شبكة النبأ: (علينا أن نتعلّم من النبي الكريم صلى الله عليه وآله، التعامل مع الآخرين بلين ولطف ورفق) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
تتفاخر الأمم بالنماذج التي تصلح أن تكون قدوة يقتدي بها المجتمع، أفراد وجماعات، وتؤلِّف الكتب والمجلّدات لتمجد تلك الشخصيات العظيمة التي تركت للقادمين من البشر، إرثا عظيما يصلح لتنظيم الحياة بأفضل الطرق، فسيرة كل إنسان عظيم هو إرث أخلاقي فكري ديني سلوكي يساعد البشر على الخوض في غمار الحياة بنجاح وتفوّق.
لهذا حصل المسلمون على قدوتهم الأعظم، متمثلا برسول الله صلى الله عليه وآله، ولو أنه غاصوا في سيرته الخالدة، لحصلوا على المسالك السديدة التي ترشدهم إلى سواء السبيل، فقد حبا الله تعالى رسوله بأعظم الملَكات وأجمل الصفات، ولو اقتدى به المسلمون والبقية من البشر، لعاشوا متقاربين متعاونين متحابّين طالما أنهم على قيد الحياة.
نعم نحن كبشر لا يمكن أن نكون كما كان الرسول صلى الله عليه وآله أو مثل الإمام علي عليه السلام أو الأئمة المعصومين لأنهم حصلوا على العصمة من رب العالمين، ولكن مع ذلك يمكن لكل إنسان أن يقتدي بسلوكيات أهل البيت عليهم السلام، وخصوصا في قضية الرحمة واللين والتصرف مع الآخرين بلطف وأناة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في محاضرة قيمة له تحت عوان (الرحمة)، ضمن سلسلة نبراس المعرفة:
من القضايا المهمة في حياتنا هي (الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله. فقد طلب الله من الجميع أن يتبعوا نبيّه وجعله قدوة للجميع في أفعالهم وأقوالهم وأعمالهم. علماً بأنّ ليس أحد قادراً على أن يكون مثل رسول الله صلى الله عليه وآله تماماً، إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمة المعصومين عليهم السلام).
الاطلاع على أحاديث وأفكار أهل البيت
إن العصمة التي نالها أهل البيت عليهم السلام، جعلت منهم قدوات ونماذج للمسلمين ولكل البشر، وأنهم حصلوا على ملَكات وصفات لا يمكن لإنسان العادي أن يحصل عليها ويتمكن منها، ولكن مع ذلك هذا لا يمنع من أن نقتدي بهم، ونتعلم منهم، ونسعى كي نتشبّه بهم في معالجة القضايا الحياتية المختلفة.
لذا من الفرص المتاحة لنا جميعا، هي الاطلاع على سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، وأهل البيت جميعا، ومن ثم السعي إلى اعتماد أفكارهم وسلوكياتهم في الأمور الحياتية المختلفة، لاسيما منهج الرحمة باعتباره يجعل من حياة البشر أكثر تطورا واستقرارا وتعاونا، وبالتالي يمكننا أن نسير في نفس الطريق الذي سار فيه أهل البيت عليهم السلام سواء في القضايا المادية أو الروحية التي تتعلق بالعبادات وأداء الفرائض وسواها.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هذا لا يعني أنّه لا يمكننا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله قدوة لنا، بل يمكننا الاقتداء به في كل جانب من جوانب الحياة الدنيوية والأبعاد الروحية، ونسعى إلى تشبيه أنفسنا به صلى الله عليه وآله. بلى، يمكن أن نسير على الدرب الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويمكننا أن نتبع المنهج نفسه الذي كان ملتزماً به صلى الله عليه وآله).
يوجد الكثير من الناس يستصعبون التشبّه بسلوكيات وصفات النبي صلى الله عليه وآله، وهناك من يقول إنه من المحال التشبّه بأهل البيت عليهم السلام، ولكن هذا الرأي ليس صحيحا، فالمسلمون والناس جميعا يمكنهم ذلك، بل أن الله تعالى هو الذي حبا الرسول وأهل البيت بهذه الصفات العظيمة التي تسمى بالملَكات، وجعل منهم قدوات للبشرية.
فلماذا نظن بأن الاقتداء بهم (عليهم السلام) محال، أو هو أمر غير قابل للتطبيق، نحن على العكس من ذلك لابد أن نسعى لنطبق منهج الرحمة الذي سار عليه الرسول في قراراته وإدارته لشؤون الأمة الإسلامية في عهد حكومته، وهذا المنهج الحياتي متاح لنا جميعا، بل هناك دعوات من أهل البيت أنفسهم في أحاديثهم الشريفة تدعونا إلى الاقتداء بهم عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لو لم يكن ذلك ممكنا، لما أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالاقتداء به. فلذا، يمكننا أن نتّخذ النبي صلى الله عليه وآله قدوة لنا ونستوحي منه المنهج الصحيح).
هناك شيء اسمه النيّة، وهناك فارق كبير بين نياتنا ونيات أهل البيت، لأنهم كما ذكرنا سابقا محصَّنون بالعصمة التي خُلقِت مع خلْقهم، وهذا يؤكد بأننا بشر عاديّون، وأن نياتنا أقل ثبانا وصفاءً من نياتهم عليهم السلام، ولكن هذا لا ينفي أن نتحرك ونتشبّه ونتشبث بمنهج الرحمة الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وآله وكذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام.
العودة إلى منهج الدين والرحمة
وهذا يعنا بأننا مطالبون بأن نأخذ من نفحات الرسول وأهل البيت عليهم السلام، ونعتمر بألطافهم، ونتمسك برحمتهم، ونتشبه بأخلاقياتهم وسلوكياتهم، لأنهم سلسبيل الرحمة ونبع الطف وبيدر السلوكيات التي تحمي البشرية من العنف بكل أنواعه، وتصون المسلمين من التطرف والكراهية والسلوكيات الشائنة.
من هنا يركز سماحة المرجع الشيرازي على هذه النقطة فيقول:
(بالتأكيد، إن ّنيّاتنا وأفعالنا لن تصل إلى نقاء وصلاح نيّة وأفعال رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنّ نقص عصارة العصمة الكبرى في وجودنا هو عامل أساسي في هذا الفرق. ومع ذلك، يمكننا أن نتحرّك نحو الاتجاه الذي يعكس نفحات من طيبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله).
وإذا كان تركيزنا فيما سبق أو في أعلاه على الإنسان العادي، فيمكن أن نوجه الكلام أيضا إلى الحكومات والحكام في الدول الإسلامية، وأن نذكرهم بمنهج الرحمة النبوي، وبما قدمه أئمة أهل البيت في أحاديثهم وسيرهم وسلوكياتهم وأفكارهم، من مناهج فكرية أخلاقية وسلوكية، تقرّب بين قلوب الناس وتجعل منهم نسيجا اجتماعيا إنسانيا متماسكا.
لاسيما الحكام الذي عليهم أن يجعلوا من منهج الرحمة طريق وأسلوبا لتعاملهم مع الناس جميعا، وأن يبتعدوا كل البعد عن أشكال العنف المختلفة التي التصقت بكثير من حكومات وحكام الدول الإسلامية فيما مضى، واليوم لا يزال المسلمون يعانون من حكوماتهم، لذا عليهم الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وأهل ابيت لاسيما في ترسيخ التعامل الرحيم.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلاه):
(لذا من المناسب أن يتعلّم قادة الحكومات الإسلامية من رسول الله صلى الله عليه وآله، ويجعلوا اللين والرحمة والأخلاق الحسنة أساساً في تعاملهم مع الناس).
وكل ما تقدم من أقوال وآراء لا تخص الحكومات وحدها ولا الحكام وحدهم، بل تشمل الآباء والأمهات، وأفراد العائلة الواحدة، فالجميع عليه أن يتشبه بأخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام، الزوج وزوجته وبالعكس، الأب مع ابنه وبالعكس الأخ مع أخيه وبالعكس، الصديق مع صديقه والجار مع جاره وبالعكس، هؤلاء جميعا عليهم التمسك بمنهج الرحمة النبوي.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(هذه القواعد تنطبق على جميع التصرّفات والتعامل مثل تعامل المسلمين مع بعضهم بعضاً، وتعامل الآباء والأمهات مع أبنائهم، والتعامل بين الأزواج، والشركاء في العمل، والأساتذة مع طلابهم، وغيرها. فيجب على الجميع أن يتعلّموا من النبي الكريم صلى الله عليه وآله الذي كان مصدراً للرحمة والعطف، وأن يتعاملوا مع الآخرين بلين ولطف ورفق).
في عالم اليوم تكاد تضمحل الرحمة، ويكاد الإنسان ينسى نفسه وجذوره ودينه وأخلاقه، وينشغل بالمادة وجمع المال، وحماية نفسه ونسيان حقوق الآخرين، لكن منهج الرحمة يسعى إلى إعادة الإنسان إلى حقيقة وجوده ويطالبه بأن لا ينسى بأن الله خلقه للرحمة والخير وليس للقتال والأحقاد والتوحش، علينا أن نعود إلى جذورنا الإنسانية ونتمسك بما قدمه لنا أهل البيت في منهجهم، منهج اللين والرحمة.