LOGIN
المقالات
alshirazi.org
السياسة العادلة والاقتصاد السليم يقتلان الفقر
رمز 79
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 25 أغسطس 2012
شبكة النبأ: الفقر أقسى ما يمكن أن يتعرّض له الإنسان في حياته، فهو يؤدّي إلى إذلال الإنسان وإهذار كرامته، وقتل قدراته ومواهبه، ويشل تفكيره، ويدفع به إلى حافة الجهل والخمول والكسل، ويسلب منه إنسانيته، ويأخذ منه روح المبادرة، ويجعله عرضة لليأس حتى تصبح حياته الغالية عبئاً عليه، لهذا يقول الإمام عليّ بن أبي طالب صلواتالله عليه قولته المشهورة (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، ولهذا أيضاً حرص الإمام خلال قيادته للدولة الإسلامية على قتل الفقر فعلاً من خلال انتهاجه للسياسة العادلة، وبناء الاقتصاد السليم للدولة الإسلامية في عهده صلوات الله عليه.

مثلَّث السعادة
السعادة تعني أن يعيش الإنسان حياته دون عقبات ومصاعب تحبط قدراته الفكرية والعملية، وأن تتوفر له ضمانات حياة ملائمة لاحتياجات الإنسان، من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، إلى جانب الترفيه، وضمان حقوقه الإنسانية في حرية القول والمعتقد بما لا يشكّل تجاوزاً على الآخرين.

هذه السعادة ليست مستحيلة، بل يمكن القول بقطعية تامة أن التعاليم التي جاء بها الإسلام، تقدّم حلاًّ نموذجياً للإنسان كي يحقّق سعادته، وذلك من خلال ارتكازه على مثلث السعادة، حيث يصفه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بالكلمات التالية: (سعادة الدنيا والآخرة رهينة مثلث، يشكّل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والطرف الثالث الفضيلة).

إذن لابد من بناء الاقتصاد السليم للدولة كأحد الدعامات القوية التي تتشكّل عليها سعادة الشعب، فمن دون اقتصاد قوي مخطّط له بدراية وتخصّص وخبروية عالية، ستبقى الدولة عاجزة عن تحقيق أهداف الشعب، حيث يدفع الاقتصاد السليم بالدولة إلى أمام بشأن تحقيق الحياة الأفضل للشعب، وقد ثبت هذا الأمر على نحو قاطع لدى الأمم والشعوب المتطوّرة راهناً، والتي باتت تتسيّد العالم أجمع اقتصادياً، وتتحكّم بمراكز القوى وسياسات الدول، ليس في المجال الاقتصادي فحسب، إنما في السياسة الدولية نفسها ومساراتها.

لذلك كان الاقتصاد وسيبقى عاملاً أساسياً في تحقيق سعادة المجتمع، من خلال القضاء التام على الفقر، أو على الأقل الحد من تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على المجتمع، كون الاقتصاد السليم، يعني بناء حياة جيدة تنتظم في تخطيط شامل سليم يضمن حقوق الجميع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في الموضوع نفسه: (لقد أكّد القرآن الحكيم أكثر من مرّة على الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والفضيلة، وقد أعلنها رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه قولاً، ومارساها في أعمالها طيلة حكومتهما المثالية الفريدة).

الضمان الاجتماعي في الإسلام
يؤكّد الإسلام عبر القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة، وأقوال وأعمال أئمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، على أهمية الضمان الاجتماعي للإنسان، من أجل تحقيق الشعور بالأمان، ومن ثم الاتجاه إلى الإنتاج الفكري العملي الأفضل، فمن غير شعور بالأمن الاجتماعي، لا يمكن أن ينتج الإنسان ما يترتّب عليه من إنتاج، والسبب حالة القلق التي يعيشها بسبب افتقاده للضمان الاجتماعي، حيث يترتب على الحكومة والدولة أن تضمن شؤون حياة الفرد واحتياجاته في العيش الكريم والصحّة والرفاهية.

لذلك من غير المقبول أن يعيش الإنسان مهدّداً، دون ضمان اجتماعي في دولة يقودها نظام حكم إسلامي، لأن الإسلام يفرض بصورة قاطعة على الحكومة توفير الضمان الاجتماعي للجميع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (في البلد الإسلامي في وقت حكم الإسلام الصحيح، يلزم أن لا يوجد حتى فقير واحد، فالضمان الاجتماعي في الإسلام يحتم على الحاكم الإسلامي أن يزيل الفقر نهائياً).

كما يُشترَط توفير الضمان الاجتماعي في الدولة الإسلامية للجميع، بغض النظر عن طبيعة الانتماء العرقي أو الديني أو سواه، فمثلما للمسلم حقّ بالضمان الاجتماعي وتجنّب الفقر ومضاعفاته الخطيرة، فإن الكافر الذي يعيش في بلد الإسلام له نفس حقوق المسلم بهذا الخصوص، إذ لا يجوز قبول فكرة أن يبقى الكافر فقيراً محتاجاً سائلاً في دولة الإسلام، بمعنى أن الدولة الإسلامية لا تتخصص في رعاية المسلمين حصراً، إنما كل من يدخل ضمن مواطنيها حتى لو لم يكن مسلماً، له الحقّ عليها أن تحميه من الفقر.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (حتى الكافر، في بلد الإسلام، يسأل الناس.. يكون أمراً غريباً).

انتفاء أسباب الفقر
هناك شروط معروفة يمكن أن تؤدّي إلى انتفاء الفقر بين الناس، وإذا قلنا هي شروط معروفة لاسيما للمعنيين المتخصصين أو الحكوميين منهم، فإن هذه المعرفة لا تشكّل سبباً للقضاء على الفقر، لأن معرفة الأسباب تتطلّب إجراء تنفيذياً مهماً وكبيراً أيضاً، بمعنى لابد من العمل المتواصل والمنظّم والمخطّط له، من أجل تحويل المعرفة والتنظيم إلى عمل قائم بذاته، فالعلم والتخطيط من إجراء تنفيذي صحيح، لا يعني شيئاً، أو لا يسهم بتطوير الاقتصاد.

أما إذا كان الاقتصاد سليماً، والإجراء العملي الحكومي التنفيذي صحيحاً، فإنه سيأتي نتيجة السياسة العادلة لنظام الحكم، وسوف يسهم إلى حد كبير في تهذيب المجتمع وتشذيبه من الأخطاء والانحرافات نتيجة لزيادة الوعي، وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلاً بهذا الخصوص: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل ؟).

وعندما كانت الحكومة الإسلامية إبّان صدر الرسالة النبوية مثالاً يحتذى به، فقد انتهى الفقر منها، نتيجة للسياسة العادلة، وانتعاش الفضيلة في المجتمع على الصعيدين الفكري والعملي، فلم يعد فقيراً واحداً في دولة الإسلام التي كان يقودها الإمام عليّ صلوات الله عليه، على الرغم من سعتها وكثرة نفوسها آنذاك، الأمر الذي يثير الاستغراب حقّاً، حيث يعاني عالم اليوم مع قدراته وموارده الهائلة من مشكلة مستعصية اسمها الفقر.

وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي بوضوح: (هل يوجد، حتى اليوم، وفي أغنى بلاد العالم بلد لا يوجد فيه حتى سائل واحد؟). نعم هكذا كانت دولة الإسلام، عندما كان الحاكم عادلاً ذكياً وحريصاً على سعادة شعبه، من خلال حرصه على تحقيق مثلث السعادة الذي أشار له سماحة المرجع الشيرازي سابقاً.