LOGIN
المقالات
alshirazi.org
التبليغ صناعة للإنسان وطريق للانقاذ
رمز 184
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 25 مارس 2014
شبكة النبأ: يُقصَد بالتبليغ توصيل حزمة من المبادئ والتعاليم، الدينية، أو الفكرية، إلى جماعة أو وسط اجتماعي، هو بحاجة إلى مضمون تلك المبادئ، كونه غير مطّلع أو غير عارف بالقضايا الأساسية التي تتعلّق بالشرع والتعاليم الدينية وغيرها، إذ ليس هناك ما يمنع المبلّغ أو الخطيب أو العالِم، من تقديم المعلومات والأفكار التي تهدف إلى بناء شخصية الإنسان، وتسعى إلى زرع بذور الإيمان في نفسه، وتعمل على تطوير وعي الإنسان، بما يجعله مؤمناً فاعلاً، ومنتجاً واعياً في وقت واحد.

وبذلك فإنّ الهدف من التبليغ كما يتّضح لنا، يكمن في رفع مستوى وعي الناس، وثقافتهم، وأفكارهم، ومعلوماتهم الشرعية والسياسية والمدنية وغيرها، بما يجعل الإنسان محصَّناً من الوقوع في الزلل، أو عرضة للانتهاك فيما يتعلّق بالحقوق السياسية والحريّات المتَّفق عليها، فضلاً عن بناء شخصية الإنسان وتفعيل أفكاره وحتى أفعاله، بالأسلوب أو بالطريقة التي تتيح له فرصاً كبيرة للنجاح، في شقَّيْه المادي والمعنوي.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، على الأهمية القصوى للتبليغ، كونه الطريقة الأساسية التي يمكن من خلالها هداية الإنسان، وحمايته من الانحراف والانجراف في موجات فكرية وافدة أو دخيلة، قد تجعل منه عنصر شرّ يضرّ بنفسه والمجتمع في الوقت نفسه، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، كما ورد في كتاب (من عبق المرجعة) على: (أنَّ للتبليغ أهمية كبرى وتأثيراً عظيماً).

وتأتي هذه الأهمية مما يقدّمه المبلّغ للناس، من وعي وتثقيف ومعلومات في مجالات متعدّدة، تجعل الإنسان عارفاً بما يدور حوله، وفاهماً لوجوده، ومتفهماً للغاية التي جاء من أجلها إلى الحياة، وللتبليغ قدرة كبيرة على الحدّ من حالات اليأس، والانحدار في مهاوي الرذيلة والمعصية، لأن الإنسان عندما يجهل الهدف من وجوده، سوف يضيع وينحرف، بل يكون أكثر استعداداً من غيره، للولوج في عالم الشر والرذائل.

شرف مهمة التبليغ

من هنا يستحقّ المبلّغ درجة عالية من التكريم، وينال مكانة متميّزة يستحقّها في المجتمع، وعند الله سبحانه وتعالى، والسبب انه يسعى إلى إنقاذ الناس، غير الواعين من السقوط في براثن الانحراف، وهو بذلك يسعى إلى المساهمة في صناعة إنسان ومجتمع متطوّر، مؤمن، يعرف ويفهم الغاية من وجوده، ويتعامل مع الحياة، على هذا الأساس، فمن يحصل على التبليغ والمعلومات الدقيقة الواضحة، في مجالات العلم، والدين، والشريعة، والثقافة، والفكر بشكل عام، يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، ومع الظروف المحيطة به، فيكون عنصر خير في بناء الحياة، ومساندة الإنسانية في التقدّم إلى أمام، لذلك تعدّ مهمة التبليغ، من أشرف المهام، كما يؤكّد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي، قائلاً بهذا الخصوص في الكتاب المذكور نفسه:

(لا شك أن أشرف مهمة في الدنيا هي مهمة التبليغ، لأنها مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يكلّفهم، وهم أشرف المخلوقات، بمهمة أخرى سوى التبليغ).

إنّ المبلّغ لا يمكن أن يتبوَّأ هذه المرتبة، ولا يتم تكليفه بهذه المهمة، إلاّ بعد أن يتم إعداده إعداداً جيّداً، لهذا الهدف المهم، فهو يجدّ ويتعب ويشقى في تحصيل العلم الديني، والثقافة الموسوعية، ويسهر الليالي، ويدرس كثيراً في الحوزات العلمية، ويواظب على الدراسة، واستقصاء المعلومات المتنوّعة التي تؤهله للقيام بمهمة التبليغ، بعد ذلك ينطلق في أرض الله، ساعياً إلى زرع بذور المعرفة والوعي، في نفوس وقلوب الناس، بصورة مدروسة ومخطّط لها.

من هنا يخاطب سماحة المرجع الشيرازي المبلّغين، قائلاً في هذا المجال: (ليعلم الأخوة الذين ينطلقون للتبليغ، والإرشاد وهداية الناس، في القرى والأرياف والمدن والبلاد الأخرى، أن الهدف والغاية الأسمى من دراستهم، ومن كل ما تلقّوه من علوم دينية في الحوزات، هو التبليغ).

ولا يتحدّد دور المبلّغ في مكان معيّن، أو جماعة معيّنة من البشر، إن دوره يعني الجميع، وصوته ملكاً للجميع، في الأرض كلها والناس كلهم، بما يعمّق مبادئ الإسلام السماح وحبّ الإنسان ونشر روح التسامح والكفّ عن الأحقاد والضغينة، ونشر روح السلم بين الناس، بمعنى لا ينحصر دور المبلغ في حدود أرضية أو بشرية معيّنة، حتى تكون النتيجة شاملة، والفائدة أعم وأشمل، لأن الذين يحتاجون إلى الوعي والتثقيف والإرشاد كثيرون، وهم يتوزّعون في أرض الله الواسعة، لذلك ينبغي أن يصل صوت التبليغ، والإيمان، والثقافة الفكرية والدينية، إلى أبعد نقطة ممكنة، وإلى أوسع وسط بشري ممكن.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب في الكتاب نفسه: (ما دام المبلّغ لا يدري أية تربة ستثمر فيها الكلمة الطيبة أكثر، إذن عليه أن يسعى ليبذر الكلمة الطيبة، في كل مكان ومع كل إنسان).

أهمية الخطيب والواعظ

من المتفق عليه بين الجميع، أن الخطيب له مكانة كبيرة بين المجتمع، وهذا التمييز في المكانة والاحترام والتقييم الجيّد، لا يعني التعالي أو التكبّر أو الحصول على امتيازات مادية، مقابل الدور الإرشادي الذي يقوم به، بل تميّزه ومكانته الكبيرة تأتي من الدور الكبير الذي يضطلع به، وهو دور توعية الناس الغافلين، أو الذين لم تتوفّر لهم فرصة الاطلاع على العلوم الدينية، أو الامور التي تتعلق بالثقافة والفكر والمعرفة، من هنا يبقى دور الخطيب والواعظ كبيراً، ومتميّزاً بحقّ، كما انه لا يخصّ فئة دون غيرها، فالخطيب العالِم لا يصحّ أن يحصر تعامله مع المثقفين وحدهم مثلاً، أو مع الذين يستوعبون كلامه وخطابه أسرع من غيرهم، بل ينبغي أن يتعامل أولاً مع من يحتاجون لعلمه وثقافته، لكي يصبحوا أكثر وعياً بالحياة وأكثر فهماً لها.

من هنا يوجِّه سماحة المرجع الشيرازي المبلّغين بصورة مباشرة، قائلاً لهم: (على المبلغ أن لا يقصر تبليغه على فئة معيّنة من الناس، كالمثقّفين مثلاً دون غيرهم، بل عليه أن ينزل إلى كل فئات المجتمع وطبقاته).

كذلك هناك قيمة معنوية كبيرة للمبلّغ، كونه يتصدّى لمهمّة كبيرة، بل غاية في الأهمية، وهي مهمة تثقيف الناس وزيادة وعيهم، وتقديم المعلومات الكثيرة التي يحتاجونها، في حياتهم اليومية المتواصلة، بما يجعلهم أكثر قدرة على تحاشي الوقوع في الزلل، من هنا ينظر الناس إلى المبلّغ (الخطيب/ الواعظ)، بعين الاحترام والإكبار، امتناناً منهم لدوره في تقدم الإرشاد اللازم لمن يحتاجه من الناس.

لذلك، ونظراً لأهمية المبلِّغ الكبيرة، فإنّ سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، يوجِّه كلامه مباشرة إلى الخطيب أو الواعظ (المبلّغ)، قائلاً له حول أهمية دوره: (إنك أيها المبلّغ والواعظ، وإن كنت فرداً في وجودك الخارجي، لكنك لست كذلك في العمل، لأن هناك من يعتبرونك مرشداً وهادياً، وهم يقتدون بأفعالك سواء كنت خطيباً أو عالماً).