شبكة النبأ المعلوماتية: ماذا تعني صناعة الخير؟؟، يجيب المعنيون عن هذا السؤال وفقاً لرؤيتهم ومبادئهم والأفكار التي يحملونها ويؤمنون بها، ويذهب الفلاسفة إلى تفسير الخير، بأنه العمل البنّاء الذي يقوم به الإنسان خدمة لنفسه وللآخرين، ويؤكّد المفكّرون والعلماء المختصّون، إنّ ما تحقَّق للبشرية عبر رحلتها الطويلة من نجاحات، في مجالات الفكر والمادة، إنما يعود لأفعال وأعمال الخير التي بذلتها العقول والسواعد عبر التاريخ، والتزام الإنسان بتأدية الحقّ في مكانه، من أجل تطوير الحياة الإنسانية.
ويرى العلماء والمختصّون، أن عمل الإنسان الحقّ وطاقاته الكثيرة إذا لم تذهب في الطريق السليم، وتعمل لصالح الخير، فإنها سوف تنحرف في مسار الشرّ أو الباطل، ولذلك لابدّ أن يستثمر الإنسان الفرصة لكي يضع خدماته وقدراته في طريق الحقّ وتحت إرادته، وأن لا يكون حجر عثرة في أي عمل يمكن أن يؤدّي إلى صناعة الخير، لأن منع الخير، وعدم وضع الإنسان لطاقاته تحت تصرّف الحق، يعني انه بالنتيجة سوف يصرف ضعف طاقاته هذه في طريق الباطل، ونحن نعرف العواقب التي يجلبها الباطل للإنسان الذي يضع طاقاته وخدماته تحت أوامر الشر!، لذا من الحريّ بالإنسان أن لا يتردّد قيد أنملة في وضع كل ما يملك من طاقات مادية وفكرية تحت تصرف الخير والحق، لأنه بهذا السلوك الإيجابي سيحمي نفسه من الانزلاق في الباطل، وما يتبع ذلك من عواقب وخيمة يعرفها الجميع.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين، حول هذا الموضوع: (ان كل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، وغنيّاً أو فقيراً، وعالماً أو جاهلاً، إذا كان عليه حق من مال أو من حقوق أخرى، مثل الحقّ الذي على بدنه، وعينيه، وإذنيه، ولسانه، ومن ذلك، ولم يؤدّ هذا الحقّ، أو منعه، فسيبتلى بأن يدفع ضعف ذلك في باطل).
ولابدّ للإنسان أن يفهم بأنه في حالة عدم وضع قدراته وأعماله في طريق الخير والحق، فإنه بذلك يجازف بفقدان الأجر الإلهي، بالإضافة إلى انه سيكون عرضة للعقاب، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله الواضح: (إذا لم يصرف الإنسان طاقاته وعمره وما يتمكّن منه، من نظراته، ولسانه، ويديه، وأمواله، في سبيل الخير والحق، ومنع ذلك، سيبتلى بأن يصرف مثليه في الباطل، فلا أجر له، بل سيكون عليه استحقاق العقاب).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تمكّنت الشعوب والمجتمعات المتقدّمة، حتى غير الإسلامية منها، الاستفادة من هذه القاعدة الحياتية التي تصلح للإنسانية جمعاء، في تحقيق الازدهار والتقدّم، فالعمل وفق (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تمنح الجميع حصانة ضد الوقوع في فخ الباطل، لذلك ليس صعباً على الإنسان أن يستفيد من القدرات الطبيعية التي يمتلكها ويقوم باستثمارها لصالح الحق، فهو على سبيل المثال يمتلك لساناً ينطق به، وهذا النطق يحمل أفكاراً ومبادئ غالباً ما تكون ذا حدّين أو كفّتين، فإمّا تميل لصالح الحقّ أو تكون في خدمة الباطل، وهذا يستدعي من الإنسان أن يوظّف لسانه وما يؤمن به لصالح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه إذا قام بالعكس، فإنه سوف يضع لسانه تحت أوامر الباطل، وهذا السلوك سوف يحمّل الإنسان ما لا طاقة عليه من الخسائر، في حين بإمكانه أن يفعل العكس تماماً، عندما يكون لسانه في خدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق الثوابت المعروفة في الدين والحياة.
من هنا يذكر سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها قائلاً في هذا المجال: إن (الإنسان الذي عليه وبذمّته حقّ، أوجب الله عليه أن يستفيد من لسانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا منع هذا الحقّ الواجب عليه في لسانه، سيبتلى في يوم من الأيام بأن يصرف هذا اللسان في باطل، أكثر مما يصرفه في حقّ).
ولذلك من الأمور البديهية والمعروفة من لدن الجميع، ان الإنسان عندما يصرف لسانه في الحق، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، عندما يراه في حياته، فإنه في هذه الحالة سوف يكسب الكثير من الأجر والدرجات، أما في حالة حدوث العكس، فإنه سيجد نفسه مجبراً على استخدام لسانه في الباطل، مع كل ما ينسحب عليه من جرّاء ذلك من عواقب مؤلمة ومؤسفة في وقت واحد، لذلك لا ينبغي على الإنسان أن يقع في هذا الخطأ وهو قادر على ذلك.
وينبّه سماحة المرجع الشيرازي إلى هذه الحالة قائلاً: (إذا صرف الإنسان لسانه في حقّ، أي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، سيكون له درجة وأجراً. وأما إذا منع هذا الحقّ سيبتلى بأن يصرف ذلك في باطل، أكثر، ولا يكون له فيه أجر، بل يستحقّ العقاب).
التجسيد العملي لأفعال الأبوين
الأبوان، الأب والأم، يدخلان في صلب هذا الاختيار والاختبار في الوقت نفسه، كونهما مسؤولان عن تربية النشء الجديد، ونعني به أفراد العائلة الجدد الذين يتم انجابهم، هذا سيجعل من الأب والأمّ قائمين على تربية وتوجيه وبناء هؤلاء الجدد على الحياة، فليست هناك فرصة للتملّص من هذه المسؤولية الكبيرة التي تحدّد مصائر الجميع، لأننا جرّبنا ان العناصر التي تتم تربيتها بصورة جيّدة ومدروسة، ستكون إضافة نوعية للمجتمع، وتسهم في بنائه أفضل البناء، وكل هؤلاء يصيرون سلاحاً بيد الحق والخير.
ولكن هناك نقطة مهمة تتعلّق في هذا الجانب، ونعني بها أهمية التجسيد العملي للخير والحق في أعمال الأبوين أمام أولادهما، بمعنى عندما يرى الأولاد ما يفعله الأب والأمّ من أعمال الخير إنما ينعكس عليهم بصورة مباشرة، وسيكون تأثيره قوياً وفاعلاً ومباشراً على الأولاد، لأن العلم أثبت قوّة التأثير العملي بالأولاد أكثر بكثير من القول أو الكلام المجّرد من الفعل.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (كل إنسان، خصوصاً الأب والأم، بالنسبة إلى أولادهما، عليهما أن يجسّدوا الدين بأعمالهم، وأن يلتزموا بما يجب عليهما عملاً، فإذا التزما، فهذا هو التبليغ العملي، وسيكون تأثيره أقوى من التبليغ القولي، في الأولاد، وبالنسبة لغير أولادهما أيضاً).
لذلك ينبغي على الإنسان أن يستثمر فرصة الوقوف إلى جانب الحق، والشروع الدائم في عمل الخير، طالما كان ذلك متاحاً له، لأن أيام الحياة محسوبة على الإنسان، وهي قصيرة وذاهبة إلى الانتهاء آجلاً أم عاجلاً، وليس أمام الإنسان سوى أن يستثمرها أفضل الاستثمار، ويضعها تحت تصرّف الحق والخير، حتى يحصل على النتائج الأفضل والأجمل، على العكس مما لو انحدر الإنسان في حضيض الباطل، وشغل نفسه وقدراته عن الحق، لأنه في هذه الحالة سوف يخسر كل شيء، وسيكون عرضة للعقاب، وفقدان الأجر.
من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب المهم، منبّهاً الكل بأنه: (يجب على الجميع أن يستفيدوا من أيام الحياة الدنيا، ويلتفتوا إلى ما جعله الله عليهم من الواجبات في أبدانهم، وفي أموالهم، وفي طاقاتهم، وفي تصرّفاتهم، ولا يمنعوها، حتى لا يذهب أجرهم، ولا يستبدل بمكان ذلك الأجر، استحقاق العقاب، ويصرفوا الأكثر من ذلك في الباطل).