LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العلماء ومسؤولية تربية الشباب بالقول والعمل
رمز 341
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 27 ديسمبر 2016
شبكة النبأ: هل يحتاج الشباب بالفعل الى حملات تثقيفية منتظمة، تساعدهم على مواجهة الوافد الدخيل من الثقافات المضادّة لقيمنا وعقائدنا وأعرافنا السليمة؟ سؤال يبدو أنه بديهي، وربما لا يحتاج الى تأكيد، أو إجابة غير متوقّعة، فالمتوقّع أن شبابنا بالفعل هو بأمسّ الحاجة الى الثقافة والوعي الآن، لاسيما أن العالم بات مكشوفاً للجميع، ولا توجد حواجز يمكن أن نحمي بها شبابنا من الحملات المضادة التضليلية التي تستهدف محو قيمنا وثقافتنا.
نعم ليس من باب الشعور بالحذر العشوائي، أو غير المحسوب، أو المبالغ به، نعم يواجه شبابنا اليوم، تيارات ثقافية دخيلة تصل إليهم عبر منافذ ومسالك وسائل الإعلام والاتصال التي بات من الصعب حصرها أو مواجهتها بالمنع وما شابه من إجراءات مانعة، إنما علينا معالجتها بأساليب معاصرة مضادة لها، ونعني بذلك المواجهة بالتحصين الثقافي والتوعية القائمة على مدار الساعة، لاسيما شريحة الشباب التي عادة ما تكون الأسرع تأثّراً وتضرّراً بالثقافات الدخيلة التي تبغي زعزعة ثقة الشباب بإرثهم الديني والعقائدي والثقافي.
لهذا السبب يحثّ سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، على وجوب إنقاذ الشباب من هذا الاستهداف المنظّم والمريب، حيث يقول سماحته في كلمة توجيهية له حول هذا الجانب:
(يجب العمل على إنقاذ الشباب، وهذا الأمر ممكن، ولو تدريجياً). ولكن مَن الجهة أو الشخصيات التي ينبغي أن تتصدّى لهذه المهمة الكبيرة التي يمكن وصفها بالصعبة والشاقّة أيضاً؟ لا شكّ أن العلماء هم في صدارة المسؤولية عن هذا التصدّي، وعن القيام بهذا الدور التثقيفي للشباب وغيرهم من الفئات العمرية الأخرى، وعلى العلماء العمل بشكل دائم من أجل صنع الأجواء الصالحة، أو البيئة الجيدة التي يمكن أن تنعكس على أفكار وأفعال الشباب بصورة فعّالة ومؤثّرة.
فكما يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: إنّ (الأجواء الصالحة تربّي جيلاً صالحاً.. والعكس بالعكس أيضاً). وقد يكون عدم توافر هذه الأجواء السليمة، سبباً في تعرّض العديد من الشباب الى مخاطر الضياع التي تتسبّب به قلّة الهداية، وعدم القيام بما ينبغي في هذا الإطار لحماية شبابنا من الانزلاق في مسالك الانحراف والعبث المدمّر، لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي الى مدّ يد العون للشباب وسط هذا الخطر الذي يحيق بهم.
يقول سماحته في الكلمة نفسها: (الكثير من الشباب يمكن هدايتهم بشيء أو بأمر بسيط أو صغير. فمما يبعث على الأسى والتأسّف انّ العديد والعديد من الشباب أصبحوا اليوم في طريق الضياع).
هداية الشباب واجب شرعي
وهكذا يرى سماحته، أنّ دور العلماء يتصدّر جميع الأدوار فيما يتعلّق بتوجيه الناس، والشباب منهم يستحقون جهوداً مضاعفة في هذا الإطار بسبب حساسية العمر، واحتمالية أن ينساق الشباب مع تيارات ثقافية مضادّة، وربما يحدث انحراف عقائدي بسبب هذه الثقافات المغرضة التي تتكالب على شبابنا من جميع الجهات الإعلامية بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التوصيل الإعلامي المتعدّدة.
خاصّة أنّ الساحة باتت مفتوحة للجميع، وصار العالم مكاناً واحداً يتمّ بث كل الأفكار فيه دفعة واحدة، حتى باتت حماية الشباب منها أمراً بالغ الصعوبة، فالمنع أو الحجب وسواهما من أساليب مقاربة لم يعد يجدي نفعاً، لذا فإنّ الهداية هي الأسلوب الأفضل لمواجهة الانحراف، ويبقى دور العلماء هو الأقوى والأهم في هذا المجال.
كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في الإطار: (العلماء يمكنهم تربية الناس، كل حسب قدرته وطاقته، وذلك بالقول والعمل).
ثم تتضح لنا بصورة جلية مهمّة تحصين الشباب على أنها قضية شرعية، فهداية الناس عموماً ومن بينهم شريحة الشباب أو في المقدّمة منهم، يوجد عليه تأكيد شرعي، وعندما يبادر العلماء في هذه المهمة ويتواصلون فيها، فإنّهم إنما يجنّبون بذلك ملايين الشباب المسلم مخاطر السقوط في براثن الثقافات المغرضة والمبطنة، فهي تبدو في الظاهر ذات منهج إنساني متطوّر، وما أن ندخل في عمق مضامينها حتى نكتشف الخطر الكبير الذي تنطوي عليه لاسيما في قضية نشر الانحلال والتفسّخ المجتمعي، حيث تبدأ هذه المهمة بالشباب أولاً، كونهم يمثّلون حجر الزاوية في متانة وحصانة الأمة.
لهذا السبب يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية القيمة على: (إنّ هداية الناس واجب شرعي مميّز، وواجب أهل العلم لا ينحصر بأنفسهم فقط بل هم مسؤولين عن غيرهم أيضاً.. وهذا يحتم على أهل العلم حسب قدرتهم وإمكانهم أن يسعوا في تهيئة الأجواء الصالحة لهداية الآخرين).
ما هي مهمات رجال الدين؟
بالطبع حملات التثقيف تحتاج الى خطط عمل يعدّها متخصّصون، ويشرف عليها أصحاب الخبرات المتراكمة، على أن يبدأ ذلك بالشباب وتشجيعهم وحثّهم على المطالعة، لاسيما أولئك الأكثر التزاماً من بينهم، حتى يتسنّى لهم تعليم الآخرين، والتأثير عليهم بصورة جيّدة، فالشباب إذا تحلّوا بالاستقامة سيكون بإمكانهم التأثير المضاعف على أقرانهم، بسبب التقارب في السن فيما بينهم، فضلاً عن التقارب في الأفكار والصفات وما شابه.
ومع أن التثقيف ومضاعفة الوعي لدى المجتمع عموماً، والتركيز على الشباب، يعدّ من مسؤوليات رجل الدين، ولكن مع ذلك لا بأس في أن يشترك الشباب المتنوّرون والمبادرون المتميّزون في مساعدة أقرانهم من الشباب، ثقافياً وعقائدياً، من أجل تحصينهم وحمايتهم من الثقافات الوافدة، فكما يحذر العارفون، أن أخطر ما يمكن أن يواجهه الشباب هي الأفكار الغريبة المشوّهة التي تسعى الى تدمير ثقة الشباب بإرثهم الثقافي والعقائدي، لذا ينبغي أن يتصدّى رجل الدين لمهمة تحصين الشباب وحمايتهم من الموجات الفكرية المغرضة.
في هذا السياق يقول سماحة المرجع الشيرازي: (يجب تشجيع الشباب وحثّهم على المطالعة، بالأخصّ الملتزمين منهم، حتى يمكنهم هداية أقرانهم من الشباب الضعفاء علمياً ودينياً. وهذا العمل لا شكّ هو عمل رجال الدين بالأولى).
ومما زاد في الطين بلّة وجعل الشباب في مواجهة صعبة وخطيرة أمام الغزو الثقافي، أنّ وسائل التوصيل بات غير محدودة ومتعدّدة السبل والطرائق، فهناك القنوات الفضائية التي تعرض الأفلام والبرامج المخطّط لمضامينها مسبقاً بما يجعلها مؤثّرة على ثقافة الشباب وأخلاقهم ومعتقداتهم، فضلاً عن وسائل التوصيل الأخرى ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث باتت الثقافات والأفكار قادرة على طرق جميع الأبواب وفتحها بلا استئذان، ما يعني إمكانية الهجوم الفكري التخريبي على عقول وأذهان الطبقة الأوسع في المجتمع، وبالتالي قيادتهم في مسالك وطرق مليئة بالغموض والانحراف.
لذا ينبغي العمل على إنقاذ الشباب من الغزو الثقافي المنظّم، بوسائل دفاعية فكرية عقائدية منظّمة وقوية، وهذه المهمة لا يمكن لكل من هبّ ودب أن يقوم بها ويتحمّل مسؤوليتها، بل لابدّ أن يكون المتصدّي لها ذا خزين فكري عقائدي كبير ومتميّز يمكنه من التأثير في عقول الشباب وتحصينهم بهدف حمايتهم ثقافياً وفكرياً وعقائدياً من الهجوم الثقافي التخريبي المتعدّد الأغراض والوسائل والأهداف.
من هنا يأتي تركيز سماحة المرجع الشيرازي على هذا الموضوع ومنحه أهمية قصوى، إذ يقول سماحته محذّراً ومنبّهاً: (يجب الاهتمام بالشباب ورعايتهم وإنقاذهم من الكمّ الهائل من الغزو الثقافي والهجمة التضليلية الواسعة، ومن الفساد الأخلاقي والعقائدي الذي يتعرّضون له عبر ألوف القنوات الفضائية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والمتنوّعة).