في ليالي شهر رمضان العظيم يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات على بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحته دام ظله يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلى ما يتفضل به سماحته من وصايا وتوجيهات.
تسمية سور القرآن
في بدء الجلسة سأل أحد الحاضرين عن تسمية سور القرآن، ومتى عيّنت هذه الأسماء؟
فقال المرجع الشيرازي دام ظله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «اَلْفاتِحُ الْخاتِمُ الَّذى يفتَحُ الْقُرْآنَ ويخْتِمُهُ، فَلَهُ عِنْدَ اللهِ دَعْوَهٌ مُسْتَجابَهٌ»، يعلم من هذه الرواية الشريفة أن القرآن كان مجموعاً في زمانه صلى الله عليه وآله، وكذلك في بعض الروايات ذُكرت أسماء السور في ضمن كلمات أهل البيت الطاهرين عليه السلام، وبالتوجه إلى هذه القرائن لا يبعد أن أسماء السور عُيّنت في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا البحث محل كلام مفصّل عند المفسرين.
إخراج زكاة الفطرة قبل صلاة العيد
ثم سئل: في أغلب آيات القرآن الكريم ذُكرت الصلاة أولا ثم ذُكرت الزكاة، ولكن في الآية الشريفة: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» (الأعلى: 14 ـ 15) ذُكرت الزكاة أولا ثم ذُكرت الصلاة فما هو وجه هذا التقديم والتأخير؟
فأجاب سماحته: في هذه الموارد تقدم وتأخر ذكر الزكاة والصلاة لا يدل على أهمية إحداهما على الأخرى، لأن حرف الواو في كلام العرب لا يدل على الترتيب، وكذلك لا ظهور لها في أهمية المعطوف عليه، وإنما تفهم أهمية الصلاة من أدلة أُخرى كالرواية الي تقول: «إن أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها وإن رُدّت رُدّ ما سواها».
ثم قال دام ظله: قد أشير في بعض الروايات إلى أن المقصود من الزكاة في هذه الآية الشريفة هى زكاة الفطرة، وقد استفاد مشهور الفقهاء من الأدلة أن من يصلي صلاة العيد يجب عليه إخراج زكاة الفطرة أولا ثم يصلي صلاة العيد، فالآية الكريمة لها إشارة إلى التقدم الزماني لا التقدم الرتبي.
وجوب زكاة فطرة الضيف على المضيّف
ثم سأل أحد الحاضرين عقيب بحث قد طرح حول وجوب زكاة فطرة الضيف على المضيّف، عن أن عنوان الضيف هل هو عنوان مستقل أو مندرج تحت عنوان «من يعول»؟
فقال المرجع الشيرازي مد ظله: صاحب العروة وجماعة من الفقهاء يعدّون الملاك هي العيلولة، وفي الضيف إذا صدق عنوان العيال عليه تجب زكاته على المضيّف وإن لم يأكل الغذاء عند المضيّف، ويبدو أنه ورد عنوانان في الأدلة 1ـ العيلولة 2ـ الضيف، والضيف أعم من العيال وغيره، وكلتا الطائفتين من الروايات في هذا المضمار مثبتتان فلذلك مقيدهما لا يقيد المطلق، ونظير ذلك يوجد في باب المطهرات ومفطرات الصوم ومحرمات الإحرام.
عمل مستحب ثوابه أكثر من الواجب
ثم سئل: هل يمكن أن يكون ثواب عمل مستحب أكثر من ثواب عمل واجب؟ أو يكون ثواب عمل واجب أو مستحب في بعض الظروف الزمانية أكثر؟
فقال دام ظله: نعم، مثل زيارة الإمام الحسين عليه السلام وقد بُيّن في روايات متواترة أن ثوابها أكثر من ثواب عدة حجج، وقد أورد بعض هذه الروايات الشريفة المرحوم ابن قولويه في كتابه الشريف كامل الزيارات.
ثم قال سماحته: في شهر رمضان المبارك بناءً على الروايات الشريفة فإن قراءة آية من القرآن يكون ثوابها ثواب ختم القرآن في سائر الشهور، وكذلك ثواب إتيان الفرائض في شهر رمضان يعادل ثواب سبعين فريضة في سائر الشهور.
الأجرة لختم القرآن
ثم سئل عن حكم الأجير لختم القرآن إذا قرأ شيئاً من القرآن لنفسه قبل الإستيجار، فهل يمكن أن يجعله جزءً من ختم القرآن الذي صار أجيراً لختمه؟
فأجاب سماحته دامت بركاته: كلا، بل يجب عليه أن يختم قرآنا كاملاً بمقتضى عقد الإجارة، إلا أن يكون ذلك بأجازة المؤجر، ويجعله جزءً منه برضاه وإجازته، لأن عقد الإجارة يتبع توافق الطرفين، ولكن له أن يهدي ثواب قرائته التي قد قرأها سابقاً إلى شخص آخر.
إتحاد الآفاق أو إختلافها
بعد ذلك سئل عن مسألة إتحاد الآفاق أو إختلافها؟
فقال سماحته بالنظر إلى إختلاف آراء الفقهاء في هذه المسألة: فقد طرح صاحب العروة هذه المسألة ووافق مشهور الفقهاء على قبول إختلاف الآفاق، فإذا رئي الهلال في مدينة فلا يثبت لمدينة أخرى، إلا أن تكون تلك المدينتان قريبتين بأن لا تكون الفاصلة الزمانية بين أذان تلكما المدينتين أكثر من خمسة عشرة دقيقة، أو يعلم الإنسان أن أُفقهما واحداً، مثل أن تكون المدينة في غرب مدينة رئي فيها الهلال يعني أن تكونان مشتركتين في نصف كرة الأرض وفي خط الطول، أو تكون البلاد في نصف الكرة الآخر؛ ولكنها متحدة مع بلد آخر في فصل الربيع والصيف، وفي مقابل المشهور قال بعض نادر مثل صاحب الوسائل باتحاد الآفاق.
ثم ذكر سماحته: أن منشأ الإختلاف في هذه المسألة ثلاث روايات وبعضها معتبرة ومدلول إحداها هو: أن شخصاً قال للإمام عليه السلام: أننا لم نصم يوم الشك أول شهر رمضان بسبب عدم رؤية الهلال، وحسبناه من شهر شعبان ولكن وصلت الأخبار أثناء شهر رمضان أن الهلال كان قد رُئي في مدينة أخرى فما هو تكليفنا؟ فقال عليه السلام: يجب عليكم قضاء ذلك اليوم.
والقائلون بإتحاد الآفاق أخذوا بإطلاق هذه الروايات، ولكن المشهور وبسبب قرائن خارجية حملوا هذه الروايات على المدينتين اللتين تكونان متوافقتين في الأفق، أو أنه إذا لم يكن أفقهما متقاربين؛ فليكن بشكل يحرز معه أن البلدة التي لم ير فيها الهلال كانت الرؤية فيها ممكنةً، مثل قم المقدسة ومشهد المقدس، فإذا رئي الهلال في مشهد فيثبت لقم أيضاً، ولكن إذا رئي في قم فلا يثبت في مشهد، وكذلك إذا رئي في الهند أو في أفغانستان يكفي لثبوته في إيران بخلاف الرؤية في استراليا فإنها ليس حجة لنا.
المراد من العارف في الروايات
ثم سئل عن الرواية الشريفة: «من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه كتبه الله في أعلى عليين» (وسائل الشيعة، ج14، ص 418، ح19495) ما هو المراد من العارف؟
فقال دام ظله: في أغلب تلك الموارد المراد من العارف في الروايات الفقهية هم الشيعة المعتقدين بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام وأنهم مفترضو الطاعة.
ثم ذكر سماحته: أما ما جاء في رواية فضل زيارة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام: «من زارها عارفا بحقّها فله الجنّة»، ولعل هذا التعبير أعلى تعبير ورد في خصوصها، لأنه يستفاد من الأدلة أن مقام العصمة يختص بأربعة عشرة معصوماً عليهم السلام، فلذلك لابد من حمل المعرفة على غير العصمة الكبرى الثابتة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام، كما جاء بالنسبة إلى علي الأكبر عليه السلام في إحدى زياراته هذا التعبير:«وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» وبمقتضى الدليل المذكور لابد أن نقول: إن علي الأكبر عليه السلام أيضاً له عصمة بعد المعصومين الأربعة عشر.
تنجز العلم الإجمالي
ثم سئل عن تنجز العلم الإجمالي؟
فأجاب سماحته دام ظله: في العلم الإجمالي علم بالوجود وعلم بالعدم، وقد اشتبها معا وبعبارة أخرى: العلم مشوب بالشك ويعبر عنه إصطلاحاً بالعلم الإجمالي، وبناءً على المشهور فالعلم الإجمالي في التنجّز مثل العلم التفصيلي إذا كانت الشبهة محصورة قطعاً، وفي بعض موارد العلم الإجمالي وردت رواية في مثل اشتباه ثوبين أحدهما طاهر والآخر متنجس ولكن لا يعلم صاحبُهما أن أيّاً منهما طاهر وأياً منهما متنجس، ولمّا سألوا الإمام عليه السلام قال: «يصَلَّي فِيهِمَا جَمِيعاً»، وفي مقابل المشهور قال جمع بعدم تنجّز العلم الإجمالي، ولكن هؤلاء الأعاظم لم يلتزموا في الفقه في موارد عديدة بهذا المبنى.
المراد من السيد في سهم السادة
وفي الختام سئل عن حكم أداء الخمس إلى السادة الكرام الذين انتسوا إلى أهل البيت عليهم السلام من قبل الأُم؟
فقال دام ظله العالي: لقد أفتى السيد المرتضى بعدم الفرق بين المنتسب بالأبوين أو الأب وبين المنسوب بالأُم إليهم عليهم السلام في أداء سهم السادة اليهم، ولكن لم يسلم سائر الفقهاء هذا الرأي.