شبكة النبأ: لكل فكرٍ بنّاء مناصرون ومناهضون، هذا ما تتحدّث عنه تجارب الثوّار ودعاة الأخلاق والدين والإنسانية، فمثل هذا الفكر لا يجد الترحيب من الحكّام وحكوماتهم ومعاونوهم من أصحاب المناصب الحسّاسة، لأن الفكر الخلاق لن يسمح لشلةٍ من الطغاة أن تستأثر بالسلطة على حساب الفقراء والبسطاء من عامّة الناس، بل وحتى الأغنياء الذين يصبحون في حالة ثراء بجهودهم وكدّهم وسعيهم وذكائهم، وليس بموالاتهم للحكّام الظالمين، فليس كل الأغنياء والأثرياء هم من مناصري الحكّام الطغاة، لهذا يسعى الفكر الحسيني لجعل الحكومة شرعية مصدرها الشعب.
هذا السعي لا يروق لمن يريد أن تتركّز السلطة في يده حصراً، ويجمع حوله معاونين ممن لا يخشون الله ولا يلتزمون تعاليم الدين ومبادئه، ولا يردعهم عرف أو رادع ذاتي ولا حتى قانون يمكن أن يقف بوجوههم، فمصالحهم كما يُقال خط أحمر، وهم مستعدون لحمايتها حتى لو تم ذلك بالتحايل والفساد وقتل الآخرين أو إجبارهم على الصمت بالقوة.
هذا الانحراف حدث في عصر الخلافة الأموية، في عهد معاوية الذي استحدث (خلافاً لسنّة الرسول صلى الله عليه وآله مبدأ توريث السلطة، فأعدّ ابنه يزيد لتسلم الخلافة من بعده، وفوق هذا الخرق الفاضح في السيطرة على السلطة، كان يزيد حسب وصف المؤرّخين كافّة، غلاماً طائشاً لاهياً ساهياً تتحكّم به نفسه الوضيعة وتقوده الى مستنقع الرذيلة والانحراف.
مثل هذه الأوضاع الظالمة لا يقبل عنها الإمام الحسين سبط الرسول ونجل الإمام علي عليهم أفضل الصلاة والسلام، فخرج الحسين على يزيد معلنا الثورة عليه، وقد أعدّ صلوات الله عليه العدّة لمقاتلة يزيد بعد أن وصله كتاب من سفيره مسلم بن عقيل عليه السلام يحمل له رسائل آلاف المؤيّدين، بيد أن هؤلاء نكثوا بوعودهم وتخلّوا عن الإمام الحسين بالترهيب والترغيب.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بكلمة قيمة وجّهها إلى المسلمين: (من المؤسف له أن المعتقدين بالإمام صلوات الله عليه وأتباعه تنحّوا جانباً ولم يقدّموا أيّة نصرة. وهذه المسؤولية لم تنتهي، بل هي على عاتقنا نحن المسلمون، ولذا يجب علينا أن نهيّئ مقدمات وجود ذلك، كل حسب قدرته).
وعندما خرج الحسين صلوات الله عليه الى العراق، أعلن أمام رؤوس الأشهاد، أنه يرفض نهج يزيد وظلمه وأنه إنما خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كي يحدّ من نزعة الشرّ والطيش ليزيد الذي استأثر بالسلطة واستهان بالإسلام والمسلمين.
فكما ورد في كلمة سماحة المرجع الشيرازي: (قال مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه عندما عزم على الخروج إلى العراق: (أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب) صلوات الله عليهما وآلهما. فحال الأعداء دون تحقّق هذا الهدف، وقتلوا الإمام صلوات الله عليه).
وجوب الإسهام في تعزيز الشعائر الحسينية
ومنذ تأريخ خروج الإمام الحسين صلوات الله عليه ضدّ يزيد وبطانته، وحتى هذه الأيام التي يحيي فيها المسلمون مراسيم زيارة الأربعين، لا يزال الصراع مستمراً بين أتباع الحسين صلوات الله عليه، بالضدّ من أولئك الذي لا زالوا يؤازرون منهج يزيد وظله على حساب الإسلام، لذلك ثمّة إصرار لا حدود له على مواصلة وأد الفتنة وتصحيح الانحراف، وكبح جماح الشر متمثلاً بمن يسير في خط يزيد المنحرف، على حساب مصالح المسلمين، إنّ الله تعالى أراد للنهضة الحسينية أن تبقى قائمة وفاعلة بالضد ممن يسعى لجرّ المسلمين الى الوراء، في حين يسعى أتباع أهل البيت الى تثبيت القضية الحسينية وجعلها شامخة على الدوام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الأمر: (يجب الاستفادة من موسم العزاء والمصيبة، والسعي في طريق تحقيق أهداف أهل البيت صلوات الله عليهم، بالأخص أهداف النهضة الحسينية. فإنّ الله تعالى هكذا أراد للقضية الحسينية، وهكذا أرادها راسخة وشامخة. وكذلك شجّع الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم على إحياء الشعائر الحسينية المقدّسة).
بطبيعة الحال سوف يواجه أتباع الحسين صلوات الله عليه ومؤيّدوا النهضة الحسينية متاعب وضغوطات لا حصر لها، ولكن عليهم الثبات وإظهار الاستعداد التام والتشبّث والتمسّك بالعقيدة والدفاع عنها بكل غال ونفيس، ولابدّ من البحث عن السبل والوسائل والطرق التي تساعد في نصرة الإمام الحسين والقضية الحسينية، وحتماً أن إحياء الشعائر ومراسيم الأربعين والمناسبات الدينية كلّها تصبّ في هذا الاتجاه، وتجعل من القضية الحسينية واقعاً لا يمكن لأحد أن يقف بالضدّ منه إلاّ أولئك المعاندون الخاسرون في الدنيا والآخرة، لذا على أتباع الإمام الحسين التمسّك بنصرته مهما كانت التضحيات والصعوبات التي تواجههم.
لذا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في كلمته هذه: (يجب إبقاء هذا الشعائر حيّة وفاعلة أكثر، فإذا رأيتم الضغوطات عليها في مكان ما من العالم والموانع، فاعلموا أنها في أماكن أخرى لا ترى ذلك. فيجب تحمّل الضغوطات، وهذه من خصائص قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه).
الإصرار على زيارة الحسين صلوات الله عليه
على مدى التاريخ لاحظ المتابعون والمؤرّخون أن هناك تضاد يصل الى حدّ الصراع بين أصحاب السلطة من الحكّام والحكومات الظالمة وبين الفكر الحسيني والشعائر التي تعاضد هذا الفكر وتجعله أكثر وضوحاً وقرباً من الأتباع والمؤيّدين والمسلمين، ولا شكّ أن سبب هذا الصراع يعود الى رفض الفكر الحسيني لأي حالة من الطغيان مهما كان حجمها أو نسبتها في إدارة شؤون الدول والإسلامية وشعوبها.
فالظلم غير مقبول، والتجاوز على حقوق الناس غير مقبول، أما الفساد والفاسدين والتحايل والخداع فهي أساليب يرفضها الفكر الحسيني خاصة أن هناك جهات وشخصيات تتخذ من الحسين واستشهاده وقضيته غطاء لها كي تربح وتحقّق أطماعها من خلال استغفال البسطاء والشريحة الأكبر من المسلمين، لهذا يرفض الإمام الحسين مثل هؤلاء، وهم في الغالب أصحاب السلطة المتجاوزة والمقرّبون منها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (قال أحد الأصحاب الثقة للإمام الصادق صلوات الله عليه أني أخاف من ثلاثة عند ذهابي إلى زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، أحدهم السلطان الذي يسمّي نفسه خليفة. وهذه القصة ترجع إلى زمن الأمويين والعباسيين، وهم وجهان لعملة واحدة. واعلموا أن كل حاكم يستلم السلطة والقدرة يعادي الإمام الحسين صلوات الله عليه والشعائر الحسينية ويكون بضدّهما).
وعلى هذا الأساس ومن أجل إدامة الوقوف بالضد من الطغاة والظالمين والفاسدين، فإن ذلك يستدعي إدامة حضور الفكر المناهض للسلطات المسيئة والقائمين على إدارتها والمقرّبين منها، وهذا يتطلّب أن تكون الشعائر أقوى وأكثر وأوسع حضوراً حتى يكون تأثيرها على الفاشلين من الساسة قويّاً ومؤثّراً، كما تمكّنت من هزيمة منهج معاوية وابنه يزيد، حيث انتصرت عليهم، ودفعت بهم إلى مزابل التاريخ، في حين بقي الفكر الحسيني مضيئاً متوهّجاً على مرّ التاريخ، وفي كل يوم جديد يزداد الأتباع والمناصرون للقضية الحسينية.
على الرغم من أن أصحاب السلطة والحكومات الظالمة لم تتأخّر قيد أنملة عن اللجوء إلى أبغض الأساليب وأشدّها ضراوة ضدّ الناس البسطاء لكنهم الأقوياء في مناصرتهم للفكر الحسيني، بالضدّ من مناهج الحكم الظالمة التي تحاكي المنهج الأموي المنحرف الذي لم يتورّع عن استخدام أبشع وسائل وطرق التعذيب والقتل حتى مع أئمة أهل البيت عليهم السلام.
لذلك يرد في كلمة سماحة المرجع الشيرازي نفسها: (بعد استشهاد الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، كتب الإمام الحسين صلوات الله عليه رسالة إلى معاوية، قال فيها: (فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره). فحسب الروايات الشريفة، وبالصمود والمقاومة أمام أمثال معاوية، وبناء على عمل المعصومين صلوات الله عليهم، يجب أن تكون الشعائر الحسينية المقدّسة أوسع وأكثر إظهاراً).