام بعمل ما في سبيلها، ولا نخذلها. فإن راجعك شخص لكي تقضي حاجته، وقصّرت معه، فهذا يعني قد خذلته. وبالصدد المذكور توجد قصّة، أذكرها من باب (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب). فالقصص هي للعبرة والاعتبار والتعلّم، وقد ذكر القرآن الكريم الآية الآنفة للاعتبار من قصص الأنبياء وأممهم، التي كان أغلب أفرادها طالحين، ووصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: (أكثرهم لا يعقلون).

يرجع تاريخ القصّة إلى قرابة أكثر من ستين سنة، أي في زمن الملكية بالعراق، وصاحبها من أهالي كربلاء وكان من الأصدقاء، وقد توفّي. وفي ذلك الوقت كان العراق يتمتّع بنسبة من الحرية، وكان يمكن حتى لقاء الوزير ورئيس الوزراء بلا تعقيدات أو موانع. وفي إحدى الوزرات العراقية، غضب أحد رؤوسائها على موظّف، وكان من أهالي كربلاء، وفصله من العمل. فذهب الأخير إلى شخص من أصحاب البرّ والإحسان، وهو الذي نقل لي هذه القصّة، وطلب منه أن يتوسّط له ليرجع إلى علمه، فقبل طلبه وذهب إلى بغداد. فالتقى بالوزير وطلب منه إرجاع الموظّف، فاستاء الوزير ورفض. فقال له أنا قد جئت من كربلاء لبغداد لأجل هذا الطلب فأرجو أن تقبل طلبي. فقال له الوزير لا يهمّني ما تطلب. وألححت عليه كثيراً وكان يرفض بغلظة. وكانت الأوضاع بالعراق حينها بشكل يمكنك أن تغلظ أنت بكلامك مع المسؤول أيضاً، أو حتى تصف الملك بالحمار، وحتى لو أهنت وزيراً لم يتعرّضوا لك. فقال الشخص الواسطة للوزير وبغلظة سأجبرك على أن تقبل طلبي، وانصرف. وبعدها، وحسب ما نقله هو، التقى بموظّف له ارتباط مباشر بالرئيس، وبيده كل أعماله، أي كان السكرتير للرئيس. فقدّمت له مقداراً من الأموال كهدية، وطلبت منه أن يذكر لي الأصدقاء القريبين جدّاً من الرئيس، فذكر لي أربعة منهم ومن أقاربه وكتب أسمائهم على ورقة، وراجعتهم كلّهم. فقدّمت طلبي للأول منهم، فاتّصل بالرئيس وأخبره بالطلب، فاستاء الأخير ورفض. وبعدها ذهبت إلى الثاني وكان رئيس شرطة بغداد، واتّصل الأخير برئيسه وطلب التوسّط فرفض أيضاً. وذهبت إلى الشخص الثالث فلم أحصل على نتيجة، وبعدها ذهبت للأخير فاتّصل برئيس الوزارة، وأخبره بطلبي، فضحك الأخير واستجاب لطلبي. وبعدها راجعت الوزير، فضحك وقال لي: أنت تريد أن تعكّر علاقاتي مع جميع الأصدقاء؟ مع ذلك سأرجع الموظّف المذكور إلى عمله السابق.

معيار النصرة والخذلان

ما مرّ ذكره، هو نموذج واضح من النصرة. فالشخص المتديّن صاحب البر والإحسان، لو كان بإمكانه أن يقضي حاجة الموظّف ولكنّه قصّر، فهذا يعني انّه قد خذل الموظّف. فلنسأل أنفسنا ولنتأمّل: كيف يمكننا اليوم تحقيق نصرة مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وكذلك نرى أي الأمور تكون من خذلان القضية الحسينية، والعياذ بالله؟ وللجواب أقول: كل من يمكنه أن يساعد في إقامة إحدى الشعائر الحسينية وتعظيمها، في أي مكان بالعالم، ولم يساعد، فهو قد خذل القضية الحسينية. فاستطاعة المرء في هذا المجال أمر مهم، فالذي يقصّر ويمكنه ويستطيع القيام بعمل ما، لكنه يقصّر، فهذا يعني أنّه ارتكب الخذلان بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه. علماً أنّه، وكمسألة فقهية، وحسب اصطلاح الفقهاء، نستثني مصاديق لا حرج ولا ضرر، رغم أنّه وبالاستناد إلى روايات متواترة بشأن القضية الحسينية المقدّسة، يمكننا أن نغضّ الطرف عن حتى حرج وضرر، ولا ندخلهما في إطار قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه.

نصرة المظلوم

لقد مرّ على قضية عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه أكثر من ألف سنة، ونحن اليوم لسنا في سنة 61 للهجرة، فهل لا يمكن اليوم أن يوجد مصداقاً لخذلان حقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ فخلال مئتي سنة من السنين الماضية، وحتى قبلها وبعدها، قام أمثال المتوكّل العباسي، بتهديم مرقد الإمام الحسين صلوات الله عليه لعدّة مرّات. فالعدو، معاند وناصبي، ولا يتوقّع منه سوى ما صدر منه، ولكن لماذا يقصّر الذين يمكنهم أن ينصروا القضية الحسينية المقدّسة، عبر طرق مختلفة كصرف الأموال أو الاقتراض لأجل مصاريف الحسينية أو مجلس العزاء أو لمواكب العزاء والمسيرات الحسينية، أو عبر اللسان وأمثالها؟

ذكروا أنّ شخصاً من الأميّين، ذهب عند المرجع السيّد أبو الحسن الأصفهاني قدّس سرّه، وقال له: عليّ ديون ولا يمكنني تسديدها، فهل تسدّدونها أنتم؟ فقال السيّد: حالياً لا يوجد عندي ما أسدّد به دَينك. فقال له الشخص: استدن واقترض لتسديد دَيني. فقال السيّد بتعجّب: أنا أقترض لأسدّد دَينك؟! فقال الشخص: ألم يقترض رسول الله صلى الله عليه وآله لتسديد الديون؟ فأنتم قد جلستم مكان رسول الله صلى الله عليه وآله. هذا أولاً. وثانياً: إن كانت عليكم ديوناً ولا يمكنكم تسديدها، فيسدّدها لكم المؤمنين، ولكنّي لا يمكنني تسديد ديوني.

بالنسبة للشعائر الحسينية يجدر أيضاً، إن لم تك لنا القدرة المالية ويمكننا الاقتراض، أن نقترض لأجل القضية الحسينية ولتعظيمها، فيجب عدم خذلانها.

 املؤوا الدنيا بالحسينيات

لله الحمد، يوجد اليوم الألوف من الحسينيات بالقرى والأرياف في أرجاء العالم، وبالمقابل يوجد مثلها وبأعدادها من القرى والأرياف التي تفتقد الحسينيات. فأوصي كافّة شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم بالعالم، سواء بالدول الإسلامية وغير الإسلامية، بالأخص الشباب الذين يتمتّعون بقوى وقدرات أفضل وأكثر، أن يسعوا خلال السنة الجارية إلى تأسيس وبناء حسينية في القرية أو الريف التي لا يوجد فيها حسينية. ولا شكّ أنّهم سينالون التوفيق، إن سعوا وحاولوا كالشخص الذي توسّط لحل لمشكلة طرد الموظّف من عمله التي مرّ ذكرها آنفاً، ولم يقم بعمل حرام أو لم يظلم الوزير، بل اكتفى بالتوسّط عند الأصدقاء. فهكذا نصرة يمكن أن يقوم بها الكثير منّا، ولذا يجب أن لا يصدر منّا الخذلان تجاه القضية الحسينية المقدّسة.

أثر كبير لخدمة بسيطة

يوجد في الكويت المئات من الحسينيات، وقرابة خمسة عشر حسينية منها حسينيات كبيرة. وقد التقيت شخصياً بأب المتولّي الشرعي لإحدى تلك الحسينيات، التي بناها جدّ المتولّي في زمن لم يكتشف فيه بعد النفط، ولم تك الكويت معروفة كما هي اليوم، أي قبل قرابة قرن. وكان جدّ المتولّي من الكسبة، والتقى بي نجله قبل قرابة ثلاثين سنة، وذكر لي أنّ عدّة من الأشخاص أرادوا أن يقيّموا الحسينية ويشترونها. وبالنتيجة اقترحوا عليه أن يشتروها بمبلغ خمسة مليون دينار كويتي. ويرجع تاريخ هذه القصّة إلى ثلاثين سنة، وكان المبلغ المذكور حينها يعادل أكثر من خمسة عشر مليون دولار. فامتنع نجل الجدّ عن بيع الحسينية، وقال هي ليست ملكاً شخصياً لي، ولا يحقّ لي بيعها. وقصّة بناء هذه الحسينية التي تعتبر من الحسينيات المهمّة في الكويت، قصّة جديرة بالذكر. فقد نقل لي نجل الجدّ تفاصيل بناء الحسينية نقلاً عن أبيه، وقال:

ثلث أمواله للإمام

كان أبي كاسباً بسيطاً، وكذلك عمله. ولكن كان يجعل ثلث ما يحصل عليه من الأموال للإمام الحسين صلوات الله عليه. وكان وضعه المالي ضعيفاً جدّاً بحيث كان لا يستطيع شراء اللحم لعائلته إلاّ مرّة في الاسبوع، وفي ليلة الجمع فقط. ولكنه كان يمكنه أن يشتري اللحم لعائلته ثلاث مرّات في الاسبوع لو لم يجعل ويخصّص ثلثاً من ماله للإمام الحسين صلوات الله عليه. فقد كان متديّناً ويخمّس أمواله أيضاً. وبعد مدّة من الزمن استطاع أن يشتري بما خصّص من ثلث ماله، قطعة أرض لبناء حسينية في خارج سور المدينة التي كان لها السور حينها. فلامه بعض الأشخاص على شرائه قطعة أرض خارج سور المدينة، وكان يقول لهم: لقد عملت قدر استطاعتي وإمكانيتي. وأما الحسينية فهي اليوم من أهمّ الحسينيات في الكويت. وهكذا بإمكاننا جميعاً أن نقوم بفعاليات في مجال خدمة القضية الحسينية المقدّسة، كما قام به مؤسّس تلك الحسينية. فبناء الحسينيات، وإقامة مراسيم ومجالس العزاء الحسيني، وإطلاق مسيرات العزاء، وإطعام الزائرين والمعزّين، وتقديم غيرها من الخدمات للإمام الحسين صلوات الله عليه في المدن الإسلامية وغير الإسلامية، وكل ما من شأنه أن يعظّم ويحيي القضية الحسينية، فهو من الشعائر الحسينية، حتى لو لم تك في السابق، واستحدثت اليوم، كمجالس العزاء التي لم تك تقام في الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم بزمن الأئمة صلوات الله عليهم، ولكنها اليوم هي جزءاً من الشعائر الحسينية.

مسؤولية الأربعين الحسيني

القضية المهمّة الأخرى، هو الأربعين الحسيني المقدّس، الذي يجب أن تقام لأجله الفعاليات من الآن. فيجب إزالة المعرقلات للزيارة الأربعينية الحسينية التي يسمّونها بقوانين. فهل الشيء الذي يمنع سفر الزائرين إلى كربلاء المقدّسة، هو قانون؟ بل إنّ هذه الأساليب هي مصداق قول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: (أضرّ على شيعتنا من جيش يزيد على الحسين عليه السلام). فالويل للحكومات التي تعمل بهكذا أساليب، سواء الإسلامية وغير الإسلامية. فما ترتكبه هذه الحكومات بحقّ القضية الحسينية، هي ذنوب لا تنفع معها حتى التوبة. بلى إنّ مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه قبل توبة الحر، وكان بإمكان الإمام أن يرفض توبته. وكان هذا التصرّف من الإمام الحسين صلوات الله عليه تصرّفاً استثنائياً، لا يوجد دائماً وفي كل موقف، إلاّ إذا ارتضاه أهل البيت صلوات الله عليهم، ويجعلونه استثناء.

مجموعات عمل

فلذا، على المؤمنين كافّة، في العالم كلهّ، أن يشكّلوا مجموعات من عدّة أشخاص، ويقومون من هذه الساعة بمتابعة ورصد المشاكل التي تعترض طريق الزيارة الأربعينية الحسينية، كالمشاكل السياسية، والاقتصادية، والقانونية وغيرها، ويعملوا على رفعها وإزالتها. ويجب عدم التقصير أو التهاون في هذا المجال، حتى لو استدعى الذهاب إلى وزير ولقائه أو محامي أو نائب وغيرهم من المسؤولين بالحكومات، وأن يطلبوا ممن يتوسّط بينهم، لكي ترتفع المشاكل، واحدة بعد الأخرى، وتزول بحول الله تعالى، وحتى تزداد أعداد الزائرين الحسينيين ولو بنسبة شخص واحد. فحتى الشخص الواحد، وكما في الرواية التي ذكرناها عن ذلك الشخص الذي كحّله النبي الكريم صلى الله عليه وآله فعمي لأنّه كان قد كثّر السواد على الإمام الحسين صلوات الله عليه، فاسعوا أنتم أن تكثروا وتزيدوا من سواد معسكر الإمام الحسين صلوات الله عليه في الأربعين الحسيني. فكما أنّه ولأجل تصليح عمود خيمة من خيم معسكر يزيد يشارك ذلك الشخص الذي كان نجّاراً في جيش يزيد ويكثر سواده، فكذلك فإنّ إضافة شخص واحد في الزيارة الأربعينية الحسينية له الموضوعية والأهمية، ويكثر من سواد جيش الإمام الحسين صلوات الله عليه.

من خدمات الأربعين

للحصول على النتائج أو النتيجة بالخصوص المذكور، يمكن استئجار طائرة لتنقل الزائرين بالمجان إلى كربلاء من الدول الإسلامية وغير الإسلامية. ويمكن استئجار باصات، ويمكن أن نرسل غيرنا إلى كربلاء بدفع تكاليف سفره إلى كربلاء، أو الطلب من الآخرين ليقوموا بدفع تكاليف الزائر، وذلك لكي يسدّدوا تكاليف السفر بعزّ. ويمكنكم الاستقراض لأجل إرسال غيركم إلى كربلاء. فتكثير سواد الجيش المعادي للإمام الحسين صلوات الله عليه، يمكن أن يكون بسهم واحد أو بخيمة واحدة، كما فعل ذلك النجّار، وارتكب الجريمة والذنب، وصار عاقبة أمره إلى النار، وعبّر صلى الله عليه وآله عن فعل ذلك النجّار بـ(كثّرت السواد)، مع أنّه ولغوياً لا يصدق هذا التعبير. وهذه الأمور هي من الاستثناءات التي جعلها وقرّرها الله عزّ وجلّ للقضية الحسينية المقدّسة، ولذا فلنسع إلى أن لا نعمل ما من شأنه خذلان الإمام الحسين صلوات الله عليه. وإن لم نتمكّن أو لم نستطع القيام بعمل ما، فلندعوا الآخرين إلى مساعدتنا والتعاون معنا، كتوسّط ذلك الرجل المتديّن الذي قضى حاجة الموظّف الذي طرد من وظيفته، واستطاع إرجاعه إلى عمله، التي ذكرناها آنفاً.

لمزيد من الخدمة والتوفيق

أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبّل الخدمات من الجميع، وأن يوفّقكم في خدمة القضية الحسينية المقدّسة أكثر وأكثر، وأن تقام الشعائر الحسينية المقدّسة، في شهري محرّم وصفر، يوماً بعد يوم، أكثر حماساً وأشدّ حرارة وبأحسن ما يمكن، وأفضل من السابق. وأرجو أن تزداد أعداد الذاهبين إلى كربلاء من عشرين مليون إلى ثلاثين وأربعين وخمسين ومئة مليون بل ومئتي مليون، في مناسبة الأربعين الحسيني. فهل ترون هذا الأمر بعيداً؟ فالدنيا ممتلئة بالمحبّين للإمام الحسين صلوات الله عليه. فإن ينصر الإمام الحسين صلوات الله عليه عدّة من الناس ولا يخذلونه، فيمكن من حيث المجموع أن تشهد كربلاء المقدّسة في مناسبة الأربعين الحسيني، حضور حتى مئتي مليون زائر عوضاً عن عشرين مليون.

أسأل الله جلّ وعلا، أن يتقبّل كل الخدمات من الجميع، ويوفّق الجميع لتقديم الخدمة بالنسبة للقضية الحسينية المقدّسة، أكثر وأكثر.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين