شبكة النبأ: ربما يتصوّر البعض أن العنف والفساد الإداري وتدهور الأوضاع الخدمية والأمنية، هو كل شيء في العراق، في حين هو يمثّل (النصف الأول من الكأس)، بينما النصف الآخر، هو الأمل الكبير الذي يلوح في أفق المستقبل، لكن المشكلة أن الناس لا يهتدون إليه سبيلاً، والمشكلة الأكبر أن هنالك من المحسوبين على الثقافة والإعلام، يرون تسويق بضاعتهم ومضاعفة مكاسبهم، وحتى تحقيق مصالحهم وطموحاتهم الشخصية، في تكريس هذه الحالة في النفوس، بداعي الحديث عن الحقائق وما يحمله الواقع، كما لو أن (كل ما يُعرف يقال). لكن في المقابل نلاحظ هنالك من أهل البصائر والرؤية الإيجابية البنّاءة، من يسعون إلى إضاءة الطريق نحو بر الأمان، والخروج من مستنقع الأزمات والفتن.
ففي آخر حديث له خلال استقباله وفداً من العراق الاسبوع الماضي، أشار سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، إلى القدرة الهائلة التي يمتلكها العراق بوجود الشباب، وخاطب الحضور، بضرورة الاهتمام بجيل الشباب والاعتناء بهم وجذبهم نحو الثقافة الصحيحة والحقّة أي ثقافة القرآن والمعصومين الأربعة عشر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وذهب سماحته إلى أبعد من ذلك في تفاؤله الكبير بمستقبل العراق، مقلّلاً من شأن الضغوط والتحدّيات التي يواجها العراق، وأكّد بأن (للعراق مستقبل زاهر جدّاً إن شاء الله تعالى وذلك بفضل الله تعالى وببركة أهل البيت صلوات الله عليهم، وبجهود ومساعي وهمم الشعب العراقي الجريح الأبّي الموالي لأهل البيت صلوات الله عليهم الذي تحمّل الكثير والكثير من المتاعب والآلام والمآسي).
سماحته أشاد بقوّة بصبر وصمود العراقيين طيلة السنوات الماضية، وما تحمّلوه من معاناة ومصائب ومحن، قلّما قويت عليها شعوب أخرى، وهذا ما يجعل الاعتماد والارتكاز على عامل الشباب في مسيرة التطوّر والتقدّم، أمراً أساس وضروري، نظراً إلى أن المعاناة والمحن التي تحمّلها الإنسان العراقي شملت جميع أنحاء حياته؛ في سكنه ومأكله وسفره وتعليمه وعمله وحريّته وحقوقه بشكل عام، مما يعني أنه بحاجة إلى طاقة حيوية كبيرة تقلب وجه الواقع إلى درجة كبيرة.
نعم؛ نسمع بنشاطات تقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني، تقدّم للشباب الفرص للنمو والتعلّم، مثل النشاطات الإنسانية، وإقامة ورش عمل للخريجين تعني باختصاصاتهم وتنمية مهاراتهم وتصقل مواهبهم. وهذه تُعدّ الخطوة الأولى على الطريق، تتبعها خطوات تكاملية لإعادة البناء والإعمار في العراق، كما في أي بلد أنهكته الأزمات والصراعات.
المعروف أن معظم بلادنا الإسلامية تحظى وتتميز بين بلاد العالم بنسبة عالية من الشباب بين السكان، فيما نلاحظ نسبة الشيخوخة في البلاد المتقدّمة مثل اليابان وبعض البلاد الأوروبية، بسبب قلّة الانجاب والإعراض عن فكرة الأسرة والعائلة.
وحسب آخر تقرير لجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقي، فإنّ الشباب يشكّلون نسبة (40% ) من سكّان العراق، وهم في الفئة العمرية (10-30) سنة. وفي الدول العربية، فان النسبة تصل إلى (70%) من مجموع سكّان الوطن العربي، وهم دون سن (25) سنة، ويشير تقرير النمو السكّاني الصادر عن الجامعة العربية، أن (هذه النسبة تُعد الأكثر تعليماً ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهم الأكثر تفاعلاً مع ثقافات العالم، والأكثر قدرة على الابتكار والإبداع، والأكثر طموحاً وتطلّعاً للمستقبل). إلاّ ان التحدّيات كبيرة وخطيرة أمام هذه الشريحة الواسعة، أبرزها البطالة، وتهميش الشباب في الساحة السياسية والاقتصادية، إلى جانب السياسات الفاشلة والمتعثّرة لبعض أنظمة الحكم التي فضّلت النزاعات والاستقطابات السياسية على مصير الشباب والمجتمع، فترك أثره السريع على التعليم والصحّة والخدمات وقتل المبدعين والتشجيع على هجرة العقول إلى بلاد الغرب.
لكن المفارقة؛ أن الكثافة الشبابية في بلادنا تحوّلت إلى وقود لحروب أهلية وفتن طائفية عمياء حصدت أرواح الآلاف من الشباب اليافع ممن شأنهم الارتقاء ببلادهم إلى مراقي العلم والتقدّم.
من هنا تكون الحاجة لأن يكون الشباب نواة لمشروع البناء الاجتماعي والسياسي المتكامل، فالقضية ليست خلف مشاريع أو برامج ذات صدى إعلامي ودعائي، الهدف منها تحقيق الذات والتشجيع والتحفيز، إنما ترتقي إلى حيث تحمّل المسؤولية الجماعية. فعندما نشير في أدبياتنا إلى حالة السفينة التي يظهر فيها شخص يحاول أن يخرقها في المكان الذي يجلس فيه، فينبري الجميع للضرب على يديه بقوة. فهذا يعني أن الشباب ذوي الطاقات الهائلة ينبغي أن يكونوا أول من يتحمّل هذه المسؤولية، وذلك من خلال تشكيل الأسرة الصالحة والمنتجة، والبحث العلمي البنّاء، والاستناد أبداً على قاعدة القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية في الحياة، ما من شأنه ان يضمن لهم عدم الاصطدام بالتناقضات بين الواقع الاجتماعي وبين ما يكتسبونه من علوم ومعارف، وتكون علوم العلوم والمعارف في خدمة المجتمع والأمة.
من هنا؛ وحرصاً منه على ضمان مستقبل أكثر نفعاً وإشراقاً للشباب، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الصقل لشخصيتهم وقدراتهم، يوصي سماحته بأمرين من جملة أمور عديدة؛ لأن تكون من عوامل تقدّم ونجاح الشاب في الحياة: الأولى: تتعلّق بالجانب الثقافي، والأخرى بالجانب الأخلاقي:
ففي الجانب الثقافي يوصي سماحته الشباب باتّخاذ القدوات الصالحة في الحياة، ويؤكّد على أن يكون الرسول الأكرم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، في مقدّمة من يجب الاقتداء بهما. وهذه نقطة هامة في ميدان التربية، حيث نرى أن التأثر بالرموز المثيرة والمشاهير، يوازي في أمر التربية، عوامل تقليدية مثل الأسرة والمدرسة، وحتى الوراثة، وما نشهده من تمرّد في الأسرة وتسرّب من المدارس، وحتى تجاهل وتنكّر للتقاليد والموروثات الاجتماعية، خير دليل على ما نذهب إليه.
وللحؤول دون انزلاق الشباب في هذا المحذور، يحمّل سماحته المسؤولين الحكوميين، والميسورين في المجتمع وايضاً الآباء، مسؤولية (توفير الأجواء الصالحة للشباب لإبعادهم عن الأجواء الملوّثة والمستنقعات الروحية والفكرية، فهي من أخطر المستنقعات التي تجر الانسان، وتقضي على حياته المادية، بعد أن تقضي على روحه وتخلّده في جهنم ـ لا سمح الله ـ) .
أما في الجانب الأخلاقي، فيشير سماحته إلى صفة (الغرور) و(التكبّر).. وهو بذلك يضع اصبعه على أهم ثغرة ربما تصيب معظم الشباب في مرحلتهم العمرية الحسّاسة المشحونة بالعواطف والإثارات. فالمعروف عن هذه المرحلة العمرية ـ ولدى كلا الجنسين طبعاً ـ النزعة نحو الظهور والتعالي وحبّ الذات والإنزواء عن الآخرين، لاسيما من يشعرون منه عدم التفهّم والاستيعاب، وكثرة الانتقاد والتحريم والتحديد. ولذا فان سماحته يؤكّد على أهمية مكافحة هذه الحالة في نفس الشاب، حيث يقول: (هبْ أنك لست متكبّراً، لكن هذا لا يكفي، بل ينبغي ألاّ تترك انطباعاً يوحي بذلك).
وهذا يؤكّد لنا بوضوح، الأهمية الكبيرة للجانب الأخلاقي والروحي في النمو الصحيح لشخصية الشاب، بما يكفل في الوقت نفسه تنمية مهاراته وقدراته، ويمكنه من القيام بأدوار ناجحة في المجتمع، وإلاّ نجد في عالم اليوم، شريحة واسعة من الشباب المحبّ للعلم والمعرفة، وربما يحملون شهادات النجاح العديدة في مجالات العلم والمعرفة، لكنهم يعجزون عن حمل الصفات الأخلاقية، فيتملّكهم شعور دائم بالفخر والزهو والتميّز بين أفراد المجتمع، وهذه تحديداً تعد من أهمّ عوامل تخلّف المجتمعات والأمم، عندما يعيش الشباب عالمهم الخاص، وسط حالة من الأنانية المطبقة، متجاهلين أوضاع المجتمع والناس من حولهم.