LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"قبسات من فكر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
الإمام السجّاد عليه السلام واستصلاح الفساد
رمز 868
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 13 شعبان المعظّم 1443 - 17 مارس 2022

شبكة النبأ: (الإصلاح بحاجة إلى قدرة الله تعالى) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

في كتابه القيّم يقدم لنا سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) شرحا وافيا ومفيدا لدعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (عليه السلام)، وجاء هذا الشرح الوافي في سلسلة من المحاضرات القيّمة لسماحة المرجع الشيرازي، وفي هذا المقال نسعى للاستفادة من الدعاء الكريم ومما قدمه السيد صادق الشيرازي من شرح بالغ الوضوح والفائدة.

يقول الإمام السجاد (سلام الله عليه) في دعاء مكارم الأخلاق: (واستصلح بقدرتك ما فسد منّي).

توجد جوانب لغوية مهمة لابد من توضيحها في هذا المقطع من الدعاء، بالإضافة إلى توضيح المضمون الفكري والديني، فالفعل السداسي (استصلح) يعني (أصلح)، والاستصلاح يأتي هنا بمعنى الاصلاح.

ولكن يأتي هذا الفعل كنتيجة لتدخل خارجي بالإضافة إلى المسعى الذاتي، فالإنسان أو المجتمع، يجب أن يتوفر له شرطان للإصلاح، الأول (ذاته ومسعاه الخاص) والثاني (قدرة الله تعالى) وتوسّل الإنسان به لكي يعينه على تحقيق إصلاح ما فسد من نفسه، ويوضّح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) هذا المعنى اللغوي بالقول:

(الاستفعال في اللغة وُضع في الأصل لطلب وقوع الفعل، ولكنّه قد يأتي بمعنى الإفعال، كما في قول الإمام «استصلح» فهو بمعنى «أصلح» وكما في دعاء التوبة المرويّ عنه عليه السلام: يا من استصلح فاسدهم بالتوبة).

يؤكد الإمام السجاد (عليه السلام)، في دعائه على حاجة الإنسان الأكيدة للدعم الإلهي من أجل إصلاح (ما فسد من الإنسان)، وهو الكائن المعرّض للخطأ في كل زمان ومكان، ولا يمكنه تجاوز محنة السقوط في الخطأ، إلا إذا توافرت له الإرادة والعزيمة على التخلص مما فسد منه، مع المسعى الحتمي لدور الدعاء في تخليصه من هذه المحنة التي تحيق به.

فلا مجال في تحقيق هذا الهدف ما لم تتدخل القدرة الإلهية، وهذا التدخل لا يتوفر إلا لمن يتلبّس خشوع القلب بالدعاء وينقطع إلى الله تعالى ويستنجد به (لاستصلاح) ما فسد منه، وهذا يوضح للإنسان كم هو مقدار الصعوبة لكي يكون صالحا، ويتخلص من الجانب الفاسد في شخصيته، وأفكاره، وسلوكياته، وأقواله، وأفعاله.

إنه هدف صعب المنال ونعني به هدف (استصلاح النفس)، لهذا يؤكد الإمام السجاد (عليه السلام)، على حتمية أن يتوجّه العباد إلى الله تعالى بالدعاء لكي يعينهم على أنفسهم في حال فسد جانب منها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يشرح ذلك بقوله:

(في هذا الدعاء يطلب الإمام سلام الله عليه من الله تعالى أن يتدارك أمر الإصلاح بقدرته. وهذا الطلب يوحي أنّ هذا المجال (أي إصلاح ما فسد من الإنسان) صعب جدّاً، بحيث يتطلّب تدخّل القدرة الإلهية).

استصلاح النفس متاح للإنسان

هناك من لا يقع في الفساد، كونه أعدّ نفسه منذ البداية لكي لا يسقط في حبائل الفساد، والكلام في مضمون دعاء الإمام السجاد (عليه السلام)، يقصد الإنسان الذي وقع فعلا في الفساد، كأن يكون مسؤولا كبير أو موظفا أو حتى إنسانا عاديا، فإذا طاله الفساد لأي سبب كان، فعليه الاستعانة بالله تعالى كي يزيل ما فسد منه ويستصلحه، وهو هدف مقبول لكل الناس الذين يسعون لاستصلاح أنفسهم.

ومع ذلك فالاستصلاح ليس من السهل على الإنسان الحصول عليه، فهناك صعوبة كبيرة في هذا الجانب، لاسيما ما يتعلق بالتوبة الحقيقية، والمهم في هذا الأمر نيّة الإنسان، وإخلاصه الحقيقي في توجّهه إلى الله تعالى، فالإصلاح متاح وممكن، وهو سبحانه يساعد الإنسان على ذلك، ولكن بشرط أن يتمسك بالدعاء والاستعانة الخالصة والصادقة كي يعينه تعالى على تنظيف ما فسد منه.

وهذا ما أوضحه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:

(الإنسان معرَّض للفساد فقد يقع فيه وقد لا يقع، والكلام هنا عن فعلية الفساد ووقوعه، لأنّ الإمام يقول: «ما فسد منّي» لا ما يقتضي أن يفسد، وليس كلّ فاسد يمكن إصلاحه بسهولة).

في هذا الدعاء درس بليغ، ونصيحة كبيرة لنا من الإمام السجاد (عليه السلام)، لكي يعلّمنا ويرشدنا إلى الجادة الصواب، فصراع الإنسان مع نفسه ليس هيّنا، ومغريات الدنيا لا حدود لها، والفساد يحيط بالبشر لاسيما إذا لم يحمِ نفسه وقلبه وعقله من شياطين الشر، لذلك يبقى الإنسان عاجزا أما تحديات الدنيا ما لم يتمسك بالدعاء.

ونظرا لكثرة الفرص المفتوحة أمام الناس لارتكاب الذنوب والأخطاء، وسهولة ذلك، والمغريات المرافقة لها، فإن الصمود أما أذرع الفساد المنتشرة حول الإنسان، يحتاج إلى ثبات المؤمن الحقيقي، وإلى مبدئيته، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون الاستعانة بالله تعالى، عبر الدعاء الذي يكون سبيل الناس إلى اللطف الإلهي ودعمه لكل إنسان يسعى بصدق إلى استصلاح ما فسد منه.

الإنسان مخيّر بين الخير والشرّ

ولعل قضية الاختيار متاحة هنا للجميع، فالناس لهم الخيار بين أن يكونوا من الخيّرين الصالحين والمصلحين، وبين أن يكونوا من الأشرار الذين يعيثون في الأرض فسادا، وكل له العاقبة التي يستحقها وفق المعيار والعدل الإلهي القادم، لذلك تعد قضية الخيار بالغة الأهمية بل مصيرية بالنسبة للإنسان، لاسيما أن يستطيع أن يختار الخير أو الشر، في حال عجز عن مواجهة ضعفه إزاء أهوائه.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(لا يخفى أنّ الإمام هنا بصدد تعليمنا وإرشادنا، فمعنى قوله سلام الله عليه هو: إنّ الإنسان لا يقوى على إصلاح ما فسد منه دون الاعتماد على قدرة الله تعالى وتوفيقه، فكلّ منا يمكنه أن يكون من خيار الناس، كما يمكن أن يكون من شرارهم ـ والعياذ بالله).

من المؤسف حقا أن لا يتنبّه الإنسان إلى مصيره القادم، في حال فضَّل الشر على الخير، فهناك من يوغل في الذنوب بسبب حالة العمى التي تصيبه، عمى البصيرة وليس البصر، فيذهب خلف الملذات المادية، ضاربا بكل الحقوق والثواب التي تحفظ القيم وترسخ العلاقات الاجتماعية الصحيحة، والمشكلة الأكبر أنه لم يفكر بالكف عن الشر والحرام، ولم يستعن بالله كي ينجيه من الفساد المنتشر في نفسه.

ما هي نتيجة مثل هؤلاء الموغلون في الفساد؟، إنها واضحة، فمصيرهم معروف، لأنهم لم يفكروا بالكف عن الشر والفساد، وطالما أنهم بعيدون عن (التوبة والتصحيح)، فإنهم لم يفكروا أن يستعينوا بالله لتخليصهم من فسادهم، وهكذا ظلوا سادرين في غيّهم، بسبب بصيرتهم العمياء وجهلهم وإهمالهم للقدرة الإلهية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(هؤلاء الأشرار الموجودون في المجتمع والذين بقوا كذلك حتى آخر عمرهم كانوا أناساً أيضاً، ولكنّهم لم يريدوا الصلاح، ولا استعانوا بقدرة الله تعالى لإصلاح ما فسد منهم، فاستمرّوا على ما هم عليه).

لا يوجد آخر أمام الفاسد سوى الدعاء، لكي يتخلص من هذا المأزق الذي تورّط فيه، ومع كل يوم جديد من عمره تصبح الورطة أكبر وأخطر، ويشعر أنه بلغ نقطة اللاعودة، لهذا يجب يعي الإنسان قبل فوات الأوان أن فرصة الاستصلاح لا تزال قائمة، وإنه يحتاج إلى القدرة الإلهية من أجل الخلاص.

هذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:

(إنّ إصلاح الفاسد بحاجة إلى الدعاء، ولذلك يقول الإمام سلام الله عليه: «واستصلح بقدرتك ما فسد منّي).

هذه هي الدّرر السجادية التي يضعها الإمام السجاد (عليه السلام) بين أيدي الناس، لكي لا تأخذهم الدنيا في مغرياتها، ولا تسحبهم النفس إلى رغباتها، فلا يزال هناك فرصة وهنا أمل في أن يتمسك بالإنسان بالدعاء إلى ربه، والانقطاع إليه تعالى لكي يستصلح ما فسد من نفسه.