LOGIN
المقالات
alshirazi.org
مفهوم السياسة وهدر الكرامة الإنسانية
رمز 189
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 30 أبريل 2014
شبكة النبأ: يُنظَر إلى السياسة على أنها نوع من الفكر والسلوك القيادي، يؤدّي بالنتيجة إلى مكاسب، بغضّ النظر عن الطرق والمسالك التي أدّت إلى تلك النتائج!، إنّ المكاسب التي تتمخّض عن العمل السياسي أمر مفروغ منه، بمعنى أن أيّ عمل سياسي سوف يؤدّي إلى مكاسب إذا كان مدعوماً بالتخطيط والاستعداد اللازم، ولكن يبقى السؤال قائماً عن جملة من الأمور منها، ما هو نوع هذه المكاسب، والأهم من ذلك إلى من تعود تلك المكاسب؟. وأخيراً كيف تحقّقت، وما هي الوسائل والسبل السياسية التي انتهت بالقائد السياسي إلى هذه النتائج؟

فيما يتعلّق بنوع المكاسب، فإنها ينبغي أن تتعلّق بفائدة عامّة الناس، بمعنى أن أيّة مكاسب سياسية لا تصبّ في خدمة المجموع ولا تسند الدولة وأركانها، فهي سياسة تقع خارج الإطار الصحيح أو المطلوب، وسوف تصبّ في صالح الفرد الحاكم ونظامه وبطانته، وفي هذه الحالة ستكون سياسة فاشلة لا تبني بل تهدّم، كونها لم تراع مصلحة الدولة والمجتمع، بل جعلت من مصلحة النظام والفرد الحاكم على رأس أهدافها، بغضّ النظر عن الهدف الأسمى للسياسة، وهو الحفاظ على الكرامة الإنسانية.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيّم الموسوم بـ(السياسة من واقع الإسلام): إنّ (السياسة الإسلامية بُنيَتْ على أسس العدل الكامل.. والكرامة الإنسانية). فعندما تتجاهل السياسة كرامة الإنسان، وعندما تفتقر لأسس العدل والمساواة، فإنها تغدو منفذاً وطريقاً لسياسة الطغيان، لأنها سياسة الحكم المتسلّط من خلال القوة الغاشمة المسلَّطة على رقاب ناس ومصائرهم.

وعندما نضع المشهد السياسي العالمي تحت مجهر التفحّص والملاحظة، تُرى هل سنجد حضوراً لشرط الكرامة الإنسانية في السياسة، بل هل سنلاحظ ذلك لدى الأنظمة السياسية العربية والإسلامية؟، هل تراعي هذه الأنظمة كرامة الإنسان المسلم، أم أنها تضع في مقدّمة أهدافها حماية مصالحها ونفوذها حتى لو استوجب الأمر هدر كرامة الناس؟ الجواب نستطيع أن نأخذه بوضوح من الواقع العربي الإسلامي، لأن سياسة اليوم لا تقدّم كرامة الإنسان على مصلحة الحكّام!

سياسة هدر الحقوق

على العكس مما هو مطلوب، تنطوي سياسة العصر الراهن على استهتار بقيمة الإنسان، وتكاد تشكّل هذه الصورة، أو هذه الصفة، فعلاً عالمياً تتساوى فيه السياسة العالمية بأكملها، حتى في الغرب المتقدّم توجد أدلّة على هدر كرامة الإنسان، فما بالك بالعالم المتأخّر؟! وإذا كان الإنسان المتحضّر يعاني من سلطة السياسي وطغيانه، فإننا لا نشكّ لحظة بأن حقوق الإنسان تتعرّض لموجة من الانتهاك بفعل سياسة التجاوز التي لا تحسب حساباً لقيمة الإنسان.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن السياسة بمفهومها المعاصر: (هي القدرة على إدارة دفّة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلّفت هذه الأمور من: إهدار كرامات.. وإراقة دماء.. وكبت حريّات.. وابتزاز أموال.. وظلم وإجحاف.. ونحو ذلك، فمادام الحكم للحاكم والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة لتبرّر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف.. بل وحتى الملايين جوراً وظلماً.. هذا هو منطق السياسة التي تمارس في بلاد العالم اليوم).

هكذا هي سياسة عالم اليوم، فالتناحر وحسّ المؤامرة والتشكيك بالآخر، هو الذي يسود اليوم بين الساسة حتى في البلد الواحد، بمعنى أن الصراع من أجل السلطة وامتيازاتها، أصبح يتقدّم على الهدف الأهم ألا وهو كرامة الإنسان، وتمكينه من العيش في ظل حياة حرّة كريمة، في حين أن القائد السياسي المسلم، ينبغي أن يكون قائداً ومرشداً للناس في الوقت نفسه، لا أن يجعل أهواءه تتحكّم به، فينسى موقعه ومسؤولياته، لأن القائد عليه واجبات تفوق المواطن العادي بكثير، بسبب حجم المسؤولية ونوعها، كذلك عليه أن يلتزم بشرط الحريّة، لأن الكرامة والحريّة متلازمتان، بمعنى ليس هناك كرامة من دون حريّة تامّة.

لذلك يرى سماحة المرجع الشيرازي بأن القائد المسلم: هو (الذي يمارس الإرشاد والتوجيه وسوق العباد نحو عبادة الخالق وحده، ويجب عليه أن يلتزم بشروط، في مقدّمتها منح الحريّة للناس بجميع أشكالها).

الإنسان وسمة الطغيان

الطغيان بمعناه المعروف يدخل في تركيبة النفس، فالإنسان يحمل في داخلة بذرة الطغيان، فإذا وجدت هذه البذرة تربة مناسبة لها ومشجّعة على نموّها، سنجد أنها تعلو وتنمو وتصبح صفة من صفات الإنسان، تلازمه في كل زمان ومكان، وهو أمر يقوده إلى قمع الناس والتجاوز على حقوقهم وحرمتهم وحريّاتهم، كيفما كانت حدود مسؤوليته، فإن كان مديراً لدائرة سيكون طاغية متزمتاً في قراراته وإدارته، متباهياً بسلطته على موظّفيه، وإذا كان مديراً لمدرسة سوف يسلك السلوك نفسه مع الطلبة والمعلمين، أما إذا كان حاكماً على الناس فهنا تكمن الطامّة الكبرى، حيث تتحكّم به رغباته وأهواؤه والضحية سيكون عامة الناس، لأنه سوف ينشغل بنفسه وذاته المتضخّمة، وبناء سلطته وحماية عرشه، ومضاعفة كنوزه، فيما يتضوّر الناس جوعاً وقهراً وحرماناً، بسبب سياسة الطغيان التي ينتهجها الحاكم!

يقول سماحة المرجع الشيرازي، حول هذا الجانب: (إنّ الحاكم الذي يتّخذ من هواه إلهاً، فإنّه تهمّه ذاته قبل كل شيء، ولا يكترث إن عصى الله في هذا السبيل، فالمهم عنده توفير ذاته، وتلبية رغباتها وتحقيق احترامها).

لذلك على الإنسان أن يتنبّه بصورة جيدة، إلى بذرة الطغيان الموجودة في داخله، وعليه أن يحجّم أهواءه ورغباته ويقف بالضدّ منها دائماً، كونها تسوقه في الغالب إلى مسالك لظلم الناس، وهدر كرامتهم مقابل تضخيم ذاته وطموحاته التي لن تتوقف عند حد!، هذا الأمر يتعلّق بعموم الناس، أما إذا كان حاكماً، فإنّ سياسة الطغيان ستلحق أضراراً أكبر وأكثر بمن هم تحت حكمه ومسؤولياته، من هنا فإنّ سياسة الحكم وإدارة شؤون الناس، لابد أن تراعي أولاً وأخيراً (كرامة الإنسان).

يقول سماحة المرجع الشيرازي عن الإنسان: إنّ (الإنسان كائنًا من كان يطغى، أو في معرض الطغيان، فيجب ألاّ يستبدّ أيّ شخص بإدارة البلاد، ويجب ألاّ ينفرد أي إنسان بالحكم).