LOGIN
المقالات
alshirazi.org
شروط الإيمان المكتمل ومزاياه
رمز 213
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 11 سبتمبر 2014
شبكة النبأ: كان الإنسان ولا يزال يشعر بالقلق وهو يتابع ما يجري في كوكبنا الأرضي، من صراعات وتمزّق ولهاث خلف القوة والبطش والاقتتال، بسبب تضارب المصالح للدول والأفراد معاً، فالصراعات إذا لم يتم احتوائها بطرق الاعتدال والحوار، سوف تخرج عن نطاق السيطرة، وفي الغالب تؤدّي هذه النزاعات إلى الكثير من حالات العنف، التي تحدث على شكل حروب أهلية أو حروب نظامية معلنة بين الدول، لذلك لا يمكن الحد مما تتعرّض له المعمورة من موجات الفتن والاقتتال، والركون إلى الهدوء والحكمة للتفرّغ للإبداع، سوى الإيمان الحقيقي الذي يشمل الروح والقلب والعقل، فيصبح الإنسان أكثر توازناً وحكمة في التعامل مع الأمور.

والإيمان المكتمل هو ما يدعو له الإسلام بصورة متواصلة، وهو أيضاً الهدف الذي يسعى إلى نشره وتحقيقه الأخيار، كالحوزات العلمية والمراجع الكرام ورجال الدين الأفاضل، من خلال تأثيرهم على عامة الناس من خلال تكريس الإيمان الحقّ في أعماقهم، كونه الطريقة المثلى التي تجعل الإنسان يتفرّغ للخير ويترك ما عداه.

والإيمان الحق له شروط ومواصفات ومتطلّبات أيضاً، لذلك هذا النوع من الإيمان فيما لو تمكّن الإنسان من تحقيقه والوصول إليه في أعماقه، سوف يكون إيماناً متفرّداً، لا يشبه غيره من أشكال الإيمان الأخرى، لهذا اشترط الإسلام لتحصيل المسلم على هذا النوع من الإيمان بالتمسّك بالعروة الوثقى، وهو نصّ قرآني يدعو المسلمين إلى هذا الإيمان الذي سيجعلهم أكثر أمناً وأكثر سكينة وهدوءاً واستقراراً.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية المباركة، حول الإيمان المكتمل: (نحن المسلمون نشهد بشهادتين: الأولى: لا إله إلا الله، والأخرى: محمد رسول الله. والمكمّل لهاتين الشهادتين هم عترة النبي صلي الله عليه وآله الطاهرة. فإذا قال أحد بأنه يقبل القرآن ولكن لا يقبل نبيّ الإسلام فلا شكّ، لا يُقبل منه هذا الإيمان، لأن مثل هذا الإيمان هو بمثابة جسد بلا روح. والحواس والأعضاء لجسد لهذا ميتة ولا إدراك لها ولا فهم، ولا يرجى منها أيّة فائدة).

الترابط بين حلقتيّ الإيمان
إذن فالإيمان الذي سيجعل المسلم أكثر أمناً وأكثر سكينة وهدوءاً واستقراراً، هو الإيمان المكتمل والمعزّز بالشروط التي يتطلّبها إيمان الروح والجسد معاً، والذي يجمع بين القرآن الكريم وبين نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وهذا ما يسجِّل على المسلم حتمية الإيمان بالعترة المطهّرة وهم آل البيت عليهم السلام.

وفي هذا الصدد، لابد أن يكون هناك ترابط بين أهم حلقتين للإيمان الحق، وإذا تم التمسّك بواحدة دون الأخرى، فإنّ إيمان الإنسان لا يكتمل، وإذا بقي الإيمان ناقصاً، فإن الإنسان هو الخاسر الأول فضلاً عن الأمّة والمجتمعات الإسلامية عموماً، فمن دون الإيمان الحقيقي سيبقى الإنسان تائهاً في بحر المصالح، والنزاعات من أجل أهداف مادية دنيوية زائلة.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي أهمية اكتمال الإيمان من خلال الربط بين حلقتيّ الإيمان اللتان تتمثّلان بالقرآن الكريم والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وعترته كتحصيل حاصل، استناداً إلى المنطق وإلى الروايات المثبتة في هذا المجال، وهذه إحدى الروايات التي نقلتها العشرات من الكتب بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، كما ذكر سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه: (لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي).

ويضيف سماحته بشأن الإيمان المكتمل والمترابط بين أهم حلقتين للايمان الحق، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (يجب الإيمان والاعتقاد بالقرآن وبالنبيّ صلى الله عليه وآله وبعترته الطاهرة معاً أيضاً. والعترة الطاهرة هم: الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وباقي الأئمة الأطهار إلى مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

وحينذاك يمكن للمسلم أن يعيش حالة الإيمان المكتمل التي تفتح أمامه آفاق الإيمان الروحي، المتّصل بالمادة والمنسجم معها، فيصبح الإنسان ذا قدرة على التصرّف والتفكير بحكمة وهدوء وتروّي، عندما تزول عنه حالات الضغط المادية، فيلجأ إلى الرؤية المتوازنة التي تمنع عنه الجشع والطمع وتفضيل الذات، ولعل هذه القدرة على كبح جماح النفس والسيطرة عليها، تعد من أهم مزايا الإيمان المكتمل، الذي لن يتحقّق إلاّ وفق الشروط التي ذكرها سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية هذه.

استمسك بالعروة الوثقى
ومن شروط الإيمان المكتمل، أن يتمسّك ويستمسك المسلم بالعروة الوثقى، وهذا بالضبط ما ورد في النص القرآني بشكل واضح وصريح، كما بيّنه سماحة المرجع الشيرازي في هذه الكلمة، عندما قال سماحته في هذا المجال: (إنّ كلمة ـ تمسّك ـ تختلف عن كلمة - تشبّث-، فالذي يكون في حال الغرق تراه يمسك بكل شيء لكي لا يغرق، فتراه يمسك النباتات الموجودة بأطراف النهر أو الشط، ولكن بسبب ثقل وزنه، تنقطع النباتات، فيغرق. وفي اللغة العربية يسمّى هذا الشيء بالتشبّث. وهذا النوع من المسك لا فائدة من ورائه. ولكن إذا مسك شجرة وخلّص نفسه من الغرق ففي هذه الحالة يسمّي مسكه بتمسّك، والقرآن الكريم يذكر هذا النوع من التمسّك بأساس راسخ ومحكم وقوي حيث قال تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى).

ولا شك أن الإنسان يبحث عن الضمان الأفضل له، في الحياة الأولى وفي الدار الأخرى، وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون التمسّك بالعروة الوثقى، حيث يقود المسلم إيمانه بالقرآن وبنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وبعترته الطاهرة، إلى الإيمان المكتمل بكل مزاياه التي تحقّق للإنسان السكينة والهدوء والحكمة في التفكير والسلوك معاً، وتجعله مطمئناً ثابت الجنان.

من الواضح أن الإسلام المنجي من المهالك، لا يمكن أن يتحقّق من دون تحقيق شروط الإيمان المكتمل، لذلك لابد للمسلم أن يؤمن ويتمسّك بالقرآن والعترة، ومن دون هذا الأمر، يبقى حاله كحال من يتمسّك بالنباتات الهشة عند الغرق، لأن الإنقاذ لا يمكن أن يتحقّق إلاّ من خلال التمسّك بالوسائل القوية الصحيحة والمسندة والتي لها جذورها القوية الصحيحة، وهي تتحقّق هنا من خلال التمسّك بحلقتيّ الإيمان المكتمل والمتمثّل بالقرآن والعترة.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن، الذي ينصّ على: (انّ المقصود من كلام النبي صلى الله عليه وآله ـ ما إن تمسّكتم بهما ـ يعني القرآن والعترة، وهذا يعني إنّ الإسلام هو التمسّك بالقرآن والعترة، وهذا الإسلام هو الإسلام المنجي وفيه سعادة الدنيا والآخرة).