شبكة النبأ: (للشهوات أثرها السلبي على الإنسان وكذلك الشياطين وأصدقاء السوء) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يصف كثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة هذه الحياة التي يعيشها الإنسان، بأنها متاهة، وأن الإنسان يحتاج إلى عناصر داعمة وقوية لكي يتمكن من اكتشاف الطرق الصحيحة التي تقوده إلى الصواب في الدنيا، ويرى العلماء والفلاسفة المصلحون بأن الإيمان من أهم عناصر الدعم للإنسان كي يكون سويّا قويا مؤمنا ومعافى من الناحية النفسية.
فالسلامة النفسية أيضا من العناصر المهم التي تنتشل الإنسان من متاهة الحياة، وهذا النوع من السلامة لا يمكن تحقيقه إلا بصنع الإيمان الذاتي، أي أن يصنع الإنسان إيمانه بنفسه، حتى يتمكن من تحصيل السلامة النفسية التي تساعده على تكوين رؤية أفضل تقوده في مسالك ودروب الاستقامة في حياته.
إننا نركز هنا على السلامة النفسية، حتى يتخلص الإنسان من حالات الجنون التي تتربص به، فإذا اختلّ عقل الإنسان وضاع في متاهات الدنيا، فإن السبب الأول في ذلك أنه لم يستطع أن يصنع الإيمان اللازم الذي ينقذه من حالة التيه والضياع، ولذلك في حال تمكن الإنسان من صنع إيمانه القوي بإرادة ذاتية قوية، فإنه سوف يحمي نفسه من الانحدار والخضوع للأمراض النفسية الفتاكة.
من هنا فإن كل إنسان مؤمن يكون محصّنا من الضياع ومن التيه في الدروب الغريبة للحياة، كما أنه سوف يتمتع بسلامة نفسية عالية وتوازن فكري وعقائدي وسلوكي مستقر، بسبب صناعته للإيمان بنفسه، وأول ركيزة لتحقيق هذا الهدف الكبير هي محاسبة النفس، لهذا نجد الإنسان المؤمن في مأمنٍ تام من التفكير بالانتحار كونه سليم نفسيا.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(إذا سنحت لكم الفرصة قوموا بزيارة لمستشفيات الأمراض العقلية؛ هل ترون فيهم مؤمناً حقاً؟ راجعوا التاريخ هل تجدون بين المنتحرين مؤمناً حقيقياً؟ وليس المقصود بالمؤمن من يصلي ويصوم فقط بل: الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون).
من خطوات صنع الإيمان
لهذا من أهم ما يجب على الإنسان أن يضعه في الحسبان هو صناعة الإيمان، أي أن يجعل من نفسه إنسانا مؤمنا، وهو قادر على ذلك في حال سعى نحو هذا الهدف بجدية ودراية وذكاء، نعم يتطلب هذا الهدف (صنع الإيمان) أن يكون الإنسان ذكيا في استخدامه لقدراته الفكرية والنفسية والدينية وسواها، لأنه هو المسؤول الأول عن سلامة نفسه، وعن أهمية العيش بسلام وتصالح تام مع النفس ومع الآخرين في هذه الحياة.
من خطوات صناعة الإيمان القوي عند الإنسان هي الخطوة الأهم وكما ذكرنا ذلك سابقا، وهي تتمثل بمراقبة الإنسان لأقواله وأفكاره وعقائده التي ستنعكس حتما على سلوكياته وأفعاله، فإذا كان سليما من الناحية الفكرية والعقائدية سوف يكون سليما وناجحا من الناحية السلوكية، مما يجعل منه إنسان ناجحا بسبب الاستقرار النفسي الذي يتحلى به.
وهذا كله مصدره الإيمان الحقيقي، لأن الإيمان ليس لفظة واحدة، أو كلمة واحدة نرددها على ألسنتنا أو فيما بيننا وفي جلساتنا الخاصة أو العامة، وإنما الإيمان يشكل الجوهر الحقيقي للإنسان، ولهذا يجب أن يسعى بكل قدراته وبكل ما يمتلك من مقومات معنوية وفكرية ومادية لصنع إيمانه العالي، فكلما كان إيمان الإنسان قويا، كان أكثر قدرة من غيره على التوازن والاستقرار والنجاح في حياته والانطلاق منها نحو آخرة مضمونة النجاح.
من هنا لا يمكن أن نعثر في المصحات النفسية على إنسان مؤمن، لأن الإيمان يحميه من المشاكل النفسية، وبالتالي لا يمكن أن يتعرض لأي اهتزاز أو اختلال نفسي بسبب قوة إيمانه التي صنعها بجهود ذاتية، من خلال مراقبة ومحاسبة النفس وتقويمها، والسيطرة عليها، وهذا كله يستبعد أن يكون المؤمن أحد نزلاء المصحات النفسية.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يشير إلى هذه النقطة بقوة و وضوح فيقول:
(إنك قد تجد من بين مرضى المصحات العقلية الشاب القوي والمرأة الجميلة، والوزير والرئيس والمليونير، ولكن لا تجد فيهم مؤمناً واحداً؛ وذلك لأن المؤمن لا يتحطم إلى تلك الدرجة؛ فما أعظم قيمة الإيمان! وهذا بحد ذاته إحدى ثمرات التربية العملية والدعوة العملية التي نتحدث عنها).
حماية الإنسان من الاختلال النفسي
هناك بالطبع من لا تعنيه قضية الإيمان الحقيقي، وهذا النوع من الناس يعدّ من المخربين الذين لا يفكرون بحماية أنفسهم من مشاكل الاختلال النفسي كنتيجة حتمية لفقدان الإيمان، لأن هذا النوع من الناس لا يعنيه الإيمان مطلقا، وما يعنيه هو القضايا والمكاسب الدنيوية السريعة، تلك التي يكسبها الإنسان سريعا ويفقدها سريعا، لهذا هو يبحث عن استقراره النفسي في هذا النوع من الكسب السريع.
هذا النوع من البشر لا يفكر بالإيمان، بل قد لا يتذكره مطلقا، لأنه غاطس في ملذات الدنيا، لدرجة أنها تعميه عن رؤية الإيمان، وتجعله عاجزا عن مراقبة نفسه أو محاسبتها، ولكن يجب أن يكون هذا النوع من الناس هم الأقلية، من خلال الإكثار من الناس المصلحين وليس المخربين، اهتداءً بالرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وبأئمة أهل البيت عليهم السلام، علينا أن نسعى لإصلاح من خربه المخربون.
أما كيف يتم ذلك فيمكن جدا من خلال الحرص على أن نصنع إيماننا ونقويه وندعمه بالمراقبة اليومية والمحاسبة المستمرة للنفس.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، ينبّه على هذه القضية بشكل دائم، ويحث على أهمية معالجة التخريب بالإصلاح، طالما أننا لدينا النموذج الأفضل والأسوة الحسنة، فيقول سماحته:.
(فلنسع لأن نصلح ما خرّب غيرنا. ونقول للناس: إن النبي والأئمة سلام الله عليهم كانوا صلحاء ومصلحين، فلا تتأثروا بما يصدر عن غيرهم).
أما في حال انشغال الإنسان بالدنيا وتفاصيلها المغرية، فإنه سوف يبقى في دائرة الضياع المغلقة، ولا يمكنه الخروج منها بسبب ضعف إيمانه، أما إذا أراد العكس، فإن صناعة الإيمان يمكن أن تبدأ بطريقة سهلة و واضحة وهي متابعة ومراقبة النفس بشكل يومي، ومن ثم محاسبتها في أوقات مناسبة تسمح بالتركيز والتأمل، ومن ثم بلوغ النتائج المثمرة لهذا النوع من المراقبة التي تسهم بشكل فعال في صناعة الإيمان وهو الهدف الأهم في حياة الإنسان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(للشهوات أثرها السلبي وكذلك الشياطين وأصدقاء السوء، ولكن إذا اقتنع الإنسان بإمكانية الوصول وتوكَّلَ على الله تعالى، فإن هذا الاعتقاد بنفسه سيوصله، ومن مفاتيحه السهلة محاسبة النفس؛ وذلك بأن يكون الشخص ملتزماً بتحديد أوقات من اليوم يراجع فيها نفسه، بشرط أن يكون الوقت مناسباً، فلا يكون عند الجوع أو الشبع أو انشغال الذهن بأمر آخر قد يحول دون التأمل والتفكير جيداً بل يكون في وقت يمكنه الاختلاء بنفسه ومراجعة ما قد صدر منها).
وهكذا نلاحظ بأن كل إنسان متاح له أن يكون ذا استقامة تامة، وإنسانا صالحا، يصلح ما خربه المخرّبون، ويسعى كل السعي إلى حماية نفسه من الضياع والسقوط في حبائل الدنيا، من خلال تقاعسه عن محاسبة نفسه، وبناء سلامته النفسية والفكرية والعقائدية بشكل صحيح وسليم.