شبكة النبأ: يرى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، أن الله سبحانه، هو الفاعل الحقيقي للخير، أما الإنسان فهو الوسيلة التي تقوم بتقديم الخير للآخرين، بمعنى أن الإنسان هنا ليس أكثر من وسيط يؤدّي الفعل لا أكثر، ولكن يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، على أن الميزة التي منحها الله تعالى للإنسان في هذا المجال، هو قضية حرية الاختيار، بمعنى أنه سبحانه ترك الإنسان هنا مخيّراً وليس مجبراً على فعل الخير، لهذا اقترنت أعمال الإنسان وأفعاله بمبدأ الثواب والعقاب.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال، على: (أنّ الإمام عليه السلام، ينسب فعل الخير الذي يفعله الإنسان إلى الله تعالى؛ حيث يُفهم ذلك من صيغة الطلب «أجرِ». وهذا معناه أنّ الإنسان المباشر بفعل الخير هو وسيلة أمّا الفاعل الحقيقي للخير فهو الله تعالى؛ إلاّ أنّ هذه الوسيلة مختارة وغير مجبرة على فعل الخير وتركه). ويأتي هذا التفسير الواضح، استناداً إلى الدعاء المنسوب إلى الإمام السجّاد عليه السلام: «وأجر للناس على يديّ الخير ولا تمحقه بالمنّ». ويتضح من نصّ هذا الدعاء، أن الانسان من المحتمل أن ينحرف عن جادة الخير، ويختار الطريق المضاد، وبهذا سوف يكون عرضة للعقاب الإلهي، فيخسر بذلك فرصة اكتساب الثواب فيما لو اختار فعل الخير، من هنا يتشبّث الإمام السجّاد عليه السلام، بالدعاء إلى الله تعالى لكي يجري على يديه فعل الخير للناس.
هذا الدرس الكبير يمكن لنا جميعاً أن نستفيد منه، ولنا أن نتصوّر هذا الدرس ومضمونه بعمق حتى يمكن لنا أن نتجنّب فعل الشرّ، فإذا كان الإمام السجّاد عليه السلام بعظمته ومكانته الخالدة، درجة يدعو الله تعالى أن يساعده في إجراء الخير على يده، فماذا يمكن أن يفعل الآخرون؟! وكم يحتاجون من الصدق والعمق والإيمان، حتى يمكنهم أن يتجنّبوا أعمال الشرّ.
في كل الأحوال تكمن ميزة هذا الدرس، في ترك فرصة الاختيار للإنسان سانحة، فهو الذي يحدّد مساره بنفسه، وهو الذي سوف يختار انتمائه للخير أو الشرّ، وتبعاً لهذا الاختيار، سينال العقاب والثواب، ولكن ليس سهلاً أن يذهب الإنسان بنفسه إلى الخير، لأن النفس غالباً ما تدفعه نحو الاتجاه المضاد، بسبب رغباتها وشهواتها وأهوائها، من هنا يحتاج الإنسان إلى دعم إلهي قوي، حتى يتم إجراء الخير على يديه.
المنحى الإنساني للدعاء
عندما تتسم القيم والمبادئ بميزتها الإنسانية العالية، لا أحد يستطيع أن يعترض عليها، كذلك سوف تكون محطّ تقدير واحترام الجميع، بسبب نزعتها الإنسانية الشاملة، فعندما أوصى الإمام عليّ عليه السلام مالك الأشتر بوصيته الشهيرة (إنما الناس صنفان، إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، فإنّ الإنسانية جمعاء عبر قرون متتالية اعترفت بعظمة مضمون هذا القول الإنساني الخالد.
وفي منحى مقارب، ينطوي نصّ دعاء الإمام السجّاد عليه السلام، على المسار الإنساني نفسه، فعندما يدعو الإمام الله تعالى أن يُجري الخير على يديه للآخرين، لم يحدّد الإمام من هم هؤلاء وما هو انتماؤهم؟، بمعنى أوضح، أن دعوة الإمام عليه السلام لم تتحدّد مسارها بالمسلم والمؤمن فقط، بل تشمل الإنسان أينما كان ومهما كان دينه أو سكنه أو عرقه أو انتماءاته الأخرى، فالدعاء هنا كان ذا نزعة إنسانية شاملة.
وهذا ما يؤكّده سماحة المرجع الشيرازي في كتابه المذكور نفسه، عندما يقول سماحته: (إنّ الإمام -عليه السلام- يطلب من الله تعالى أن يجري على يديه الخير لجميع الناس وليس للمؤمنين أو المسلمين وحدهم بل لكلّ الناس مؤمنين ومسلمين وغيرهم بل حتى لغير المعتقدين بدين أصلاً. هكذا يسأل الإمام من الله تعالى، ويرشدنا أنّه ينبغي لنا أن نسأل الله تعالى في أن يجري الخير على أيدينا لكلّ الناس).
ويضيف سماحته أيضاً في هذا المجال قائلاً: (فكما أنّ الله سبحانه وتعالى يعطي النعم للمؤمن والكافر، والمتديّن وغير المتديّن كذلك الإمام يسأل الله تعالى أن يجري على يديه الخير لجميع الناس دون تمييز). وهكذا يعدّ ذلك بمثابة الدرس الواضح لنا جميعاً، على اقتناص الفرص من أجل تقديم الخير للناس جميعاً وبلا تمييز، يكفي أن يكون الكائن إنساناً حتى نقدّم له فعل الخير بغضّ النظر عن انتماءاته، وهذا يؤكّد أن الإسلام يهب الخير للناس بلا استثناء.
خدمة الآخرين بلا مَنّ
كلما ارتقت مكانة الإنسان في المجتمع، ومسؤولياته، كلما أصبح فعل الخير مطلوباً منه بصورة أكبر، بمعنى عندما يكون الإنسان إسلامي المبادئ، هذا يحتّم عليه أن يقدّم الخير للناس من دون مقابل لهذه الخدمة، كما يفعل بعض ما يسمى بالإسلاميين، لأن فعل الخير ينبغي أن يكون من دون مقابل، وبلا منّ، والسبب أن فعل الخير سوف يصبّ في صالح من يفعله، وقد لا ينكشف هذا في واقع الحال، ولكن عدم تحلّي بعضهم بالصبر المطلوب يجعلهم يستعجلون الثواب، مع انه مضمون تماماً، لأن فعل الخير يعود ـ كما ذكرنا ـ إلى الله تعالى، والإنسان هنا وسيط يختار الخير فيُجزى عليه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه نفسه: (من آثار فِعل البر والإحسان أنّ الخير الذي يفعله الإنسان لغيره إنّما يعود في الحقيقة لنفسه بل هو مسجّل له منذ البداية، ولكن انكشاف هذا الأمر يحتاج إلى وقت، غايته أنّ النتائج قد لا تظهر كلّها في هذه الحياة الدنيا بل قد يراها الإنسان في الآخرة). إذاً يستدعي معرفة الثواب نوعاً من الصبر والتحلّي بالإيمان الحقيقي.
هذا الصبر يجعل الإنسان ذا بصيرة قوية وقادرة على الاعتبار من الآخرين، يراقب عمل الخير أينما كان، ويتعلّم، ويعمل كما يعمل أصحاب الخير ودعاته، حتى يتمكّن من الحصول على ما يستحقّه من ثواب مجزٍ نتيجة لما يقدّمه للآخرين من أفعال الخير.
كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إذا كان عند الإنسان بصيرة والتفات وكان معتبِراً بقصص الآخرين سهُل عليه الأمر وبادر إلى عمل الخير للناس، مهما كلّف الأمر)، وهكذا يتّضح لنا بصورة تامة، أن الإسلام لا يفرق بين الناس، وان الخير من حقّهم جميعاً من دون تمييز.