LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ممارسة التسامح في مجتمعات الشنآن
رمز 195
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 7 يونيو 2014
شبكة النبأ: يتكوّن المجتمع من مجموعة أعضاء، أو مجموعة أفراد، تحكمهم منظومة من القيم والأعراف والمعتقدات، قد ترفعهم إلى مصاف الركب المتقدّم للمجتمعات، وربما تهبط بهم إلى المجتمعات المتخلّفة!، ويحدث هذا بطبيعة الحال، وفقاً لشخصية الفرد وكيفية بنائها، وماهيّة القيم التي تحكمها، فإذا كانت المعايير جيّدة، سوف يميل المجتمع إلى التماسك والتعاون، وإن يحدث العكس، ويكثر وجود وتأثير (أهل الشنآن)، وتسود البغضاء، والعداوة، وسوء الخلق، بين أفراد المجتمع، في علاقاتهم مع بعضهم، فإنّ المجتمع سوف يكون متفكّكاً، جاهلاً، ينتشر فيه الظلم والبغي والحسد، وكل الأمور التي تضعه في حقل المجتمعات الرديئة والضعيفة في وقت واحد.

لذلك لابدّ أن نتجنّب (الشنآن)، لأنه كما يؤكّد سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيم الموسوم بـ(حلية الصالحين)، على أن المعنى اللغوي لمفردة (الشنآن)، هو اجتماع البغض والعداوة وسوء الخُلُق، في شخصية الإنسان، وهذا النوع من الناس هو أخطرهم على غيره وعلى نفسه، بل على المجتمع أجمع، ولذلك هناك حاجة كبيرة لتجنّب الأذى الذي يبدر من شخصيات كهذه!، وهذا يُصعب تحقيقه من دون اللجوء إلى الدعاء والاستفادة من نتائجه المضمونة.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (إنّ الدعاء والتوجّه إلى الله تعالى هو الكفيل بأن يخلّص الإنسان من شرور أشخاص كهؤلاء، لأنّ كثيراً من الناس لا يدرون من الذي يتربّص بهم ليوقعهم في حفر المشاكل والمصائب). ويضيف سماحته: (إنّ دعاءً صغيراً - قد لا يستغرق دقائق - يتوجّه به الإنسان إلى الله تعالى كفيل بأن ينجيه من الوقوع في مشاكل قد تدوم عقوداً ولا يعرف كيف الخلاص منها).

وهذا يؤكّد أهمية الجانب الروحي في صناعة المجتمع المتماسك، من خلال صنع الفرد الذي يسمو بذاته، وينتظم تحت منظومة من القيم السامية، فيمضي إلى التعاون مع الجميع، من أجل البناء الأمثل للمجتمع ككل، وهذا يؤكّد أيضاً أن الجانب المادي العملي لا يكفي وحده لتحقيق البناء المجتمعي أو الفردي الصحيح، فلابدّ أن يرادف العمل إيمان عميق، لذلك نقرأ في كتاب سماحة المرجع الشيرازي نفسه: أن (الدعاء والعمل يكمل أحدهما الآخر ولا ينفع أحدهما من دون الثاني).

الإحسان إلى المسيء
الأخلاق عامل جوهري في تهذيب الفرد والمجتمع، وعندما يكون الإنسان خلوقاً مؤمناً، فإنه سيكون متعاوناً متسامحاً مع الآخرين، ولا يحمل ضغينة أو حقداً على أحد، ولا يشغل قلبه في حسد الآخرين، ويتعامل مع الجميع (بالتي هي أحسن)، هذا النوع من التعامل هو ما نحتاج إليه فعلاً (ونعني بذلك المجتمعات الطامحة للتغيير والتطوّر)، لأن التعامل الحسن، يسهم بقوة في نقل المجتمع إلى خانة التحضّر.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: إنّ (النتيجة من الدفع بالتي هي أحسن، أشارت إليها الآية في قوله تعالى - فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ- أي أنّه سيحبّك بقلبه ويدرأ عنك بجوارحه وطاقاته).

وطالما أن الإنسان يستمر ضارباً في الأرض، بحثاً عن رزقه، لإدامة حياته وعائلته، فإنّه سوف يواجه أنواعاً مختلفة من الناس، ويتعرّض إلى إساءات ربما تؤدّي إلى إصابته بأذى نفسي كبير، فضلاً عن الأذى المادي، لذلك لابدّ أن يعتمد الإنسان على الصبر، لمواجهة المسيئين له، ويدرّب نفسه على مسامحة الآخر الذي أساء له، فليست هناك طريقة لبناء المجتمع، من دون الاعتماد على منهج التقارب، ونشر التسامح، والتعاون، والتكافل، والصبر على الإساءة، علماً أن هذا المنهج الإنساني الراقي، يحتاج إلى تدريب النفس عليه، ويتطلّب درجة عالية من التحمّل والصبر على الأذى الذي يلحقه به الآخرون.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال قائلاً بكتابه نفسه: (لا يخفى أنّ الإحسان إلى المسيئين يحتاج إلى عزيمة قوية؛ ولذلك عبّرت الآية نفسها عن هذه الخصلة بقوله تعالى: وَمّا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم).

التعامل مع أهل البغي
كلما كان الإنسان أكثر قدرة على الصبر في مواجهة الأذى والإساءة، كلما كانت النتائج جيّدة جدّاً، في مجال تحسين العلاقات الاجتماعية، ودفعها نحو التغيير الأفضل، وعندما يتمكّن الإنسان من الوصول إلى هذه الدرجة العالية من الصبر، فإنّ النتائج ستكون عالية جدّاً، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (بقدر ما يكون الصبر على الإساءة تكون النتيجة مُرضية، وإنّ هذا التوفيق الإلهي وإن كان يحتاج إلى حظّ عظيم إلاّ أنّ مفتاحه بيد الإنسان نفسه).

الباغي هو الظالم، والظالمون هم أهل البغي، كما نقرأ ذلك في قول المرجع الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: (البغي أصله من الحسد، ثمّ سمّي الظلم بغياً؛ لأنّ الحاسد يظلم المحسود). لذلك فالإنسان المؤمن عليه أن يتخلّص من مخاطر أهل البغي عليه، والسعي في الوقت نفسه لإصلاحهم، لأن هذا الهدف، يصبّ في صالح بناء المجتمع، ولكن ينبغي أن يلجأ الإنسان إلى الدعاء والعمل معاً.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (لا يكفي الدعاء وحده بل لابدّ للمؤمن أن يسعى بعمله لتجنّب أهل البغي وتبديل حسدهم إلى مودّة). وعندما يتحقّق هذا الهدف، ويتمكّن الإنسان المؤمن، من تحويل حسد أو إساءة الظالمين إلى انسجام وعدل ومودّة، فإنّ الأمر سوف يصبّ في صالح الجميع، ويُسهم في صناعة المجتمع المتماسك حتماً.

وفي كل الأحوال، يبقى الصبر على الإساءة مطلوباً، وإن كان الأمر غاية في الصعوبة، ولكن إذا أراد الإنسان أن يسهم في بناء نفسه، وبناء المجتمع، بطريقة صحيحة، لابدّ له أن يعتمد الصبر الكبير، وتدريب الذات على تحمّل إساءة أهل البغي، لأنه هو السلوك الأصلح، والأصعب في الوقت نفسه، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور نفسه: (أمّا كيف نتصرّف مع أهل البغي، فلنا في أئمّة الهدى صلوات الله عليهم قدوة، فلنقتدِ بأئمّتنا وعلمائنا من بعدهم؛ لأنّ ردّ الصاع بصاعين سهل إذا كانت لدى الشخص المقدرة، ولكنّ الصبر أصلح وأجدر أن يعمل به، وإن كان أصعب).