LOGIN
المقالات
alshirazi.org
زيارة الأربعين .. أعلى مُثُل وأنبل قِيَم
رمز 1101
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 17 صفر الأحزان 1445 - 3 سبتمبر 2023

موقع الإمام الشيرازي

"في زيارة الأربعين المليونية المباركة، زوّار الإمام الحسين (عليه السلام) يُدخلون السرور على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقلوب أهل البيت (عليهم السلام)، ويُسعدون فاطمة الزهراء (عليه السلام)، فالأحرى والأحرى أن تتكاتف جهود الجميع، حكومات وشعوب، في تأمين وسائل الراحة لهم." سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

----------------------

إبان كان العراق تحت سلطة الطغيان، كان السائرون على الأقدام، من زوار أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، يتنقلون من قرية إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى، متخفين من عصابات نظام الطاغية التي كانت تلقي القبض على الزوار، وتزجهم في سجون التعذيب، ومنهم من يكون طريقه إلى الإعدام، بعد محاكمات صورية.حتى تغير الحال، بأن منَّ الله تعالى بخلاص العراق من نظام إجرامي، قتل وهتك وفتك ودمر وخرب.

وبعد التغيير الكبير والتاريخي، الذي حدث في العراق، في العام 2003م، أخذ العالم يشهد حدثاً فريداً بامتياز، حيث يتجمع ملايين الناس، في مدينة كربلاء المقدسة، لإحياء ذكرى أربعينية الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

الحشد البشري المبهر جعل زيارة الأربعين حدثاً لافتاً لأنظار الناس، في شتى أنحاء الأرض، فلم يذكر التاريخ أن يدفع الحب أتباع إمام أو قائد لقطع مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام، مستصحبين معهم الأهل والعيال لزيارة ضريح سيدهم المقتول، فيتركون تجارتهم، ويتقوون على علل أجسادهم، ويغالبون همومهم، ويصارعون الحر القارض والبرد القارص والأمطار، ويبذلون الأموال، وغير آبهين بالإرهاب التكفيري الذي قتل وجرح الآلاف، على طريق زيارة الأربعين.

وعبر تاريخ طويل، فإن الكثير من المؤمنين والمؤمنات قُتلوا على طريق الحسين (عليه السلام)، وخصوصاً في زمن طغاة بني أمية وبني العباس، فلمدة قرن، كان القتل والتعذيب والسجن ومصادرة الأموال والأملاك، مصير كل من يشترك بعزاء الحسين (عليه السلام)، أو من يذهب إلى زيارته، بل حتى مَنْ كان يسمي ولده حسيناً، كان يتعرّض للسجن والقتل.

ومع كل هذه المظالم، التي تعرض لها زوار الإمام الحسين (عليه السلام) ومحبو أهل البيت (عليهم السلام)، لم يَنْهَ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) شيعتهم ومحبيهم عن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل كانوا(عليهم السلام) يقرون ذلك، ويدعون الله في صلواتهم وسجودهم، ليمن بالرحمة والجزاء الجميل والأجر العظيم على زائري سيد الشهداء (عليه السلام).

وقد حرص الشيعة على ذلك، فكانت أعداد الزائرين تتزايد، وفي السنوات العشر الأخيرة تزايدت أكثر وأكثر، رغم الأعمال الإرهابية الفظيعة، ولقد حدث مراراً وتكراراً، أن الزوار الذين كانوا قد أنهوا زيارة الأربعين، وهم في طريق عودتهم إلى مدنهم وبيوتهم، حينما يسمعون بوقوع انفجار استهدف الزوار، يعودون مجدداً لزيارة مدينة كربلاء، تحدياً منهم وتأكيداً لثباتهم على حب سيد الشهداء (عليه السلام).

اليوم، الزيارة الأربعينية مسيرة مليونية لا نظير لها في العالم، وإن شاء الله تعالى، ستزداد يوماً بعد يوم علوّاً وحضوراً، كما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): "وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلا علوّاً" (بحار الأنوار. العلامة المجلسي، ج28، ص57).

لذلك، ولغرض استيعاب معطيات ومستلزمات زيارة الأربعين، لابد من عمل أكبر وأكبر في إطار أكثر وأكثر تنظيماً، يشرف على إدارته نخبة من علماء دين، ومتخصصين في علوم المجتمع والإدارة والإعلام والطب والبيئة، مع مشاركة خبراء في مجال الأمن والسياحة.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، في الزيارة الأربعينية للعام 1438هـ، كان قد أصدر بياناً قال، في جانب منه، أن "زوّار الإمام الحسين عليه السلام، في كل المناسبات وخاصّة في الزيارة الأربعينية المقدّسة، هم في قمّة القدس والشموخ عند الله تعالى، وعند رسول الله، وعند العترة الطاهرة عليه وعليهم السلام .. فالأحرى والأحرى أن تتكاتف الجهود من الجميع، حكومات وشعوب، في تأمين كل وسائل الراحة لهم."

وأكد (دام ظله) أن "الشعب العراقي الكريم، في هذا العصر، ضرب أعلى المثل والقيم النبيلة في التضحية والفداء، من أجل تأمين حاجات الزوّار الكرام، بكل ما أمكنهم من طاقات، وباسترخاص كل شيء، حتى ببيع ممتلكاتهم ودورهم ومحلاّتهم وسياراتهم، لتوفير حاجات الزوّار، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء."

لكن الزيارة الأربعينية العالمية، بتفاصيلها المتعددة ومجالاتها الواسعة، مازالت تحتاج إلى تخطيط استراتيجي لإنجاز الزيارات القادمة بشكل أفضل، من خلال اتخاذ قرارات تُعنى بالحاضر ومشاكله، وتستشرف المستقبل ومتطلباته، وأول ذلك التفكير الدقيق الذي يسبق التنفيذ الدقيق، ثم التعبئة وتوجيه الموارد والطاقات والقوى البشرية لإنجاز الأهداف المرسومة، وفي فترة زمنيّة محددة، لتحقيق أقصى منفعة بأقل التكاليف، وهذا لا يكون بخطوة واحدة بل بخطوات، ولا يكون برأي واحد، وإنما برأي علماء وخبراء، فإن زوار الأربعين مازالوا يعانون من أمور كثيرة، من الممكن حلها، لو توفرت إرادة الإنجاز، وتوفر التخطيط السليم، وتحسن الأداء.