شبكة النبأ: تتكشّف الأغطية وتُعلَن النوايا والمواقف، حول وحدة العراق وسيادته، وتكثر المحاولات الهادفة إلى إدخاله في لعبة المحاور والتحالفات التي لا تخدم شعبه، ولا تضمن استقرار الدولة، ولا تسمح للعراقيين بمواكبة التطورات العالمية في شتى المجالات، ولا جديد في كلامنا عن معاناة العراق من حكوماته السابقة، ومآسيه من القمع والظلم والحروب الخارجية والداخلية، حتى كأنّ هذا الشعب مكتوبٌ عليه العيش في ظل أزمات لا أول لها ولا آخر.
لدرجة أن جميع العراقيين اليوم يعانون من أزمة معقدة، ظاهرها وفحواها سياسي، لكنها تمتد لتشمل الاقتصاد والاجتماع والتعليم والصحة، لهذا فإن كل عراقي اليوم يعاني من هذه الأزمة المتعددة الجوانب، والجميع يعرف بطبيعة هذه الأزمة التي يمكن تلخيصها، بأنها صراع بين كتل وأحزاب سياسية منتفعة تمسك بزمام السلطة، وبين الشعب الذي يكافح من أجل استرداد حقوقه، واستعادة وطنه الذي تسعى جهات إقليمية ودولية لتطويعه في محاورها وأهدافها.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيمة حول العراق:
(في الوقت الحاضر تضاعفت الأزمة بالنسبة إلى كل فرد عراقي، والجميع يعلم سواء عن طريق وسائل الإعلام العامة، أو من طرقهم الخاصة، أن العراق يمرّ بأوضاع معقّدة جدّاً، لا يعلم مداها ومنتهاها إلاّ الله).
وما يزيد الأوضاع العراقية تعقيداً، تعدّد الأزمات التي تعصف بالعراق، فهي لا تنحصر في السياسة، ولا تتعلق بالسيادة وحدها، بل تتجاوز ذلك إلى مشاكل معنوية ومادية، منها ضبابية الهوية الجامعة للعراقيين، وجعله عرضة للتدخلات الخارجية، وتواجد الأذرع التي تعلن جهارا نهارا ولاءَها للخارج، وتهمل الولاء للعراق أو تضعه في درجة أقلّ، وهذا ما يؤدّي بالنتيجة إلى أزمات متداخلة، معقّدة، تتوالد من بعضها البعض، لتُدخل العراقيين في أزمات ومصاعب لا سقف لها.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بقوله:
لقد (أُبتليَ العراق اليوم، رجالاً ونساء وشباباً، بأزمات مزدوجة, فهو ومنذ خمسين عاماً ينتقل من أزمة إلى أزمة، ومن أمر شديد إلى أمر أشدّ، ومن صعب إلى أصعب).
فشل المحاولات الآثمة لكسر إرادة العراق
أزمة العراق الحالية معروفة أسبابها وتراكماتها، وقد لمس العراقيون نتائجها المؤلمة من وقت مبكر، ولاحظنا أن الأزمة الحاليّة لا تزال مغلقة بلا حلول واضحة ولا حتى آفاق محتملة للحل، والكل يعرف أن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هي محصلة لتراكم أخطاء متكررة ومتصاعدة عمرها عقود من الزمن.
وإذا فصلنا بين عهدين، الدكتاتوري قبل 2003 والديمقراطي بعد هذا التاريخ، فإننا سنكتشف أخطاء كثيرة وقع فيها ساسة النظام الديمقراطي (الأحزاب والكتل والشخصيات المستقلة)، وبدلا من أن يكونوا قادة الخلاص والإنقاذ وتعويض العراقيين عما لحق بهم، صاروا من صنّاع الأزمات والفقر للعراقيين!.
هذا هو المشهد اليوم، لا يحتاج إلى تفصيل أو تأكيد، فهو مرئي من قبل الجميع، ويؤكّد الخلل في إدارة السلطات، لكن يبقى هناك دور لكل مواطن ينتمي للعراق، هذا الدور يمكنه أن يساعد في حلّ تعقيدات الأزمة، فكل عراقي اليوم تقع عليه جزئية من (كلية الحلول) تتصدرها أقصى درجات الوعي، والتسلّح بالصبر، والتمسّك بالقيم النبيلة، والإسراع في مساعدة الآخرين، والتلاحم بين أفراد الشعب لمواجهة النواقص والاحتياجات في الأمور المختلفة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) يؤكّد على هذا النوع من تلاحم العراقيين فيقول:
(على أحبّتنا في العراق أن يلتزموا الصبر والتقوى والتوكّل على الله, والسعي في سبل الحياة طلباً للرزق, كما على المؤمنين واللجان الخيرية أن يسعوا في قضاء حوائجهم وتسهيل أمورهم).
العراق اليوم يحتاج جهودا جبّارة لتفتيت الجمود السياسي المعقّد والعقيم، وبالدرجة نفسها يحتاج العراقيون إلى التعاون والتقارب والانسجام، عبر تجميع الطاقات والموارد المختلفة، لصنع قاعدة متينة متنوعة للتكافل الاجتماعي، الذي من خلاله يمكن تهوين الكثير من مصاعب العراقيين، وهذا يعني أننا يجب أن نقدّم شيئا ما، ونبذل كل ما في وسعنا لتأمين الخطوات اللازمة لصنع مستقبل آمن ومزدهر للعراق، ولا أحد يُستثنى من هذا الإسهام الذي لن يُعفى منه أحد.
الحقيقة لا يمكن أن نتصوّر تردّد أحدنا عن القيام بمثل هذه الواجبات الجماعية، فالكل تقع عليهم أعباء النهوض بالعراق، بدءاً من التصدي للمصاعب والمشكلات ومعالجة الثغرات، وليس انتهاءً بإسهاماتنا في تقديم الرؤى والخطط الكفيلة بتخليص العراق والعراقيين من دوّامة الأزمة السياسية التي تعصف بهم، يتحقق هذا حينما نؤمن جميعا بأننا معنيون بالوقوف إلى جانب أنفسنا كعراقيين مطالَبين بفهم هذه المرحلة الحرجة، وكيفية التعامل معها.
الفرد العراقي، الجماعة، المؤسسة، المنظمة، الجمعية، الكل يتحمَّل مسؤولية بقدر أو حجم ما، بحسب المقدرة، وليس مقبولا التنصّل من هذه المهمة، فنحن شركاء بالوطن، المركب الواحد، وأي تهاون أو تراجع أو تخلي عن المسؤولية سيكون عاملا مساعدا على ديمومة الأزمة وتجددها حتى في حالة وضع الحلول التي لا تعدو كونها فاشلة أو هزيلة، لذلك لا يصح لأحد أن ينأى بنفسه تحت أي تبرير أو أعذار عن أداء الواجب والمسؤولية في النهوض بالعراق!.
وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هل من الممكن أن يتصوّر أحد منّا أننا لسنا قادرين أن نفعل شيئاً حيال مستقبل العراق؟!).
إجراءات من شأنها حماية العراق
بالطبع هناك من لا تروق له وحدة العراقيين، وهناك من يجد فيها تهديدا لمصالحه، مثلما هناك من يرى في استقلال صناعة القرار تهديدا لنفوذه ومصالحه، ولكن في كل الأحوال لابد من صنع النسيج الرؤيوي الموحِّد للعراقيين، بما في ذلك محو أو تخفيف مستوى الخلافات بين الأفراد مع بعضهم، والجماعات فيما بينها أيضا، من ضمنها الصراعات العشائرية مثلا.
وحتمية رصّ الصفوف وتوحيد الكلمة، بعد وضع الأهداف والتخطيط لانجازها، يمكن أن يشكل خارطة طريق للنهوض بالقرار الوطني الذي يبعد العراق وأهله عن التورّط في التحالفات الدولية والإقليمية، وإذا كانت المصالح الخارجية لا تعنيها حياة العراقيين ولا حقوقهم، فيجب أن لا يؤثر هذا على إصرار العراقيين أنفسهم في تمتين وحدتهم وتعزيز تلاحمهم وجمع كلمتهم، من خلال رفع مستوى الوعي الثقافي والسياسي والاقتصادي إلى أعلى درجة ممكنة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) يقول: (من أهم ما يجب على الجميع في العراق اليوم، هو جمع كلمة المؤمنين، وذلك بنبذ الخلافات القبلية والإقليمية والفئوية، وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه).
لاسيما أن الشعب خبَرَ الدسائس والأحابيل التي يتخفّى وراءَها تلك الجهات الخارجية والداخلية التي تطمع بثرواته، وتقف حجر عثرة ضد وصوله إلى حياة كريمة معزّزة بنظام سياسي ديمقراطي استشاري مستقل، يصنع قراره بسيادة غير منقوصة، ويدير ثرواته بما يعوِّض العراقيين عن عقود الحرمان والقمع والفقر بكل أشكاله.
لا يجب للعراقيين السماح للمنافقين والمنحرفين هدر سيادتهم وتحطيم دولتهم، وتدمير مستقبلهم، فمحاولات الطامعين لن تتوقف إلا بوحدة الصف وتعزيز قيم وسلوكيات التعايش، والتسلّح بالصبر والحلم، والبقاء على المطالبة بالحقوق في أوجِها، وفقا لما أقرّته تعاليم الإسلام والقوانين التي تنظّم حياتهم وفق اشتراطات العدالة والإنصاف.
سماحة المرجع الشيرازي يؤكّد بأنَّ: (شعب العراق لا تثنيه كثرة المحاولات الأثيمة عن عزمه، ولا يستلب منه المنحرفون والمنافقون الصبر والحلم، والتعايش ووحدة الصفّ، والمطالبة بحقوقه العادلة التي ضمنتها له مبادئ الإسلام, وأقرّتها القوانين الوضعية).
في ظل إرادة عراقية قوية، وتصاعد الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعراقيين، سوف يتم عبور الأزمة الراهنة، وسوف تُفتَح آفاق واسعة وسليمة لبناء عراق حر استشاري ديمقراطي، ودولة بنظام تعددي يضمن للجميع حقوقهم وحرياتهم، ويقيم مع دول العالم أجمع علاقات متكافئة وفق قواعد الاحترام المتبادَل.