شبكة النبأ: (ما أكثر الذين عذّبوا وقُتلوا من أجل ذكر اسم أهل البيت سلام الله عليهم) المرجع الشيرازي
أثبتت الدراسات المتخصصة أن عالم اليوم تنقصه العدالة، وتسوده ظاهرة التصادم بين الإرادات المختلفة في قوتها وحجمها، بسبب النزعة الفتاكة لحماية المصالح القومية بكل الوسائل المتاحة، حتى غير المنصفة وغير العادلة منها، فالجميع يلجأ إلى كل الوسائل والأدوات التي تحمي مصالحه، غض النظر عن معايير العدالة والإنصاف والمساواة، وهذا ما جعل من عالم اليوم متوترا محتقنا مصابا بأورام ببؤر النزاعات والتصادم، حتى وصفه كثيرون بأنه عالم محكوم بقانون الغاب.
هذه التوطئة تؤكد بأننا بحاجة إلى التغيير لإيجاد نظام عالمي جديد يقوم على أسس العدالة والمساواة وكبح الاحتكار والتفرّد بقيادة البشرية، فالتفرد والطغيان يعود بالجميع القهقرى، وليس هناك طغيان عادل وآخر ظالم، فأينما وُجِد التفرد والطغيان ساد الظلم والتوحش، وهذا يدل بصورة قاطعة بحاجة العالم كله إلى مبادئ الإسلام.
فهل وصلت رسالة الإسلام إلى العالم أجمع، وهل اطلعت البشرية على المبادئ والأفكار السمحة العادلة المتوازنة لأفكار وسيَر أئمة أهل البيت عليهم السلام؟، الإخفاق في الإجابة هذا السؤال يؤكد أن الخلل يكمن في عدم قدرة المسؤولين على إيصال رسالة الإسلام والمبادئ النبوية الشريفة، وأفكار الإمام الحسين والأئمة الأطهار، وهو خلل يتحمله المسلمون بدرجات متباينة.
فعلماء التبليغ تقع عليهم النسبة الأكبر، لاسيما في ظل الظروف الراهنة مثل توافر وسائل الإعلام المحدَّثة، ووجود الحريات الأفضل نسبيا عمّا كانت عليه في السابق، لذلك تقع علينا جميعا مهمة التغيير العالمي، من خلال التمهيد وإنجاز المقدمات المساعدة على إحداث التغيير العالمي المطلوب، وهي وإن كانت مهمة معقدة وكبيرة لكن تهيئة المقدمات الصحيحة تعني فيما تعنيه أملا بتحقيق الهدف المنشود.
المبادئ وتغيير النظام العالمي
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيمة:
(إن مسؤوليتنا اليوم في ظلّ المتاح من الحريات أكبر بكثير من السابق؛ والمهمة واحدة وهي الإيصال. علينا أن نوصل رسالة الإسلام والتشيع إلى العالم أجمع ولا شك أن هذا يتطلّب الكثير من العمل، وبحاجة إلى طاقات ومقدّمات كثيرة).
المهمة إذن هي التخطيط والعمل لإحداث تغيير عالمي في ضوء مبادئ الإسلام والتشيّع، وهي مبادئ يعرفها المسلمون وآمنوا بها، فالإسلام هو رمز ومنبع العدالة، والتشيّع هو الرمز الأعظم لرفض الظلم والاستبداد، هذا هو الإطار المبدئي لرسالة الإسلام والتشيّع، وفيما لو تمّ العمل المنظّم المدروس والحثيث لإيصال مضامين الرسالة النبوية والتشيّع لأفراد العالم أجمع، فإن عالمنا سوف يكون في حال أفضل.
المهمة الأولى هي عملية تغيير النظام العالمي الذي يقوم على التمايز والعنصرية والاحتكار وإلحاق الغبن بالأمم والدول الأقل قوة من سواها، وهذا معيار يرتكز على مبدأ القوة المنفلتة، غير المقننة أو المحكومة بقوانين وتشريعات دولية تشمل الجميع، وهذا الهدف العالمي الضخم لا يمكن تحقيقه دون عمل دؤوب وهائل يستهدف التغيير المطلوب في الأفكار والمبادئ والسلوكيات التي تحكم عالم اليوم، وهو أمر ممكن ولا يقع في باب المحال.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (يمكن التغيير حتى بأبسط الوسائل ولكن ذلك يتطلب جهداً وعملاً دؤوباً).
هنا تكون الحاجة للعقل المتخصص كبيرة، على أننا نؤمن بأن الجميع مشمول بالتمهيد للتغيير الأخلاقي المبدئي على المستوى العالمي، ولكن تبقى الإمكانيات متعلقة بطبيعة العقل المتخصص، فعلماء التبليغ هم الأكثر قدرة من غيرهم على توصيل الرسالة الإسلامية إلى الآخرين بصورة واضحة سهلة ومقنعة، ولا يصح حصر هذا التوصيل بالمسلمين، فالبشرية كلها تعيش في بوتقة الظلم العالمي.
طالما أننا كبشر نقبع تحت أغلال نظام يقوم على الاحتكار والقوة والصرع والتصادم النفعي، فإن الاستبداد وانتفاء العدالة يطولنا شئنا أم أبينا، علماء التبليغ (رجال الدين) مهمتهم في غاية الصعوبة، لكنها ليست مستحيلة، وعملهم لن ينحصر في المحيط الإسلامي، وإن كانوا مطالبين تنقية الذات أولا، لكن تبقى مهمتهم ذات بعد عالمي، لاسيما في ظل نظام سياسي اقتصادي عالمي لا يعبأ بويلات الأمم ولا بالمجاعات ولا بالجهل والأمراض التي تفتك بالأغلبية فيما يتنعم أقلية بثروات الأرض.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يخاطب علماء التبليغ قائلا:
(رسالتكم أيها العلماء الإبلاغ للعالم أجمع. ولا تنحصر مهمتكم في الإيصال للعالم الإسلامي وحده).
الانتقال إلى عصر النور
ومما يثبت عدم استحالة التغيير المطلوب، أن عالمنا حينما كان يعيش في عصر الظلمات، استطاع العلماء المبلغون من إحداث التغيير اللازم، فقدموا في تلك الأزمنة الغابرة رغم حلكتها، إشعاعات نورانية أضاءت العقول وغيرت النفوس وجعلتها مستعدة للتعامل المختلف مع الأنظمة القمعية المستبدة التي كانت سائدة آنئذ، فتغيّر العالم وانتقل الإنسان من الظلام إلى النور رغم أن الإمكانيات كانت ضئيلة قياسا لعالم اليوم كحداثة الإعلام والتوصيل.
عالم اليوم يتيح متغيّرات لا حصر لها، كلها تصب في صالح إمكانية التغيير، وهي دعامات قوية لصالح علماء التبليغ وغيرهم، الانفتاح المعاصر يفتح أبواب التغيير بأوسع ما يمكن، وفرص نشر المبادئ والأفكار الجيدة تضاعفت، ومهمة كبح النظام العالمي الاحتكاري المستبد أصبحت أسهل من ذي قبل، ولابد من استثمارها على أفضل وجه، لاسيما أننا كمسلمين نعاني من أنظمة فاشلة، فضلا عن معاناة البشرية كلها من نظام عالمي يقوم على مرتكزات الطغيان، كالاحتكار والقوة والتفرّد السلطوي السياسي والاقتصادي.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكد على فرص التغيير الممكنة في عالم اليوم، فقال: (لقد استطاع المبلغون الصادقون أن يُحدثوا التغيير الكبير رغم صعوبة الظروف وقلة الحريات وضعف الإمكانات ووسائل التعبير والإيصال في السابق، فلماذا لا نتوقع التغيير ونحن في هذا العصر الذي يمتاز بالانفتاح والحريات؟).
وما يزيد فرص التغيير تلك الأدلة السابقة والموثقة تاريخيا عن إمكانية التغيير، وهذا يشكل حافزا للعلماء والخطباء وكل من يسعى لإعطاء العالم وجها أكثر نضارة ونورا وعدلا، فقد آمن بمبادئ الرسالة الإسلامية وبالتشيع علماء من النصارى وحتى اليهود في تلك الأزمنة البعيدة، مع ضعف وسائل التغيير، فما بالنا اليوم مع كل الوسائل والظروف المساعدة والمتوائمة مع نشر مبادئ الإسلام والتشيع على المستوى العالمي؟؟
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لا يحدثنا التاريخ عن التغير بين علماء النصارى فقط، بل كان هناك أيضاً من اليهود من أسلم وتشيّع. وقد نقلوا قصصاً عنهم في العراق وغيره. ومنهم من ألّف كتبا بعد تحوّله وهم ليسوا قلّة).
ويؤكد سماحته على أننا ينبغي أن (نتحمل الصعوبات في طريق إعداد مقدمات الوجود لإيصال رسالة النبي والأئمة عليهم السلام الى العالم).
ويبقى الهدف الأول والأخير هو تنظيف الجشع العالمي وإزالته كليّا، ومقارعة عقلية الاحتكار، والانتصار لمبدأ العدالة عالميا، والقضاء على الاستبداد بجميع صوره، وهي مهمة استثنائية تحتاج إلى مبادئ استثنائية، مطلوب أن ينهض بها جميع البشر، ومن باب أولى أن يبادر ويستمر المسلمون المبلغون خصوصا وغيرهم، بالسعي لإسعاف البشرية بنظام عالمي جديد تكون العدالة لحمتهُ وسداه.