LOGIN
المقالات
alshirazi.org
أصحاب الحجر نموذجاً... فرص الإصلاح بجهود استثنائية
رمز 47
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 مارس 2012
شبكة النبأ: حينما وطأ الإنسان الأرض، لم يتركه الله تعالى حائراً تائهاً في عالمه الجديد الغامض الذي لم يعرف عنه شيئاً، بل ساعده على تحصيل المعرفة من خلال إرسال الأنباء بصورة متتالية إلى أقوام الأرض المتعددة، ولأن الإنسان ينطوي في تركيبته النفسية على الكثير من المزالق والمهلكات، فإنه يحتاج إلى النصح والإرشاد بصورة دائمة.
من هم أصحاب الحجر
وقد قامت الأديان السماوية المتتابعة بهذا الدور الضخم، ألا وهو دور إصلاح البشرية وتقويم أنشطتها وضبطها وفقاً لتعاليم سماوية بالغة الدقة، وكان الاسلوب القصصي التوجيهي هو الغالب في النصوص القرآنية الشريفة، كما نقرأ ذلك في قصحة (أصحاب الحجر) التي وظّفها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في إحدى محاضراته الدينية التوجيهية القيّمة، منوّهاً عن معلومات تتعلّق بؤلاء القوم ونبيهم الذي أرسله الله تعالى لهم باعثاّ للمعرفة وناشراّ لها بين أوساطهم، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (أصحاب الحجر هم قوم النبي صالح عليه السلام، وهو مدفون مع النبي هود عليه السلام، حيث مدفن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، في وادي السلام في النجف الأشرف. ويستحبّ زيارتهما بعد الفراغ من زيارة أمير المؤمنين سلام الله عليه كما يستحبّ زيارة آدم ونوح عليهما السلام؛ فهما مدفونان هنالك أيضاً. أمّا الحجر فهو اسم المنطقة التي بُعث فيها النبي صالح عليه السلام لهداية أهلها، فسُمّوا بها. ولم يكن صالح أوّل نبي يكذّبونه فلقد كذّبوا أنبياء آخرين سبقوه بعثهم الله إليهم قبل صالح عليه السلام؛ وكان هؤلاء الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم مشفوعين بالآيات والمعجزات التي تثبت كونهم مبعوثين من قِبل الله تعالى؛ ولكن ذلك لم ينفع مع أصحاب الحجر وكانوا ـ كما أخبر الله تعالى عنهم ـ معرِضين عن تلك الآيات والدلالات!).
إذن من طبيعة الإنسان التردّد والمماطلة في قبول الجديد حتى لو كان صحيحاّ، الأمر الذي يتطلّب جهوداً كثيرة ومتواصلة تحثّ الإنسان على ولوج طريق الإصلاح والسير وفق منهجه، وعلى المعنيين بصلح الإنسان أن لا يكلّوا ولا يملّوا من أعمال النصح والتوجيه حتى لو فشلوا مراراً وتكراراً في مهامهم الإصلاحية، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد لبث صالح عليه السلام فيهم ـ كما في الروايات الواردة عن المعصومين صلوات الله عليهم ـ يدعوهم إلى الله مدّة مئة وستّ عشرة سنة، لم يؤمن به خلالها أكثر من سبعين منهم أي بمعدّل أقل من شخص واحد خلال كلّ سنة! وفي هذا دلالة على أنّنا ينبغي أن لا نتعب أو نملّ ونضجر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كانت الاستجابة قليلة والتأثير بسيطاً).
الإصرار على الإصلاح
لذا ينبغي تبيين الأمر الصحيح من الخاطئ بخطاب صحيح وبسيط ومقنع في آن واحد، بمعنى يجب أن يفهمه المتلّقي ويقتنع به حتى يعمل بما يريده من توجيه، حيث أكد سماحة المرجع الشيرازي على ضرورة الفهم والإقناع قائلاً في هذا الصدد: (لا يكون الإعراض إلاّ بعد أن يتبيّن الأمر، ولذلك نرى القرآن الكريم يذكره بعد ذكر إيتاء الآيات والبينات. فإنّ مَن لا يعلم أنّ الحجّ واجب عليه ولا يحجّ لا يسمّى معرضاً. أمّا مَن علم بوجوب الحجّ عليه ولم يحجّ مع ذلك يقال إنّه أعرض عن الحجّ. وهكذا الحال مع أصحاب الحجر فإنّهم استمرّوا في تكذيب أنبياء الله حتى بعد نزول الآيات ومشاهدة المعجزات، أي أنّهم أعرضوا عن الآيات).
ومع أن المعجزات غالباً ما تدعم ما يدعو له الأنبياء من مناهج ومسارات إصلاحية، إلا أن الأقوام غالباً ما كانوا يكذّبون أنبياءهم، حتى مع رؤيتهم للمعاجز الكثيرة والكبيرة، ومنها ناقة صالح كما يقول سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته هذه: إن (أعظم آية ومعجزة للنبي صالح عليه السلام هي الناقة. فقد طالبه جماعة من قومه أن يُخرج لهم ناقة من بطن الجبل ليتبيّن لهم صدق دعواه؛ فإنّه إن كان نبيّاً استجاب الله دعوته. ولم يردّ صالح عليه السلام طلبهم فتوجّه إلى الله تعالى وسأله ذلك، فخرج صوت رهيب من الجبل وانشقّ إلى نصفين ثم خرجت ناقة عظيمة قيل إنّها كانت تعادل في ضخامتها عشرات النوق؛ يتبعها فصيلها. وهذا ليس بعزيز على الله، فلقد خلق آدم وحواء من قبل من دون أبوين، وخلق عيسى من أمّ فقط. يقول الله تعالى: إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون).
صعوبة إقناع المعاندين
لقد تجسّدت معجزة النبي صالح عليه السلام بوضوح كبير وواقعي في ناقته، أمام القوم، لكنهم مع ذلك لم يقبلوا بمنهج الإصلاح لأنه لا يتفق مع طبيعة حياتهم آنذاك، وهذا يدل على أن الإصلاح يتطلّب جهوداً مضنية وكبيرة يتقدّمها الإصرار والصبر حتى تحقيق الغاية المطلوبة وهي إصلاح الناس، يقول سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته: (كانت الناقة وبراء جميلة تسير بسيرة الإنسان العاقل الحكيم الذي لا يؤذي أحداً. فكانت لا تؤذي شخصاً ولا حيواناً ولا زرعاً ولا شيئاً، كالإنسان المؤمن الحكيم. وكانت تأكل من حشائش الأرض حتى إذا وصلت زرع الناس لم تنل منه حتى بمقدار حبّة، وكانت لا تطأ في سيرها زرع أحد أو إنساناً أو حيواناً أو حشرة رغم ضخامتها بل كانت تتحاشى ذلك في مشيها وسيرها؛ وكانت الحيوانات الأخرى تخشاها بقدرة الله تعالى. وهكذا كانت إعجازية في كلّ شيء، وليس في وجودها وخلقتها فقط. فلقد كانت تشرب في اليوم الواحد ماء القرية بأكمله، أي الماء الذي يشرب منه مئة ألف إنسان مثلاً، وتدع اليوم الذي يليه لأهل القرية يشربون منه. فكان لها شرب ولهم شرب يوم معلوم كما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالى: قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) ومع ذلك (أعرض أصحاب الحجر عن الآيات كلّها وقرّروا قتل الناقة بزعم أنّها تحرمهم من الماء يوماً كاملاً، مع أنّهم كانوا يستفيدون حليباً! ولكنّه الطغيان ـ والعياذ بالله ـ!).
إن هذه القصة القرآنية الشريفة تريد أن تؤكد على أهمية عدم التراجع عن إتمام منظومة الإصلاح ونشرها كمنهج فكري سلوكي في المجتمع، حتى لو تكرّر الفشل لأي سبب كان، لأن الإصلاح بحد ذاته عملية بالغة الصعوبة وتحتاج إلى آليات عمل تتمثل بالإصرار والتواصل في منهج يقوم على الوضوح والسهولة والاقناع، وهي أمور يحتاجها المسلمون في عالم اليوم أكثر من أي وقت مضى، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته بهذا الخصوص: (هنا أخبرهم نبيهم عليه السلام أنّ الله سين‍زل عليهم العذاب بعد ثلاثة أيام، تصفرّ وجوههم في اليوم الأوّل، وتحمرّ في اليوم الثاني، وتسودّ في اليوم الثالث! ثمّ ينزل عليهم العذاب إن لم يرجعوا حتى ذلك الحين! سبحان الله! وما أعظم رحمته! فمع أنّ هؤلاء القوم كذّبوا المرسَلين واستمرّوا في تكذيبهم حتى بعد نزول الآيات، يمهلهم الله تعالى ثلاثة أيام عسى أن يتوبوا فيعفو عنهم ويقبلهم).