LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الشيعة في العالم وآفاق القوّة الناعمة
رمز 144
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 9 يوليو 2013
محمد علي جواد تقي

شبكة النبأ: تتابع وتسارع وتيرة الأحداث على بعض البلاد الإسلامية، على شاكلة مصر والعراق وسوريا وأفغانستان، جعلت الطابع السياسي سيّد الموقف، بل هو عنوان التطوّرات والمستجدّات في ميادين الاعتصام وشوارع الاحتجاج، في غياب الطابع العقائدي، رغم انه المحرّك الأساس لتلكم التحرّكات الجماهيرية، كما هي مصدر نشوء الأفكار وبلورتها على شكل ثقافات وسلوك ومواقف.. لذا نجد ان (الإسلام)، كمفردة في وسائل الإعلام التي تنقل لنا أخبار التطوّرات في منطقتنا الملتهبة، لا يكون إلاّ في إطار (التطرّف) و(الإرهاب)، و(الجماعات المسلّحة المختصّة بالذبح والسحل والتمثيل بالجثث)، وفي أحسن الحالات، نسمع عن (الإسلام السياسي)، وحتى هذا المصطلح، بات مشكوكاً في مستقبله في نظر بعض السياسيين الذين يصرّون على ترويج المآلات السلبية لهذا المفهوم في بعض البلاد، ومنها مصر.

في مقابل هذا الإصرار، الذي تقف خلفه أطراف إقليمية ودولية، هنالك إصرار على ثقافة السلم، وليس الحرب، والتعايش وليس التكفير، والودّ وليس الكراهية، ومن ثم منطق الحقّ والعقل، وليس منطق الباطل والتعصّب. والملاحظ على تضاريس الساحة، أن التوجّه الأول قدّم ما لديه من تجارب ونماذج للعالم في أوقات مختلفة، بدءاً من أفغانستان، ثم العراق وسوريا والبحرين، والآن في مصر، حيث مشاهد الدماء والأشلاء في كل مكان، وبما ان هؤلاء يحرصون أن يكونوا الوحيدين في الساحة، فإنّهم وجدوا في شنّ حرب إبادة ضد الطرف المقابل، من أولويات مسيرتهم. فإذا نشهد، ويشهد العالم الهجمات الشرسة التي يشنّها التكفيريون والسلفيون والوهابيون على الشيعة والتشيّع، فمردّ ذلك إلى الخوف الشديد الذي يعتريهم من آفاق المرحلة، ما يحمله الفكر الشيعي من أسلحة أمضّ وأشدّ مما لديهم من وسائل المواجهة الجاهلية، التي أثبت التاريخ فشلها.

التشيّع هو الأقوى
وفي حديث له أمام ثلّة من علماء الدين والخطباء، يضيئ لنا سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, نقطة هامة بقوله: (أن الشيعة اليوم هم قطب قويّ من أقطاب القوى بالعالم، بل إنهم الأقوى (كيفية) على وجه المعمورة، فعليهم أن يكونوا الأقوى بالفعل أيضاً، فالشيعة إذا فعّلوا قوّتهم، فسينعم العالم كلّه بالحياة، وينجو من المظالم المدمّرة).

لكن ما هي هذه القوة يا ترى..؟

قدّم المفكر السياسي الأمريكي جوزيف ناي نظرية (القوّة الناعمة) لبلاده فيما كانت تستعد لشنّ أكبر وأضخم عمليات عسكرية خارج حدود أمريكا منذ حرب فيتنام، وهي ما عُرف بـ(حرب تحرير الكويت)، ثم أصدر كتابه: (القوّة الناعمة.. وسيلة النجاح في السياسة الدولية)، عام 2004، ولم يكن (ناي) مجرّد مفكّرٍ أو محلّل سياسي، فهو عميد كلية كيندي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، وشغل منصب رئيس مجلس المخابرات الوطني ومساعد وزير الدفاع في أميركا.

يعرّف المفكر الأمريكي نظريته بأنها: (القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال..)، بمعنى أن هنالك وسائل للتأثير غير القوّة الصلبة المكوّنة من العتاد العسكري والثراء الاقتصادي واستعمالهما بالتهديد، أو بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات. فأن (تمتلك قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلّعون إلى ما تقوم به فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك).

ويشير المؤلّف، إلى وسائل وأشكال عديدة من هذه القوة الجديدة، بدءاً من سلسلة مطاعم (ماكدونالدز)، ومروراً بـ(هوليود)، وليس انتهاءً بمقاعد الدراسة الجامعية للطلبة من المسلمين في أمريكا.. وغيرها كثير من شأنها ـ حسب القوة الناعمة ـ أن تخترق الصفوف وتصل إلى عمق الواقع الإسلامي، وتشيد صروحاً جديدة على أنقاض ما هدمته الجماعات التكفيرية والدموية، مادياً ومعنوياً. وهذا ربما يكتب له النجاح، إذا غاب عن الساحة الفكر الشيعي المتصل بجذور الحضارة الإسلامية التي شيّدها وأرسى دعائمها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وسار على أثرها الإمام أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من بعده عليهم السلام.

مميّزات قوّة التشيّع
لقد فشلت الجماعات التكفيرية والطائفية ومن يقف خلفها، وبشكل ذريع، في جرّ الشيعة في العالم إلى ساحة الإرهاب الطائفي، والتعامل بالمثل، فقد بقي القتل والسحل والتمثيل بالجثث وتشريد الأبرياء، من اختصاص تلكم الجماعات، لا غيرها، وهذا ما ثبت وتأكّد للعالم الغربي، وللعالم بأسره، بمعنى أن العالم ينتظر النموذج الآخر للإسلام الذي يحمل بشائر السلم والتعايش والاستقرار، ليس في منطقتنا الملتهبة وحسب، إنما لجميع أنحاء العالم.

إذا أردنا استشراف آفاق (القوة الناعمة) للتشيّع في المستقبل، علينا تسليط الضوء على أهم مميزات الفكر الشيعي عن الآخر, إن كان له فكر طبعاً:

أولاً: البناء والإصلاح.. بينما نلاحظ الهدم في مقومات حياة الإنسان وتحريف مبادئه وقيمه وحتى إنسانيته. لنطالع المشاهد المريعة في سوريا، وقبلها في أفغانستان وبلاد أخرى. في المقابل يلاحظ العالم، الأعداد المتزايدة للعلماء والمبدعين والباحثين من الشيعة في العالم، لاسيما المغتربين والهاربين من جحيم الحروب والسياسات القمعية للأنظمة الجائرة. كل هؤلاء اليوم يعدّون عوامل بناء وتقدّم في البلاد الغربية، باعتراف وإقرار العديد من الباحثين والمراقبين الغربيين، سواء في أوروبا أو الولايات المتّحدة وكندا.

ثانياً: السلم.. انه الخيار الاستراتيجي في الفكر الشيعي، ليس الآن، إنما منذ فجر الإسلام، وهو ما جعل يُسقط في أيدي الأعداء والمناوئين والمعارضين، ويدفع الشعوب لأن تعلن براءتها من الحرب والكراهية والعداء، ولو بعد حين، ويذعنون للدين الحقّ، الذي يضمن لهم السلام والاستقرار. فلا مثال واحد، أو حالة واحدة في التاريخ، ثبت أن الشيعة بدأوا الحرب والمواجهة العنيفة مع أعدائهم، وإن كانت ثمة مواجهة، فهي للدفاع عن النفس في أقصى الحالات، مع الأخذ بعين الاعتبار الحيطة والحذر من انعكاس آثار المواجهة العسكرية على البنية التحتية للمجتمع والدولة، وعلى الوضع النفسي والاقتصادي والاجتماعي. فلا دروع بشرية، ولا الاحتماء بالمباني أو المزارع وغابات الأشجار المثمرة.

ثالثاً: التعايش السلمي.. وأبرز دليل على هذه النقطة، الوجود الشيعي في العالم الغربي، بل في جميع أنحاء العالم، وما يتركه من آثار طيّبة على النفوس، رغم التفاوت والاختلاف في العقيدة والسلوك. حتى الطقوس الدينية، مثل مراسيم إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، نجد انها مفتوحة للمشاركة العامة، سواء من المسيحيين أو اليهود أو البوذيين، أو سائر المذاهب والأديان. وهذا ما جعل قوة الانجذاب إلى التشيّع تزداد يوماً بعد آخر في العالم، بما لا يحظى به أيّ مذهب أو دين آخر.

مسؤولية الشيعة
هذه الميزات بحاجة إلى صقل وإثراء من لدن المعنييّن بأمر الفكر والثقافة في الساحة الإسلامية، لاسيما من رجال الحوزة العلمية والخطباء والكتّاب وأصحاب الرساميل، بأن يتوجّهوا في صفٍّ واحد في تحكيم وتكريس هذه المميزات في الواقع العملي، وإخراجه من الحيّز النظري، لذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته بتفعيل الإعلام المرأي، كونه الوسيلة الأكثر تأثيراً على العقول والأذهان، والأكثر انتشاراً، ونوّه إلى وجود عدد من الفضائيات الشيعية، لكنه استدرك بالقول: (إنّها غير كافية)، فهناك المئات من القنوات الفضائية التي تضخ يومياً وعلى مدى الساعة، الأفكار المحرّفة والمغالطات والحقائق المشوّهة. وليس أدلّ على فضائيات دعمت ووقفت بقوة خلف الجماعات التكفيرية والدموية في العراق وسوريا، في مقدمتها (الجزيرة)، وها هي تنظر بأمّ عينيها كيف أن خيار العنف والدموية يتراجع أمام خيار السلم والبناء والحوار. فذهبت ملايين الدولارات التي أنفقتها على تقارير من وسط الجماعات الإرهابية وسوح القتال لعناصر (القاعدة) في العراق، و(جيش النصرة) في سوريا وقبل ذلك في أفغانستان، أدراج الرياح. لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي دام ظله, إلى المزيد من العطاء والدعم لافتتاح قنوات فضائية جديدة، وتقوية ما موجود بالكفاءات والإمكانيات المادية والمعنوية والفكرية، لتكون البديل الأحسن والأنصع للإسلام في العالم.

من هنا نفهم؛ أن الخطاب الإعلامي الملتزم بالقيم والمبادئ، ليس فكرة واقتراح، إنما هو استحقاق أكيد، ومسؤولية حضارية ودينية على أرض الواقع.. فمشاهد السحل والقتل والإبادة الجماعية ضدّ الشيعة التي يستنكرها المرجع الشيرازي وسائر مراجع الدين، هي بالحقيقة نتاج الفراغ الفكري والثقافي الذي يخلّفه الإعلام وسائر وسائل النشر لنقل الحقّ والحقيقة إلى العالم، لاسيما العالم الإسلامي، ليتبيّن من هو على هدى، ومن هو في ضلال مبين.