LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العراق: عشر سنوات بين النجاح والفشل
رمز 129
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 10 أبريل 2013
كتب: علي حسين

الشعوب المقهورة لا تستكين ولا تستسلم، إنها لا تكفّ عن الكفاح من أجل الخلاص، وغالباً ما تصل تلك الشعوب إلى ضالتها، بعد كفاح طويل ومرير، تخوضه ضدّ الحكام المستبدّين وحكوماتهم الفاسدة، وضد العوامل والعناصر التي تساعد على القهر والجهل والحرمان.

التاريخ خير شاهد على هذا الكلام، فهو يخبرنا بما فعلت الأمم والشعوب من أجل الانتقال في سجون الفقر، الى واحات الغني والتحرّر، ومعظم الشعوب التي نجحت في دحر الأنظمة القهرية، تمسّكت بفرصة التغيير بقوة، وتمكّنت من توظيف مواهبها وطاقاتها وقدرتها، لكي تتحوّل من الموت إلى الحياة، وقلّة تلك الشعوب التي لم تتعلّم من الدرس جيّداً، وكثيرة هي الأمم التي جعلت من آلامها وقهرها جسوراً نحو الازدهار والتقدّم.

العراقيون حصلوا على الحرية منذ عشر سنوات، هي ذي فرصتهم التاريخية، وهذه مرحلة الانتقال من عصر الاستبداد والظلم الى عصر الحرية والارتقاء، ولكن هناك عقبات كبرى تواجه العراقيين، أصعبها وأكبرها الفشل الذي قد يهدر فرصة التحرّر التام للشعب العراقي، نعم خلال السنوات العشر تحقّق شيء من النجاح، ولكن ليس النجاح الذي يتمنّاه العراقيون، كذلك لم تفشل التجربة بصورة كليّة، هناك مراوحة بين النجاح والفشل.

لذلك لابد للمعنيين، خبراء وعلماء وغيرهم، أن يدرسوا بعمق ودقّة التجربة العراقية خلال السنوات العشر التي بدأت في نيسان 2003 وحتى الآن، ولابد أن نعرف مكامن الفشل والإشكاليات، وأين هي مكامن النجاح والإنجاز الجيد، والتحرّك نحو تحقيق هذا الهدف، يمكن أن يصب في تصحيح المسارات، ويعمّق التجربة ويجعلها تمضي باتجاه النجاح في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وكل المجالات الأخرى.

علماً أن مسؤولية التصويب والبناء لا تخص أحداً أو جهة دون غيرها، بل الجميع عليهم مسؤوليات مهمة إزاء حماية التجربة وبناء الدولة المدنية القادرة على حفظ الحقوق كاملة، ولكن هناك مسؤوليات خاصّة أيضاً.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في هذا المجال: إن مسؤولية بناء الدولة العراقية (هي مسؤولية عامة الناس، ولكن في الوقت الحالي هي مسؤولية خاصة، وقسمٌ منها مسؤولية عامة بالنسبة لعراق اليوم والمستقبل.. فقد ابتلي العراق اليوم – رجالاً ونسـاءً وشيباً و شباباً – بأزمةٍ مزدوجة؛ فهو منذ خمسين عاماً ينتقل من أزمةٍ إلى أزمة، ومن أمر شديد إلى أمر أشدّ، ومن صعب إلى أصعب.. وفي الوقت الحاضر تضاعفت هذه الأزمة بالنسبة إلى كل فردٍ عراقي).

نحن ومسؤولية البناء؟
لاشك أن هناك من لا يرغب أن يرى دولة عراقية مدنية قوية، لاسيما أن مقومات هذه الدولة متوافرة في العراق، أما الاسباب في اتخاذ مواقف العداء فهي كثيرة، وأولها أن أنظمة الحكم الإقليمية لا ترحّب بنظام ديمقراطي في المنطقة، لأن معظم هذه الأنظمة قائمة على التوريث والملكية والتسلّط، لذا فإن النظام الديمقراطي يشكّل خطراً على وجود الأنظمة الفردية.

ولكن ينبغي أن لا يتراجع العراقيون عن الهدف الأهم المتمثّل في استثمار فرصتهم التاريخية الراهنة، للتحوّل من الجهل والفقر والتخلّف والحرمان، إلى التقدّم والرفاهية والنظام والازدهار، وهذه مسؤولية العراقيين، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في تساؤله قائلاً: (من هم الأولى بإعادة إعمار العراق؟ لا يتصوّر أحد منّا أننا لسنا قادرين أن نفعل شيئاً حيال مستقبل العراق.. إذن فنحن نتحمّل مسؤولية خطيرة، وعلينا أن نعتقد بأنها مسؤوليتنا جميعاً وبلا استثناء)، ويضيف سماحته: (فلنسع لأن تأخذ المسؤولية إزاء العراق موقعها في نفوسنا).

وهكذا لابد أن يتصدّى المعنيون، من خبراء ومفكّرين وعلماء، الى قضية بناء التجربة العراقية بما يجعلها النموذج في المنطقة، فضلاً عن حاجة العراقيين إلى التعويض عمّا فاتهم في العقود المتتابعة، من فرص للتقدّم ومواكبة ما يستجد في العالم الراهن، من تطوّرات هائلة في جميع مجالات الحياة، وهذا يتطلّب بطبيعة الحال خططاً موضوعة بدقّة من لدن لجان متخصّصة، ثم تتبنى الجهات الحكومية مسؤوليات التنفيذ الدقيق، على أن يكون للثقافة وللشباب حصّة مهمّة، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (توجد في العراق، حاجة ماسّة إلى برامج تثقيفية وتوجيهية، فكما ينقل أن الشباب العراقي لديهم تعطّش للدين ولكنهم يفتقرون لمن يقوم بتعليمهم وتربيتهم).

علماً أن العوامل التي تساعد على نهوض العراق حاضرة، لكنها تحتاج الى إدارة متخصّصة علمية نزيهة تستثمرها بالصورة الأمثل، وهذا ما لم يتحقّق طوال السنوات العشر الماضية، على الرغم من أجواء التحرّر والانفتاح التي رافقت هذه المرحلة، فلم تساعد ثروات العراق على بناء التجربة السياسة ولا الاقتصادية وتطويرها كما يجب.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله، حول هذا الموضوع: إن (العراق يسبح فوق ثروات هائلة من المعادن والنفط والمحاصيل الزراعية والحيوانية، ومن الناحية الجغرافية فإن العراق يحتل موقعاً هامّاً في وسط العالم وهو المركز الذي يربط بين الشرق والغرب.. وخط الاتصال وملتقى الحضارات).

مشكلات اقتصادية خطيرة
إنّ تمحيص مجريات السنوات العشر الماضية من عمر التجربة العراقية في المرحلة الجديدة، تؤكّد عدم قدرة الكادر المعني بإدارة الاقتصاد وفق رؤية متطوّرة، فقد انتشرت الفوضى في المشاريع، وظهرت عيوب إدارية خطيرة، تمثّلت بظهور حالات الاختلاس والرشا والصفقات الوهمية وغسيل الأموال والتهريب وما شابه، وهي عوامل نخرت في جسد الاقتصاد العراقي وجعلته يراوح في مكانه أو ينمو ببطء شديد، وهي نتائج لا تتوافق مع الثروات الهائلة التي يحتويها البلد، لا سيما أنه يأتي كثاني دولة مصدرة للنفط بعد السعودية، حيث تجاوز سقف الانتاج والتصدير 3 مليون برميل من النفط يومياً.

لذا من المؤسف أن المعنيين الحكوميين والمستشارين وغيرهم، لم يستفيدوا من مقومات الثراء العراقي، كما أنهم لم يدرسوا بجديّة فرص التقدّم في هذا المجال، ولم يكلّفوا أنفسهم الاستفادة من النظريات والطروحات التي تلائم الوضع الاقتصادي في العراق، كما نلاحظ ذلك فيما يطرحه الإمام الشيرازي بنظريته الاقتصادية التي تستند بشكل أساسي على قضية (الاكتفاء الذاتي)، إذ يقول أعلى الله درجاته:

(ما دام الشعب يعتمد اقتصادياً على دول أخرى فإنه يصبح تابعاً لها وأسيراً لأوامرها كما قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «احتج إلى من شئت تكن أسيره». لذلك لابد من تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الاعتماد على الصناعة الوطنية وتقويتها وتطوير الزراعة والثروة الحيوانية عبر إعطاء حرية العمل والتجارة والصناعة والزراعة).

وتفصح مراجعتنا لتجربة السنوات العشر الماضية عن خلل كبير في إدارة أموال الدولة، ولعل كثرة الوظائف وإنهاك كاهل الدولة بملايين الموظّفين، يعد من أخطر الأمور التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، حيث البطالة المقنعة تتجسّد الآن بأقوى صورها وأشكالها في الدوائر والمؤسسات الحكومية المختلفة، حيث تهدى عشرات المليارات كرواتب وأجور للموظّفين الذي لا يؤدّون عملاً يذكر، بل على العكس أنعشوا النهج البيروقراطي وعمّقواً الأساليب الروتينية المقيتة في إدارة شؤون المواطنين، فضلاً عن تحوّل هذه الدوائر والمؤسسات الى مصدر استهلاكي خطير لميزانية الدولة، وفتح نوافذ عديدة للفساد الإداري، بالإضافة الى ضياع الفرصة الأكيدة لتحقيق التقدّم الملموس في الخدمات الأساسية وسواها.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع: (هناك مشكلة اقتصادية مهمة وهو الوجود الكثيف للموظّفين الذين يعملون في جهاز الدولة وأغلبهم يعمل في وظائف هامشية لا تنفع الشعب بل يعقّدون الأعمال ويعرقلونها ويستهلكون ميزانية الدولة وأموال الشعب مما يحولهم إلى عبء ثقيل على كاهل الشعب، فلابد من تقليلهم وتحويل أعمالهم إلى المؤسسات الخاصة وأما الدولة فهي فقط مشرفة على سير العمل وعدم انحرافه لا أن تتدخّل في كل شيء).

وخلاصة القول أن تجربة السنوات العشر الماضية في العراق، تؤكّد عدم نجاح السياسيين في إدارة البلد، كما انهم لم يفشلوا تماماً، ولكن كان من الممكن أن يتحقّق الهدف المنشود في بناء الدولة المدنية، لو ان المعنيين أحسنوا التصرّف فكراً وأفعالاً في إدارة دولة تتوافر فيها جميع مقوّمات وفرص التحوّل من الجهل والفقر الى العلم والغنى.

المصدر: مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام
http://annabaa.org