سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
التبليغ نصر في الدنيا ونعيم في الآخرة :
قال الله عزّ وجل في القرآن الحكيم: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(1).
التبليغ في سبيل الله ينتهي الى النصر بلا شك فهذا وعد الله تعالى لأنبيائه وللمؤمنين ولكن عبر مشاكل ومصحوباً بالحرمان وانواع من المآسي، ولكن النتيجة هي النصر. والآية الكريمة أعلاه من جملة آيات عديدة تؤكّد النصر للأنبياء وللمؤمنين (انا لننصرُ) فاللام لام القسم واختزال للقسم للتأكيد بمعنى انّ الله تعالى يقول (انّا وبالتأكيد ننصر رسلنا والذين آمنوا). فالله تعالى ينصر الرسل وكذلك ينصر المؤمنين بالرسل.
النصر يكون في الدنيا وفي الآخرة. ونصر الآخرة واضح، النعيم الدائم وفي البرزخ ثم الجنة التي هم فيها خالدون. وفي الدنيا هو انتصار الرسالة الالهية وانتصار الحكم الالهي وانتصار الشريعة الالهية التي يبلّغها الرسل ويبلّغها المؤمنين بالرسل (لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وهذا اكيد ولا اشكال فيه فهو وعد الله تعالى. وفي التواريخ شواهد كثيرة على ذلك وقبل التواريخ، فقد ذكر القرآن الحكيم شواهد انتصار الأنبياء وشواهد انتصار المؤمنين منتشرة في ثنايا الآيات الكريمات للقرآن الحكيم.
انتصار النبي صلى الله عليه وآله:
في طليعة الامثلة قصص رسول الله صلى الله عليه وآله. فبعد البعثة لقيّ صلى الله عليه وآله الكثير والكثير من المشاكل ومن المآسي من المشركين ومن الظالمين، ولكن بالنتيجة انتصر رسول الله صلى الله عليه وآله وانتصر دين الاسلام وهو اليوم منتشر في الارض ويتقدّم ويتقدّم ليحوي ويشمل كل القارات شيئاً فشيئاً، وكلما يمتدّ الزمان في المستقبل نرى انتصار رسول الله صلى الله عليه وآله، وانتشار الاسلام اكثر واكثر رغم ان هناك ممن اساؤوا الاستفادة من اسم الاسلام من امثال بني امية وبني العباس ولايزال شرذمة من اتباع بني امية وبني العباس يسيئون استعمال اسم الاسلام في المظالم حيث يظلمون العباد والبلاد ويهلكون الحرث والنسل باسم الاسلام، ولكن مع ذلك ناصعية الاسلام وبياض الاسلام وحقّانية الاسلام جعلت الاسلام يتقدّم من قرن الى قرن ومن سنة الى سنة اكثر واكثر ولكن عبر مشاكل ومآسي وعبر ابتلاءات.
مشاكل بالتبليغ:
في طليعة قصص رسول الله صلى الله عليه وآله قصّته في الطائف. فقد كان ابو طالب رضوان الله عليه يحمي رسول الله صلى الله عليه وآله مادام حيّاً، فلما مات ابو طالب ضيّق المشركون على رسول الله في مكّة المكرّمة اكثر من ذي قبل فقبل ذلك كانوا لايضيقون كثيراً لاحترام ابي طالب اما بعد موته رضوان الله عليه فقد اشتدّ تضييق المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله، فذهب رسول الله صلى الله عليه وآله الى الطائف وهي مدينة تبعد عن مكة قرابة مئة كيلو متر، وكان في الطائف عشيرة ثقيف فذهب رسول الله الى هناك لعله ينصره بني ثقيف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم اكثر من غيره انهم لا ينصرونه ولكن كانت مهمّته ان يعرض نفسه على ثقيف فيختبر الله تعالى ثقيف بسوء معاملتهم مع رسول الله. فذهب الى الطائف وطلب من ثقيف أن يأووه وينصروه لكن ثقيف بدل ان يأووه وينصروه عادوه وآذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وطردوه من الطائف وكان صلى الله عليه وآله حينما يخرج من الطائف كانوا يرمونه بالحصيات حتى سالت الدماء من قدميه الكريمتين. وخارج الطائف كان هناك بستان لبعض المشركين فجلس رسول الله على الارض فرقّ المشركين لحال رسول الله فكان في بستانهم عنب فجعل بعض من العنب في طبق وعلى يد عبد اسمه عدّاس وكان نصرانياً من اهل العراق بعثوا مقدار من العنب الى رسول الله صلى الله عليه وآله فحمل رسول الله بعض حبّات من العنب واراد ان يضعها في فمه المبارك فقال (بسم الله) فتعجّب عداس من رسول الله وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله: ماهذا الكلام الذي قلته؟ فذكر رسول الله لعداس ان هذا اسم الله ابتدأ به قبل الاكل. وكان المشركون الذين بعثوا العنب مع عداس قد اوصوه ان يضع العنب امام رسول الله ويرجع بسرعة حتى لا يسمع لكلام رسول الله ويؤمن به. فسأل رسول الله عداس من اين انت؟ فقال: من نينوى أي الموصل في هذا الزمان، وكانت الموصل المدينة التي بعث الله تعالى اليهم النبي يونس (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، حيث قال الله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(2) كما يقول القرآن الكريم ويتحدّث عن نبي الله يونس. فقال عداس: من اين تعرف يونس؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ذاك اخي نبي من انبياء الله، وقال لعداس انا رسول من الله. وبعد ذلك قفل رسول الله راجعاً الى مكة حيث مجمع المشركين والظالمين لرسول الله منذ اكثر من عشرة سنوات منذ ابتداء البعثة الى ذلك الزمان وكابد النبي صلى الله عليه وآله المشاكل الكثيرة من المشركين في مكة المكرمة وفي الطائف وفي شِعب ابي طالب في الليل والنهار وفي كل وقت حتى هاجرصلى الله عليه وآله الى المدينة المنوّرة.
النصر الإلهي بالمدينة :
انتصر رسول الله صلى الله عليه وآله ونصره الله تعالى وهو في المدينة المنوّرة وآمن به الالوف والالوف وعشرات الالوف ومئات الالوف من انواع واقسام الكفار والنصارى واليهود. فالنصر الالهي اكيد للجميع كما للانبياء كذلك للمؤمنين.
وعلى المؤمنين التبليغ:
على المؤمنين في هذا الزمان خصوصاً الذين يعيشون في بلاد غير الاسلام ان يبلّغوا للاسلام ويبلّغوا لرسول الله صلى الله عليه وآله ويبلّغوا للقرآن الكريم في كل مكان وفي كل مناسبة ويتحملوا المشاكل. فالماشكل اليوم اقل بالتبليغ واقل بكثير من التي قاساها الانبياء وقاساها رسول الاسلام صلى الله عليه وآله من انواع المعاناة المختلفة. ولا عذر للمؤمنين والمؤمنات في هذا الزمان اذا لم يبلّغوا للاسلام وللقرآن ولرسول الله وللعترة الطاهرة الذين اوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فلا عذر لأحد اذا لم يبلّغ بمقدار مايمكنه، وهذا التبليغ بالنتيجة ينتهي الى الانتصار وتقدّم الاسلام اكثر واكثر.
للمبلغين في كل الارض :
انني اوصي الجميع خصوصاً اصحاب الهيئات واصحاب الحسينات واصحاب المساجد واصحاب المؤسسات المختلفة وخصوصاً في البلاد غير الاسلامية، بأن يشمّروا عن سواعدهم ويكثّفوا جهودهم ويبلّغوا للاسلام فرادى ومجتمعين وفي هيئات وفي مجتمعات وفي ندوات حتى ينتصر الاسلام الذي هو الدين الذي يضمن للدنيا ولأهلها جميعاً انواع الرفاه والراحة والخير في الدنيا والآخرة .
المصدر:
1.سورة غافر الآية 51.
2.سورة الصافات الآية 147.