نصّ المطارحة العلمية الثالثة عشرة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1444 للهجرة، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، بحضور ومشاركة الشخصيات العلمية، ووكلاء مراجع التقليد الأعلام، وناشطين دينيين وثقافيين، وطلبة العلوم الدينية، مساء يوم الثلاثاء 13 شهر رمضان العظيم1444 للهجرة (4/4/2023م):
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ لو أنَّ الريح نثر التراب المتنجّس في الهواء فاصاب ثوب المكلّف فإذا هزّ المكلف ثوبه ليتناثر التراب فهل يجوز الصلاة في هذا الثوب؟ واذا بقي بعض ذلك علی الثوب، فما هو الحكم؟
ج ـ إنَّ طهارة الثوب والبدن من النجس والمتنجس تعدّ من شرائط صحّة الصلاة. نعم دم الحيوان إذا كان لحيوان غير محرّم الأكل ولا نجس العين وكان بمقدار الدرهم البغلي فهو معفو عنه. فإذا شك في اصابة التراب المتنجس لثوبه فالاصل فيه هو العدم ولكن إذا حصل له العلم باصابة التراب المتنجس وشك في ازالته عن ثوبه ففي هذه الصورة يستصحب بقاء المتنجس لليقين السابق بوجود المتنجس علی ثوبه.
2ـ إذا كان المكلف فاقداً للماء ويعلم بعدم وجدان الماء فيما بعد، فهل يجوز له أن يجنب في ليلة شهر رمضان المبارك؟
ج ـ هذه المسألة تتفرع إلی فرعين: 1ـ بالنسبة إلی الصلاة فلا إشكال فيها اجماعاً، 2ـ واما بالنسبة إلی الصوم فقد وقع الخلاف فيه بين الفقهاء، ويظهر لي عدم وجود اشكال في هذا الفرع ايضاً.
كذلك لو أراق المكلّف الماء الذي كان تحت اختياره قبل حلول وقت الصلاة فإنّ تيممه وصلاته يتفرع إلی فرعين: 1ـ العجز عن تحصيل الماء، 2ـ العجز عن الاتيان بالوضوء اذا صبّ المكلف الماء الذي كان تحت اختياره، فقد ارتكب المحرّم ولكن تيممه يكون صحيحاً ، لأنّ شرط جواز التيمم الذي ذكر في القرآن الكريم هو العجز عن وجدان الماء. قال تعالی: «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا» (النساء، 43 والمائدة، 6) لكنه ورد في بعض الروايات: «إِنَّ اَلتَّيَمُّمَ أَحَدُ اَلطَّهُورَيْنِ» (وسائل الشيعة، ج3، ص386، ح 3938) فالفاقد للماء لا يحرم عليه الاجناب، طبعاً ليس هنالك دليل خاص في هذا المورد انما الحكم هذا مستفاد من العمومات فمثل هذا الشخص يكون صومه جائزاً، ولم يرتكب محرّماً أيضاً وصلاته صحيحة بلاخلاف ولا إشكال.
لقد ذكر صاحب العروة في احكام التيمّم: «لا يجب إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم الصحيح بعد زوال العذر لا في الوقت ولا في خارجه مطلقاً، نعم الأحوط استحباباً إعادتها في موارد:... الرابع: من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظن بعدم وجوده بعد ذلك، وكذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظن بعدم وجود الماء» (العروة الوثقی والتعليقات عليها، ج1، ص490، م8). ويقول في المسألة التي نحن فيها: «ومن البقاء على الجنابة عمداً، الإجناب قبل الفجر متعمداً في زمان لا يسع الغسل ولا التيمم، وأما لو وسع التيمم خاصة فتيمم صحّ صومه وإن كان عاصياً في الإجناب» (العروة الوثقی والتعليقات عليها، ج10، ص114، م48) وقد أشكل بعض الاعاظم عليه وقالوا: لا يكون المكلف عاصياً حينئذٍ، وقد ذكرت هذه المسألة في حاشية العروة الوثقی.
3ـ لقد ذكرتم فيما سبق كلام بعض الاعاظم في المكلف إذا علم بحصول الاحتلام إذا نام، أنه لا يجوز له النوم، ومع هذا أعرضتم عن قولهم ولم تقبلوا به وفي المقابل ذكرتم عدم جواز نوم من يعلم اذا نام أنه لا يقوم لصلاة الصبح فما هو الفارق بينهما؟
ج ـ لقد ذكرنا في الجلسات الماضية تفصيل هذه المسألة فنقول: ذهب بعض الفقهاء إلی عدم جواز النوم لمن يعلم بحصول الاحتلام وذلك لأنّ ما بالاختيار لا ينافي الاختيار وكلامهم هذا موافق للقاعدة، والفرضان المذكوران في السؤال هما من هذا الباب إلّا أنه العلم بحصول الاحتلام من جهة تمامية أركان قاعده لو كان لبان يكون جائزاً، خلافاً للّذي يعلم بفوات الصلاة إذا نام فإن أركان قاعدة لو كان لبان ليست تامة.
4ـ ما هو حكم صبّ الماء قبل الوقت والاتيان بالتيمّم قبل الصلاة؟
ج ـ ذكر صاحب العروة في اوائل فصل التيمم: «لا يجوز اراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجدان ماء آخر، ولو كان على وضوء لا يجوز له إبطاله إذا علم بعدم وجود الماء، بل الأحوط عدم الإراقة وعدم الإبطال قبل الوقت أيضاً مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت، ولو عصى فأراق أو أبطل يصحّ تيممه وصلاته، وإن كان الأحوط القضاء» (العروة الوثقی والتعليقات عليها، ج1، ص460، م13). فهذه المسألة وإن لم يرد فيها دليل خاص ظاهراً إلا أنّه لا خلاف فيه فيكون المكلف حينئذٍ عاصياً لأنّ ما بالاختيار لا ينافي الاختيار وإن كان «إِذَا دَخَلَ اَلْوَقْتُ وَجَبَ اَلطَّهُورُ وَاَلصَّلاَةُ» (وسائل الشيعة، ج1، ص372، ح981).
نعم ذهب بعضهم إلی الملاك الملزم في هذه المسألة وذكروه دليلاً للحكم، إلّا أنه لا علم لنا بملاك الاحكام. نعم طرق الطاعة والمعصية تكون عقلائية وبما أنّ هذا الشخص يكون لدی العرف عاصياً، فيكون قد ارتكب المعصية بإراقة الماء. وقال الشيخ الانصاري: إنَّ الوجوب يكون قبل الوقت ولكن الواجب يتأخر عنه ويحصل فيما بعد، فكلامه هذا لا دليل عليه وقد صرحت الرواية بانه «إِذَا دَخَلَ اَلْوَقْتُ وَجَبَ اَلطَّهُورُ وَ اَلصَّلاَةُ» (وسائل الشيعة، ج1، ص372، ح981) وعليه فإنَّ الوجوب يحصل بعد دخول الوقت مع حصول الواجب. ولا حكم للعقل في هذه المسائل الفرعية، إلّا إذا كان في سلسلة العلل وفرض المسألة ليس كذلك. فيجب الرجوع إلی العرف لمعرفة ما يطلق عليه المعصية وما لا يطلق عليه ذلك، تبعاً لطريقة العقلاء في الاطاعة والمعصية، ولا شك أنَّ طريقتهم يشمل سيرة المتشرعة أيضاً كما يشمل سيرة غير المتشرعة أيضاً. ونظير هذه المسألة هو ما إذا قال المولی للعبد إفعل الفعل الكذائي وقت الظهر، إلّا أنَّ العبد أتی بفعل لا يجعله قادراً من امتثال امر مولاه ففي هذه الصورة يعدّ عاصياً.
لكنه إذا جاء بما یجعله مریضا مثلا قبل شهر رمضان المبارك وقت الامتثال أو دخول الوقت أو سافر قبل الظهر، ففي هذه الحالة يتبدّل الموضوع بالدليل الخاص فلا يكون عاصياً ولا يجب عليه الصوم.
5ـ هل المقدّمة المفوتة من هذا القبيل أيضاً أم له ملاك آخر؟
ج ـ إنَّ ملاك المقدمة المفوتة أيضاً يكون من هذا الباب. فإنَّ طرق الاطاعة والمعصية عقلائية، ولا ملاك لها غير هذا، ومن الممكن في بعض الموارد ورود الدليل الخاص فيها، لكنه لا يوجد دليل خاص في جميع الموارد.
مثلاً لو رمی الشخص بنفسه في الماء مع أنه لا يعرف السباحة، وكان شخص آخر ممن يعرف السباحة موجوداً ويعلم بأنه يغرق إن لم ينقذه، فإذا شدّ ـ قبل أن يغرق الشخص الاول ـ يديه ورجليه بحبل مثلاً ـ يمنعه من إنقاذ الشخص الاول ـ، فإن عرف العقلاء يحكم عليه بالعصيان.
6ـ كيف يمكن التمييز بين شرط الواجب وشرط الوجوب؟
ج ـ إنَّ الموارد تختلف ولا بد معرفة ذلك من الدليل نفسه، وفي هذه المسألة أيضاً يأتي البحث المتقدم من أن الطاعة والمعصية تابع لعرف العقلاء.
7ـ ما هو حكم اطعام الصبي، المتنجس؟
ج ـ قال صاحب العروة: «يحرم شرب الماء النجس إلا في الضرورة، ويجوز سقيه للحيوانات، بل وللأطفال أيضاً، ويجوز بيعه مع الإعلام» (العروة الوثقی والتعليقات عليها، ج1، ص54، م10) وكما ذكرت في حاشية العروة إنَّ هذه المسألة ليست مطلقة بالنسبة للأطفال بل يجب اضافة قيد «مع عدم تضررهم به» إلی المسألة، فإذا كان شرب المتنجس ضرريّاً للأطفال فلا يجوز حينئذٍ سقيهم من ذلك الماء.
8ـ ما هو علة نصب كلمة «وَأَرْجُلَكُمْ» في آية الوضوء: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» (المائدة، 6) فكيف يكون ظاهر هذه الآية موافقاً لوضوء الشيعة؟
ج ـ لقد أمرنا النبي الأعظم صلی الله عليه وآله بالرجوع إلی كتاب الله وعترته الطاهرين عليهم السلام وقد شرح لنا أهل البيت عليهم السلام كيفية الوضوء فلا شك ولا خلاف ولا شبهة بين الشيعة في آية الوضوء وتبيينها، وقول العامة مخالف لظاهر الآية والروايات الواردة في تبيين الوضوء. ثم يجب أن يعلم في ارجاعه إلی الألفاظ المقدمة عليها، ان القاعدة هی رجوعها إلی الاقرب وكذا لو شك أنه يرجع الی المتصل أو المنفصل ففي هذه الحالة يرجع إلی المتصل. وما قيل من أنّ العطف علی اللفظ أفضل من العطف علی المحل ليس تاماً.
لقد عُطف «وَأَرْجُلَكُمْ» علی الاقرب وهو «بِرُءُوسِكُمْ» فهو منصوب بنزع الخافض، وعليه فإنَّ الظاهر من الآية هو مسح الرجلين لا غسلهما، بخلاف ما يراه العامة.
ثم إنَّ المستفاد من الروايات أن الباء الموجودة في لفظ «بِرُءُوسِكُمْ» إنما هي للتبعيض فقد ورد في كلام الامام عليه السلام في تبيين الآية الشريفة: «إِنَّ اَلْمَسْحَ بِبَعْضِ اَلرَّأْسِ لِمَكَانِ اَلْبَاءِ» (وسائل الشيعة، ج1، ص413، ح1073 وج3، ص364، ح3878).
9ـ إذا كان المكلّف جنباً ولا يوجد لديه ماء، وكان في المسجد ماء للغسل، فما هو وظيفته؟
ج ـ قال بعض الفقهاء يجب عليه التيمّم للدخول إلی المسجد ثم يستعمل الماء الموجود في المسجد للغسل، ولكن هذه المسألة ليست من المسائل المتسالم عليها ولم يقبل بعضهم هذا التيمم للدخول إلی المسجد بل ذهبوا إلی أن وظيفته هو وظيفة الفاقد للماء فعلاً فيجب عليه التيمم .
10ـ إن لم تتمكن المرأة من قضاء صومها لمدة سنة بسبب المرض، فما هو وظيفتها؟
ج ـ إن لم تتمكن من الاتيان بالقضاء إلی السنة القادمة فعليها الفدية فقط ويسقط القضاء عنها لأنَّ الفدية شرّعت لعدم القضاء ولا فرق بين كونها معذورة أو غير معذورة.
11ـ إذا اشتری المكلف شيئاً وقد اتفق هو مع البائع أن يسلّم المبلغ إليه خلال عشرة أيام ولكنّه تأخر إلی ثلاثة أشهر فما هو حكمه؟
ج ـ للبائع أن يفسخ هذا العقد وإن كان قد سلّم البضاعة للمشتري ولا يتمكن من استرجاعه جاز له أخذ الخسارة من المشتري.
12ـ اذا نكح الرجل، المرأة وهي في العدّة، فما هو حكم ذلك؟
ج ـ إن كان النكاح في العدّة حرمت عليه مؤبداً لورود الدليل الخاص في ذلك، وعلی الاحتياط الوجوبي تلحق به ذات الزوج ايضاً ويكون حراماً مؤبداً عليه.
13ـ اذا دلّ الاصل أو الأمارة علی طهارة الماء المشكوك، فما هو حكم الوضوء بذلك الماء؟
ج ـ اذا قام الاصل (وهو الاستصحاب) أو الأمارة (وهو قول الثقة) علی طهارة الماء المشكوك، فيكون طاهراً حينئذٍ ويجوز الغسل أو الوضوء به.
14ـ ما هو الملاك في الشيخ والشيخة لسقوط الصوم عنهما؟
ج ـ لم يكن الملاك فيهما سناً معيناً بل التعذر أو التعسر هو الملاك في عدم وجوب الصوم عليهما وقد ورد في دليل خاص وجوب الفدية عليهما عن كل يوم وإن لم يتمكنا من الاتيان بقضائه إلی السنة القادمة يجب عليهما فديتان عن كل يوم.
بعبارة أخری إذا كان الصوم حرجياً أو شاقاً عليهما، لا يجب الصوم عليهما ويجب عليهما دفع الفدية عن كل يوم. ومن هذا البيان يظهر أن الجامع المشترك بين الشيخ والشيخه هو تعذر أو تعسر الصوم لهما فإن لم يطيقا الصوم وجبت فدية عن كل يوم.
نعم ورد في اللغة أنَّ من بلغ 40 سنة يطلق عليه الشيخ لكن العرف لا يری ذلك وغالب المكلّفين قادرون علی الصوم في هذا العمر.