شبكة النبأ: (لئن كان في العالم شيء من الحرية اليوم فلا يعود الفضل فيه إلا لإمامنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه). سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
عظيمة تلك الدروس التي قدمها الإمام علي عليه السلام عبر حكومته وطريقته في إدارة الدولة، فكل خطوة وكل قرار وكل تطبيق عملي في تطوير حيات الناس وتصحيحها، كان ينطوي على درس كبير أفادت منه البشرية جمعاء.
لقد أسّس أمير المؤمنين عليه السلام لمفهوم الحرية، وأوضحه للجميع، وقد تربّى عليه في المدرسة النبوية التي نشأ وترعرع فيها، ودرس علي يد الرسول صلى الله عليه وآله، وتعلّم منه التعامل مع المرؤوسين، وكيف يسمو بهم إلى مصاف القيم الإنسانية العالية، سواء في أفكارهم أو في ممارستهم للحريات التي امتلكوها بالفطرة.
وقد أثبت الإمام نهجه في التحرر عمليا، من خلال التعامل المباشر مع الذين عارضوه، ووقفوا ضده ورفضوا تطبيق ما سنّهُ القائد الأعلى لدولة المسلمين، فحين خرجوا عليه لم يقمعهم ولم يرفع سلاح الدولة والسلطة في وجوههم.
ولم يعتقل فردا واحدا منهم، أو سجنهم، بل العكس هو الذي حدث، حيث تركهم ومنع استخدام العنف ضدهم، والأهم من هذا كله استجاب لما طالبوا به، وهذه هي أعلى درجات الاستجابة للمعارض في العالم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول عن هذا الموضوع في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
(ماذا فعل الإمام علي عليه السلام مع المتظاهرين الذين خرجوا ضدَّه؟ هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم وسجنهم، أم نفى أحداً منهم؟ هل أحال بهم إلى المحاكم على أقلّ تقدير؟ كلا ثم كلا. إنه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوة ضدهم، بل الأعظم من ذلك أنّه سلام الله عليه استجاب لمطالبهم).
ولنا أن نقارن بين ما فعله الإمام علي كقائد لأقوى دولة في العالم آنذاك مع معارضيها، وبينما تدّعيه العديد من الدول حاليا، وخصوصا الدول والحكومات الغربية التي تدّعي بأنها الداعم والمطبّق الأكبر للحرية والديمقراطية في العالم.
نعم الحكام في تلك الدول المتبجحة بإطلاق الحريات لا يوجهون البنادق للمعارضين أو المتظاهرين، ولكن – كما نلاحظ ذلك في القنوات الفضائية- في الغالب تنتهي تلك المظاهرات بسقوط قتلى وجرحى ويُنقَل الكثير من المحتجين إلى المستشفيات، لذا فإن هذه الحكومات والدول استخدمت العنف ضد المتظاهرين وأدمتهم.
فوارق كبيرة بين حريات الغرب والإسلام
بالإضافة إلى أن هذه السلطات سرعان ما تقوم بإصدار قرارات السجن والحبس والتغريم وما شابه، وهذه شواهد وأدلة تثبت بأنها ليست النموذج الأول لدعم الحريات ومساندتها، كما كانت حكومة الإمام علي وكما تصرّفت آنذاك مع المحتجين ضدّها، حيث تعاملت معهم برفق واستجابت لطلباتهم، فأثبتت بأنها تدعم الحريات وهي النموذج الأول بلا منازع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(الآن قارنوا هذا الموقف مع ما تدّعيه أرقى الدول التي تزعم أنّها راعية الحرية اليوم. أجل إن المسؤولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين _ كما تفعل بعض الدول الإسلامية مع الأسف! _ ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلى أو جرحى واعتقال بعض وإحالتهم إلى المحاكم والسجون).
لذا في حال قمنا بالمقارنة بين ما أسس له الإمام علي عليه السلام في قضية التعامل مع المعارضين، والمحتجين، وبين ما تقوم به الدول التي تدّعي التحرر اليوم، فالحقيقة سوف يكون الفارق شاسعا لأن حكومة الإمام لم ترفع السلاح بوجه المعارضين، كما أنها لم تتعامل بقوة مع أي من المحتجين.
وعندما نقيس الحرية في حكومة أمير المؤمنين بالحرية الغربية فسوف نكتشف أن حكم الإمام عليه السلام يتقدم على الغرب بكثير كما تثبت الأدلة التاريخية، أما إذا كانت المقارنة مع الدول الإسلامية، فإن الأمر غير مشجّع لأنه حتى الحرية في دول الغرب غير موجودة في بعض الدول الإسلامية.
وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلا:
(ما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلى الحرية في ظلّ حكم الإمام علي سلام الله عليه؟ أما في البلاد الإسلامية فلا وجود حتى لذلك القدر من الحرية الموجودة في الغرب!).
مما يثير الانتباه والغرابة أيضا أن الحريات التي منحها الإمام للناس حدثت في عالم كان يعيش كله تحت وطأة الطغيان والاستبداد والتفرّد، مع أن أمير المؤمنين كان رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم آنذاك سواء من ناحية العدد الحربية أو العدد، كما أن دولة المسلمين كانت تعادل 50 دولة من دول اليوم في سعتها وحجمها الكبير.
تطبيق منهج لا إكراه في الدين
ومع هذا كله عاش المسلمون وغيرهم في كنف دولتهم الإسلامية، وفي ظل الحكم الرشيد للإمام علي وهم يرفلون بأعلى درجات الحرية وحماية الحقوق والرأي، وعدم المساس بالمواطن، وعدم إجباره علي شيء مطلقا، فهو حر باختيار دينه وأفكاره، وفي نفس الوقت هو مُصان الحقوق والحريات.
سماحة المرجع الشيرازي يؤكد هذا الأمر حين يقول:
(والأعجب من هذا أن الإمام سلام الله عليه منح هذه الحريات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، وكان الإمام رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم).
من الواضح أن الإمام علي عليه السلام، كان يحكم أقوى دولة في العالم آنذاك، وفي نفس الوقت كان عدد نفوس هذه الدولة هو الأعلى من بين جميع دول العالم في ذلكم الوقت، أي أن الإمام كان يقود أقوى دولة وأكثر دولة بعدد النفوس، وهذا يدل على أن القوة والسلطة التي يمتلكها وتحت أمرته كانت كبيرة جدا.
ومع ذلك لم يلجأ إلى القمع أو الإكراه أو إلى القوة في مواجهة خصومه ومعارضيه، وكان بإمكان أمير المؤمنين أن يقول لمن يعارضوه (كلا لن أستجيب لكم)، لكنه عليه السلام لم يفعل ذلك، وأراد من خلال هذا التصرّف أن يثبت للجميع مبدأ (لا إكراه في الدين).
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنها ليست الأقوى. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام علي سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوى حكومة على وجه الأرض، فالإمام سلام الله عليه لم تنقصه القوة، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه لم يقلها وأعلن للبشرية عملياً أنه: لا إكراه في الدين)
من هنا نقول إن الحرية كانت مصانة في حكم الإمام علي عليه السلام، وأن معارضيه كانوا في حماية الدولة، ومكفولة لهم حقوق الرأي والحريات الأخرى، وكان حكم الإمام هو العلامة الفارقة في عالم الحكم القائم آنذاك على القمع والتفرد والإكراه، لذا فإن حكومة الإمام وحكمه يشكلان دروسا عظيمة في احترام الحريات وهو الدرس الذي يجب أن يتعلمه حكام العالم، وحريّ بحكام المسلمين أن يكونوا الأوائل في ذلك.