ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلّمة قيّمة، كالسنوات السابقة، بجموع مواكب أهالي كربلاء المقدّسة، القادمين من العراق، خلال زيارتهم لبيت المرجعية المكرّم، ظهر يوم الاثنين العاشر من شهر ربيع الثاني 1446 للهجرة (14/10/2024م)، أدناه نصّها الكامل:
تقرير: علاء الكاظمي
بسم الله الرحمن الرحيم
النجاة في ظهوره الشريف
أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والسامي والعظيم لسيّدنا ومولانا بقيّة الله المهدي الموعود عجّل الله تعالى في فرجه الشريف وصلوات الله عليه، بمناسبة ذكرى استشهاد سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وبمناسبة ذكرى استشهاد سيّدتنا فاطمة المعصومة سلام الله عليها. وكذلك تعازيّ إلى جميع المؤمنين والمؤمنات، في كل مكان، ولكم بالخصوص أنتم المؤمنون الأخيار القائمون بشعائر أهل البيت صلوات الله عليهم، وأسأل الله عزّ وجلّ، بجاه محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله، أن يعجّل في ظهور الإمام حتى ترتفع المشاكل من العالم كلّه، وهي المشاكل التي أغرقت العالم والبشر كلّاً من جميع الجهات والوجوه.
شعائرهم عليهم السلام شعائر الله
قال الله عزّ وجلّ: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)(1).
إذا كانت التقوى في القلب، فستنتشر وتظهر على كل مظاهر بدن الإنسان، ويعني لا تنظر عينه إلى الحرام، ولا يسمع سمعه إلى الحرام، ولا يتكلّم لسانه بالحرام، وهكذا جلد الإنسان وفمه ويديه ورجليه وسائر أعضاء جسده لا تصنع الحرام. ويقول الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة المشار إليها، بأنّه من التقوى تعظيم شعائر الله، ويعني هذه الشعائر تأتي من تقوى القلوب.
إنّ شعائر أهل البيت، محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين، كلّها من شعائر الله عزّ وجلّ. والله عزّ وجلّ لم يجعل وسيلة إليه، ولم يجعل طريقاً إليه، إلاّ محمّداً وآل محمّد صلى الله عليه وآله. فهؤلاء هم الطريق الوحيد إلى الله تعالى، ولا ثاني له، وهؤلاء هم الوسيلة الوحيدة إلى الله تعالى ولا توجد وسيلة ثانية. فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وآله: (كتاب الله وعترتي أهل بيتي)(2) ولا يوجد غيرهما. والتقوى التي في القلب، وتنتشر على أعضاء الإنسان وجوارحه، كلّها تأتي من شعائر الله تعالى، وشعائر أهل البيت صلوات الله عليهم كلّها شعائر الله عزّ وجلّ، وخصوصاً الشعائر الحسينية المقدّسة. فإنّ المواكب الحسينية هي من شعائر الله تعالى، وكذلك باقي العزاء والمجالس والهيئات، وكل ما يكون تجليلاً لأهل البيت صلوات الله عليهم وتعظيماً لهم، بأيّة صورة كانت، فهي من الشعائر، باستثناء واحد وهو الحرام، أي لا يدخل الحرام في شعائر أهل البيت صلوات الله عليهم المقدّسة.
هو كلام الوهابيّة
أمّا ما قاله بعضهم ويقولونه اليوم بأنّ فلان الشعيرة وكذا الشعيرة لم تك في زمن الأئمة صلوات الله عليهم فهذا ليس كلام أهل البيت صلوات الله عليهم بل هو كلام الوهابيين تماماً ومئة بالمئة. وإلاّ هل كان في زمن الأئمة صلوات الله عليهم ضريح الإمام الحسين صلوات الله عليه الذي هو من ذهب وفضّة؟ وهل كانت المنائر والقبّة الذهبية أيضاً؟ فعندما ورد الحديث الشريف: (الدعاء تحت قبّته)(3) هل كانت القبّة موجودة حينها؟ والجواب: كلا، بل كان قبر الإمام الحسين صلوات الله عليه حجرة صغيرة، بمساحة أربعة أمتار أو خمسة أمتار أو أكثر أو أقلّ فقط. فكلمة القبّة في الحديث الشريف يعني الفناء وأطراف قبر الإمام الحسين صلوات الله عليه، أي طول أرض كربلاء، أي خمسة فراسخ في خمسة فراسخ، كما في الحديث الشريف، ويعني قرابة ثلاثين كيلو متر في ثلاثين كيلو متر، أي قرابة تسعمئة كيلو متر مربّع، كما تذكر بعض الأحاديث الشريفة، وهي أرض كربلاء. وتحت قبّته يعني تحت كل تلك المساحة والمنطقة.
كربلاء هي الأعظم
لذا، ينبغي لجميع الشيعة في كل مكان، وخصوصاً لأهل كربلاء وهي المدينة المقدّسة، أن يكونوا اُنموذجاً يُقتدى بهم في العالم كلّه، شيوخاً وشباباً وأحداثاً، ورجالاً ونساء، وبكل الأصناف والأطياف. فأرض كربلاء، كما في الحديث الشريف عن الإمام الصادق صلوات الله عليه في كتاب (الكامل في الزيارات) أنّه لولا أرض كربلاء لما خلق الله عزّ وجلّ أرض الكعبة ولا المدينة المنوّرة ولا خلق النجف الأشرف، ولا خلق أيّة منطقة من مناطق العالم، رغم أنّ رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، كل واحد منهم، أفضل من الإمام الحسين صلوات الله عليه كما قال ذلك هو في يوم عاشوراء: (جدّي خير منّي، وأبي خير منّي، واُمّي خير منّي، وأخي خير منّي)(4). لكن مع ذلك في حديث شريف عن الإمام الصادق صلوات الله عليه في (الكامل في الزيارات): (خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق). ويعني إنّ الأرض التي صارت عليها الكعبة هي أرض كربلاء، وبعد ذلك دحى الله تعالى الأرض من تحت الكعبة. وكذلك في الحديث الشريف عن الإمام الصادق صلوات الله عليه أنّه قال: (إنّ أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري، ويأتيني الناس من كل فجّ عميق، وجعلت حرم الله وأمنه، فأوحى الله إليها أن كفّي وقرّي فوعزّتي وجلالي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولولا ما تضمّنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به، فقرّي واستقرّي وكوني دنيّاً متواضعاً ذليلاً مهيناً، غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء)(5).
أمران للحسينيين
إذن، ألا ينبغي لأهالي كربلاء المقدّسة أن يجتهدوا ويهتمّوا ليكونوا هم اُنموذجاً للآخرين في خطّ أهل البيت صلوات الله عليهم، بلا زيادة وبلا نقصان. ولذا أوصي بأمرين:
الأول: حاولوا بتشجيعكم وبترغيبكم وبمواصلتكم، أن تجعلوا في كل مكان، موكب وهيئة وإقامة العزاء لسيّد الشهداء صلوات الله عليه، أي الأماكن التي تخلو من ذلك اليوم، بمختلف الطرق، حتى عبر الهاتف ووسائل الاتصالات الاُخرى، بالذين تعرفونهم في البلاد الإسلامية وغير بلاد الإسلام، حتى يعمّم العزاء الحسيني كل شبر من العالم.
لقد أدركت ورأيت الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء رحمة الله عليه، الذي توفّي قبل قرابة سبعين سنة، وقد كتب في أحد كتبه المطبوعة والموجود عندنا، بأنّه: (قال لي أحد القساوسة النصارى في بغداد: أنتم الشيعة عندكم الحسين ولكن لا تعرفون كيف تستفيدون منه. ولو كان الحسين للنصارى، ما تركنا شبراً في الأرض إلاّ وأقمنا العزاء عليه له). فليهتمّ الشيعة إلى أن يعمّ العالم كلّه الشعائر الحسينية المقدّسة، حتى يتحقّق أنّ كل شبر من الأرض فيه شعيرة من الشعائر الحسينية المقدّسة.
الأمر الثاني: تكثير وتكثيف المشتركين في مجالس وشعائر أهل البيت صلوات الله عليهم، من عشيرتكم وقبيلتكم، ومن محلّ أعمالكم ووظائفكم، ومن الجامعات والمدارس، من بنين وبنات. فحاولوا ذلك كما قال القرآن الكريم: (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(6) بأن تشجّعوا الذين لا يحضرون ولا يشاركون، أن يحضروا ويشاركوا في مجالس وشعائر أهل البيت صلوات الله عليهم، حتى ينتشر العزاء الحسيني من كربلاء والنجف وباقي مدن العراق إلى العالم كلّه.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يتقبّل منكم جميعاً ومن الجميع، وأن تعودوا سالمين غانمين، وأن يكون سيّدنا ومولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه، واُخته كريمة أهل البيت صلوات الله عليهم السيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، شفعاء لنا ولكم وللجميع لحوائج الدنيا والآخرة. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
ـــــــــــــــ
(1)سورة الحجّ: الآية 32.
(2)وسائل الشيعة للحرّ العاملي: الجزء ٢٧، الصفحة ٣٤.
(3)مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: الجزء۱۰، الصفحة335.
(4)و(5)الكامل في الزيارات لابن قولويه، الصفحة ٤٥٠.
(6)سورة النحل: الآية 125.