LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الأسوة والقدوة.. هذا ما يحتاجه المسؤول
رمز 304
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 14 أبريل 2016
شبكة النبأ: المسؤولية تبدأ من الذات أولاً، صعوداً إلى المسؤوليات الأخرى، وهي كثيرة ومتنوّعة، وفقاً لقدرات الإنسان ومؤهلاته ودوره في الحياة والمجتمع، فإذا قيل أن الإنسان يبدأ بنفسه، يربّيها ويطوّرها، ويراقبها، ويسدّد خطواتها، ويشذّبها من أخطائها، فهذا القول عين الصواب، لسبب واضح، أن الإنسان الذي يفشل في تربية نفسه ومراقبتها وتطويرها، سوف يفشل في القيام بهذا الدور تجاه الآخرين، وهذا يعني أنه خال من أية مسؤولية، أو أنه فاشل في أداء مسؤولياته.

أما إذا كان مسؤولاً عن آخرين، كأن يكون ذا منصب كبير في الدولة، فإن المسألة تأخذ مساراً آخر أكثر خطورة إذا جاز القول، فالمسؤول الكبير ليس مسؤولاً عن نفسه فحسب، إنما يتأثّر عامة الشعب بقراراته وخطواته التي يتّخذها عند التنفيذ، ولكن هذا لا يعني أنه غير مسؤول عنه تربية نفسه ومراقبتها، وهذا يحتاج إلى نموذج بطبيعة الحال، يقتدي به المسؤول، كي ينجح في دوره وأداء مسؤوليته على أكمل وجه.

لقد ناضل أهل البيت عليهم السلام طوال حياتهم من أجل النهوض بالمسؤولية كما يجب، وقدّموا للبشرية نماذج عظيمة، لم تبخل بتقديم أنفسها ودمائها قرابين للحرية ونصرة الحق، والتصدي للمسؤولية بشرف ما بعده شرف، لدرجة أن الكون كله لا يزال يتذكّر فضائل هذه الدماء التي رسّخت مبادئ الخير والسلام للبشرية، بيد أن هناك من لا يعرف بهذا الدور الذي قام به أهل البيت عليهم السلام، لاسيما ما قدّمه الإمام الحسين صلوات الله عليه على هذا الطريق الذي جعل منه نموذجاً إنسانياً عالمياً لكل سياسي أو مسؤول يريد أن ينجح في مسؤوليته إزاء نفسه والآخرين.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين عن هذا الموضوع: (قد نسمع أو نرى أن الخبر المفجع يفجع الإنسان ويؤلمه لأيام معدودة، ولكن كم كان كبيراً وعظيماً إراقة دم الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وماذا رأت الملائكة بحيث جعلها تفزع إلى يوم القيامة؟! فلنعلم ان كل ما نؤدّيه من صلاة، وكل ما لدينا من اعتقاد، ومن الفضائل الأخلاقية، فهذه كلها مدينة لدم الإمام الحسين صلوات الله عليه. لأن الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، بتضحياته، أحيى الإسلام الحقيقي وأبقاه خالداً).

نعم إن الامام الحسين هو النموذج الأكثر حضوراً عبر التاريخ، والأكثر قرباً إلى الإنسانية في جانب النهوض بالمسؤولية، من خلال نشر مبادئ الإسلام التي تحفظ كرامة الإنسان وتسمو به نحو الأعالي، حيث العدالة والمساواة والتراحم وحرية الرأي والإبداع.

إذاً فالنموذج العظيم متوافر أمام المسؤول، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (كان من أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيما اختاره في كربلاء، أيضاً، هو أن يوصل الإسلام إلى البشرية كلّها بلا استثناء، ويعرّفه لها، بلا إجبار أو إكراه على اعتناقه أو التديّن به، لأن القرآن الكريم قد قال: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيكْفُرْ» الكهف/29).

كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
على أننا ينبغي أن لا نغفل الدور المتقدّم للنخب، فالعلماء هم أول من يتحمّل ثقل المسؤولية في نشر الوعي استناداً إلى النموذج الإنساني الأرقى، ومسؤولية العلماء في هذا المجال كبيرة جدّاً، بل جوهرية، كونهم محطّ ثقة الناس، فضلاً عن الدور الكبير الذي تقوم به الحوزات العلمية في توضيح كل ما يتعلق بالمسؤولية والاقتداء بالنموذج كي يتم نهوض الإنسان بدوره بالصورة الصحيحة التي تتوافق مع مبدأ الخير والإصلاح والنجاح في وقت واحد.

إذاً كل إنسان يحتاج النموذج، وله الحرية في ذلك، ولكن من الأفضل للإنسان أن يختار النموذج الأقرب إلى نفسه ومبادئه لاسيما إذا كانت هذه المبادئ ذات إطار إنساني متميّز وبالغ الوضوح، كما هو الحال مع مبادئ آل بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ودورهم في تعميق مسؤولية الإنسان إزاء نفسه والإنسانية جمعاء.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (طبقاً لقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فإنّه وبلا شكّ يتحمّل العلماء، وتتحمّل الحوزات العلمية، مسؤولية إيصال تعاليم الإسلام إلى البشرية، وهو الإسلام الذي أحياه دم الإمام الحسين صلوات الله عليه).

ولكن لابد أن نفهم أن مستوى المسؤوليات متعدّد المستويات، ومتدرّج من حيث حجم المسؤولية وأهميتها ونوعها، لهذا تكون مسؤولية رجل الدين أكبر من غيره تبعاً لدوره في الحياة كنموذج للآخرين، وتقع عليه مسؤولية النهوض بوعي الفرد والمجتمع، وتسديد خطوات الناس في الجادة الصواب، وتسهيل مهمة اختيارهم للنموذج الأكثر تأثيراً وقرباً منهم، وينبغي التركيز على الجميع في هذا الخصوص، ولكن يبقى المسؤول السياسي وصانع القرار هو أول من ينبغي تنبيهه إلى النموذج الذي ينبغي أن يقتدي به وبمبادئه، حتى يكون مسؤولاً ناجحاً وبارئاً لذمّته أمام الله في يوم لا يوجد فيه عمل وإنما هناك سيكون الحساب فقط على أداء المسؤولية ونوع الأداء ومن هو النموذج والقدوة، وهل نجح المسؤول بدوره، أم أخفق (لاسمح الله)، وهنا سوف يتحمّل وزر ما اقترفت أفكاره وقراراته ويداه من أخطاء.

موت الناس بسبب الجوع
لذا على رجال الدين والعلماء والمثقّفين والمتنوّرين عموماً، تقديم النموذج للناس وخاصة المسؤولين، وتوضيح مبادئهم، وتكرار هذا العمل طوال الحياة، فالإنسان على وجه العموم ينسى ومنهم من يتغافل ويغفل، لهذا (ذكّر) عسى أن ينفع التذكير، وهنا ثمة فرق بين إسلام محمد صلى الله عليه وآله، وإسلام معاوية، فينبغي تنبيه البشرية إلى هذا الفرق الشاسع بين المسارين.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (بما أن رجال الدين لهم قدرة أكثر على العمل، فإنّ مسؤوليتهم أكبر. وكذلك كبيرة هي مسؤولية المثقّفين والمتعلّمين في إيصال تعاليم الإسلام إلى العالمين. فيجب عليهم وعلى الجميع أن يعلموا بأن الإسلام الحقيقي والأصيل هو إسلام رسول الله، وإسلام أمير المؤمنين، وإسلام الإمام الحسين، وإسلام سائر المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وليس إسلام معاوية ويزيد، حتى يتّضح للناس كافّة بأن الإسلام الحقيقي هو ثمرة دم الإمام الحسين صلوات الله عليه).

ولا شك هناك حاجة كبيرة لترسيخ النموذج، والاهتداء بمبادئه، فالعالم اليوم يضج بالظلم، ويعاني من ضعف العدالة وغياب المساواة، والكل مشغول بمصالحه ونفسه وذويه، متناسياً وناسياً أن الله تعالى والإسلام أوصى بالتكافل والرحمة والإنسانية في التعامل مع المسؤولية، وأئمة أهل البيت أفنوا حياتهم من أجل حرية الإنسان وارتقائه.

فكيف ولماذا يموت الإنسان جوعاً، في بلاد تضجّ بالغنى والثروات الطبيعية والبشرية، أليس هذا دليلاً كافياً على تقصير المسؤولين ونسيانهم لدورهم ومسؤولياتهم، وانشغالهم بمصالحهم، أليس هذا دليل على نسيان القدوة والأسوة والنموذج الذي يصحّح من خلاله المسؤولون أخطاءهم، لهذا نلاحظ أن أسباب نسيان النموذج، أو عدم التفكير به، أو عدم جعله من أولويات المسؤول قادت إلى نتائج خطيرة منها انتشار الفقر في مجتمعاتنا، حتى بلغ الأمر بموت الناس جوعاً، وهذا ما لم يحدث مطلقاً في الحكومات الاسلامية العادلة، وفي المقدّمة منها حكومة النبي صلى الله عليه وآله وحكومة الإمام علي صلوات الله عليه، كما تؤكّد ذلك جميع المصادر التاريخية الموثوق بها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كلمته المذكورة نفسها: (مع وفور الثروات التي منّ الله تعالى بها على الكرة الأرضية، نرى اليوم موت المئات من الناس بسبب المجاعة والجوع، في حين لم نر في أي مصدر من المصادر التاريخية، أنه مات مسلم واحد من الجوع أو غير مسلم في طوال عشر سنين من حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله، أو في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي استمرت لخمس سنوات).