LOGIN
المقالات
alshirazi.org
القائد الشجاع مكانه في المقدّمة
رمز 326
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 8 سبتمبر 2016
 
شبكة النبأ: عبد الرزاق عبد الحسين
الشجاعة تعدّ من أهم قيم الرجولة، وهي ميزة نجدها لدى القادة الأفذاذ، أولئك الذين غيّروا تأريخ أممهم، وأسهموا في تجديد الحياة وتطويرها، وأضفوا عليها قيماً نبيلة، ساعدت في وضع سنن تضبط إيقاع حركة البشر، وتمنحهم مكافأة العيش بسلام، والتفرّغ إلى العلم والإيثار، بعد التصدّي للشر وصنّاعهِ بقيادة الشجعان العظماء.
ولا تعني الشجاعة ضرب العدو فقط وإيقاع الخسائر في صفوفه، ولا تُختصَر الشجاعة بإشهار السيف وسحبه من غمده، ومقارعة العدو وجهاً لوجه، فهذا هو الفعل المادي للشجاعة، وهناك فعل آخر غير مادي، هو شجاعة الموقف، والرأي، والاعتذار عند الخطأ، فالشجاعة إذن لها أكثر من وجه، ولكن في موضوعنا هذا نبتغي الاستفادة من أفكار نيّرة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، وهو يتتبع في كتابه (السياسة من واقع الإسلام)، محطّات ووقفات عظيمة من حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.
في العموم الهدف الذي يسعى إليه سماحة المرجع، أن يتخذ قادة المسلمين اليوم من سياسة الشجاعة للرسول صلى الله عليه وآله، نموذجاً لهم، كي ينجحوا في أداء دورهم ومهماتهم في قيادة المسلمين، إنّه لدرس عظيم ذلك الذي يقدّمه قائد المسلمين الأعظم صلى الله عليه وآله لجميع قادة المسلمين، وخاصة في الظرف الحالي، حيث يتعرّض المسلمون إلى ظلم وإجحاف وجحود الآخرين.
نحتاج اليوم إلى سياسة الشجاعة، في الكلمة، والرأي والموقف، وكذا في التصدّي الحازم إذا لزم الأمر مقارعة الشر بالسلاح والكلام معاً، فكان النبي صلى الله عليه وآله، أوّل الشجعان في إعلان الموقف وإشهار السيف والتصدّي بشجاعة للشر في الوقت المناسب.
يرد في كتاب (السياسة من واقع الإسلام) لسماحة المرجع الشيرازي: (ضرب الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله المثل الأعلى في سياسة الشجاعة التي لا تعرف الجبن والتقاعس).
ونقرأ أيضاً كلمات مقاربة عن سماحته: (هذا أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول: كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس، اتقينا برسول الله صلي الله عليه وآله ولذنا به). ويضيف المرجع الشيرازي في (السياسة من واقع الإسلام): قال الإمام علي عليه السلام: (لقد رأيتنـي يوم بدر ونحن نلوذ بالنبـي صلي الله عليه وآله وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشدّ الناس يومئذ بأساً).
ديمومة الحذر والانتباه
يبتغي سماحة المرجع (دام ظله) من عرضه لسياسة الشجاعة عند قائد المسلمين الأعظم، النبي محمد صلى الله عليه وآله، أن يضع قادة المسلمين اليوم أمام النموذج الحي في سياسة الشجاعة بمجالات عدة، منها المعنوي والأخلاقي، ومنها الذي يدخل في ساحة المواجهة للعدو وجهاً لوجه، وفي كل الحالات.. كما يقول المرجع الشيرازي:
(كان النبي صلي الله عليه وآله هو المقدّم في كل فزع ونائبة ورعب. فكان ذلك يبعث الشجاعة في المسلمين، فإن إقدام القائد الشجاع يجعل القاعدة شجاعة ذات إقدام وصمود).
فالقائد مكانه المقدّمة دائماً، بين جنوده، هذا يضاعف لديهم الشجاعة أضعافاً، ويشعل حماستهم، ويدفع بهم إلى مواصلة الصولات تلو الصولات، حتى القضاء المبرم على العدو، ولكن يجري هذا بتخطيط بعيد عن (تداخل الأدوار)، فهذا يخلق الفوضى، ويمهّد للتراجع حيال العدو، الحذر هنا هو العنوان المهم في إدارة المعركة، والتحسّب المسبق، واستشراف المفاجآت قبل وقوعها.
هكذا يرى سماحة المرجع عندما يقول في كتابه (السياسة من واقع الإسلام): (إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله كان دائم الحذر، ودائم الانتباه لكل ما يحدث أو يجري حوله بحيث يكون هو أول من يصل مكان الحادث، ويأتي المسلمون فيصلون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله إلى ذلك المكان، وهذه هي السياسة الشجاعة التي قلما يذكر التاريخ لـه نظراء في القادة والساسة).
هنا ينبّه المرجع الشيرازي قادة المسلمين في الحاضر، على أهمية هذا الأسلوب القيادي، فالقائد هو أول من يعلم بما يقع من أمور مهمة وكبيرة، وهو أوّل من يتصدّى للحدث الكبير، ولا ينتظر أن يسبقه مرؤوسيه إلى ذلك.
في العراق هذا البلد الإسلامي الذي يتعرّض إلى موجات من العدوان، على القادة أن يدرسوا حياة الرسول، وسياسته في الشجاعة، وأن يروا فيه النموذج الذي يمنحهم خبرة في إدارة شؤون المسلمين، وفي إدارة المعارك، وفي التحلّي بالشجاعة.
هكذا يحثّهم سماحة المرجع الشيرازي فيقول لهم بكلمات صريحة: (ليس على قادة المسلمين ـ من أتباع الرسول صلي الله عليه وآله ـ إلاّ أن يتّخذوا مثل ذلك شعارهم الذي يعرفون به حتى يكون المسلمون باطمئنان في وصولهم إلى الغاية في مسيرتهم السياسية الطويلة والشائكة).
تتداخل اليوم الأحداث السياسية، وتتغلف الأطماع بأغطية شتى، ويحيط بالمسلمين، أعداء بالكلمة والعقيدة والرأي، وأيضاً المسلمون مهدّدون بالسلاح، فثمّة أعداء عيونهم على أرض المسلمين وخيراتهم وثرواتهم، لا نبتغي الإساءة لأحد، وليس عندنا نيّة التجاوز على أمة أخرى أو حتى فرد واحد، نحن أمة الإسلام طريقنا السلام، ومنهجنا المحبّة وفي قلوبنا تكمن شجاعة البشرية كلها.
قادتنا، ساسة المسلمين، محط أنظار الجميع، يرمقونهم بنظرة الإعجاب، الكل يبتغي التمثّل بهم، فقادة المسلمين اليوم يجب أن يتحلّوا بالشجاعة وأن يتشبهوا بقائدهم الأكبر الرسول العظيم صلى الله عليه وآله، الجميع من أفراد الأمة يرصدون هؤلاء القادة، في كلماتهم، حركاتهم، مواقفهم، شجاعتهم، القائد نموذج لعامة الناس، إذا كان شجاعا، شعبه شجاع، ومقاتلوه شجعان.
في العراق، كم نحن بحاجة إلى قادة شجعان، الشجاعة لا تعني فقط إجادة استخدام السيف أو أنواع السلاح الأخرى، الشجاعة أن يتعلّم القائدة إدارة شؤون شعبه بنجاح، وكيف يتصدّى لأعدائه بنجاح، وكيف يكون النموذج اللائق للأمة بحسب قول سماحة المرجع الشيرازي الذي يرى:
أن (الأمم ترمق إلى قادتها، وتتبلور حياتها السياسية بأسلوب قادتها، فالقادة الشجعان تربّي الأمة الشجاعة، والعكس بالعكس).