LOGIN
المقالات
alshirazi.org
التراحم والتعاون المتبادَل طريقنا للارتقاء
رمز 254
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 25 أبريل 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: في المجتمعات الناجحة، هناك صفة يتشابه فيها الناس جميعاً، وهي أهمية الشعور بالآخر، والوقوف معه في أزماته، والعمل بسعي حثيث لمساعدته على تحقيق حياة أفضل، نعم في المجتمعات المتقدّمة، لا يفكّر الإنسان بنفسه أو عائلته فقط، بل يساوي بينه وبين الآخرين في الفوائد، وفي بعض الحالات يفضّل الآخر على نفسه، ليس استجابة للجانب الأخلاقي ولا تلبية للنداء الإنساني الذي يحثّ الجميع على مثل هذا السلوك، ولكن هناك إيمان لدى الإنسان في تلك المجتمعات، بأن الحياة الأفضل للشخص نفسه وللآخرين تكمن في التعاون وبذل أقصى ما يمكن من الجهود، لتذليل المصاعب التي قد يواجهها الإنسان.

ومن البديهي أن يرتبط التعاون بالأخلاق، فالإنسان الذي يبدي تعاوناً طوعياً وجيّداً ومتواصلاً مع الآخرين، لا شكّ أنه يتحلّى بأخلاق راسخة، فمعاونة الناس والأخلاق صنوان لا يفترقان، بمعنى من المستحيل أن تجد إنساناً متعاوناً مع الآخرين، ولا يملك ما يكفي من الأخلاق، لأن أساس التعاون والمساعدة في تذليل مصاعب الناس وحاجاتهم، تكمن في السلوك الإنساني السليم، وكأن ذلك هو الأساس أو النبع الذي ينطلق منه التعاون والتراحم والتسامح وكل الصفات الحميدة الأخرى.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين: (عملان يحبّهما الله تعإلى، ويوجبان ترك كثير من المعاصي أيضاً، وهما من الأمور التي أكدت الروايات على أنها تولّد السعادة مع أنهما في الوقت نفسه بسيطان ولا صعوبة فيهما: أولاً: أن يسعى الإنسان دائماً لأن يقابل الناس بخلق حسن. ثانياً: السعي في خدمة الناس وقضاء حوائجهم وحلّ مشكلاتهم).

ولهذا فإنّ سعي الإنسان في هذا الطريق سيجعله في مكانة مرموقة ودائمة من الرضوان الالهي، فمن يتدخّل بصورة فاعلة وسليمة بحلّ مشكلات الآخرين، ومن يسهم في تذليل مصاعبهم، ومن يسعى دائماً لقضاء حوائجهم، سيجد الجزاء الذي يليق به محفوظاً له بعد مغادرة حياتنا الأولى هذه، لأن الله سبحانه، يحبّ المحسنين المتعاونين، الفاعلين في مجال مساعدة الآخرين، وهذا ما نلاحظه بصورة فعلية في المجتمعات المؤمنة والناجحة في وقت واحد.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكلمة المذكورة: (لو سعى الإنسان لأن يقابل الناس بخلق حسن، وخدمتهم وقضاء حوائجهم، وحلّ مشكلاتهم، فإنه سيدرك قيمتهما عندما يوضع في القبر، لأن الله سيساعده كما ساعد الناس).

حلّ مشكلات الآخرين
لذلك كان العلماء الأفاضل وجميع الدعاة الصالحين والخطباء والمفكّرين، ولا زالوا حتى هذه اللحظة، يدعون ويحثّون الجميع على أهمية التعاون مع الآخر والشعور به، والإحساس بالمسؤولية المتبادَلة، لأن السبيل الأهم والأسرع نحو التطوّر والاستقرار وتحسين سبل الحياة، يكمن في التعاون مع الآخر من خلال تقديم المعونة المادية والمعنوية كالاستشارة والرأي وما شابه، من أجل تذليل المصاعب التي قد يتعرّض لها الإنسان، وهذا السلوك في حقيقة الأمر ينبغي أن يتعلّمه الإنسان طفلاً في حاضنته الاجتماعية الصغرى (العائلة) حتى تنمو وتترعرع في داخله منذ الصغر.

كذلك لابدّ للإنسان المؤمن أن يسعى لإزالة الخلافات مع الآخرين، والابتعاد عن النزاعات الفردية أو الجماعية، بالكلام أو بسواه، فلا ينبغي أن ينشغل المؤمنون بالمشكلات فيما بينهم وخاصّة الدينية منها، بل يجب أن يتركز انشغالهم على الحلول اللازمة لهذه المشكلات، وليس ترسيخها وتقويتها ونشرها بين الناس، حتى لا يكون هناك طريقاً لصنع التنازعات والأزمات.

يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (ينبغي للمؤمن أن يسعى - بجد واهتمام - في حلّ مشكلات أخيه المؤمن، وإزالة الاختلافات من بين صفوف المؤمنين لئلا يتنازعوا فيما بينهم بسبب الأمور الدينية). في هذه ستكون هناك منفعة للجميع، ينبغي الحرص عليها وتطويرها، لأنها حصيلة التعاون المتبادل بين أفراد المجتمع.

علماً أن حالة النفع، لا ينبغي أن تقتصر على الأقربين أو المقرّبين فقط، بل حتى الأباعد ومنهم (الأعداء) من المستحسَن أن تصلهم هذه المنفعة أو تلك، كونها سبيلاً لتقليص الاختلاف، وطريقاً للتقريب بين الناس جميعاً، وهذا هو الهدف من نشر التعاون بين الجميع، والقضاء المتبادَل للحاجات المختلفة.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب بكلمته نفسها: إن (إيصال النفع للعباد لا يختصّ بالأخوة والأقارب بل ينبغي أن يشمل الأعداء والأباعد). ولعل الهدف من هذه الدعوة واضح كل الوضوح، فحتى من يختلف معك، عندما يلمس اهتمامك به ومساعدتك له في حلّ مشكلاته، سوف يرقّ قلبه لك ويلين، وسوف تتضاءل حالة البغض في نفسه، وتحلّ محلّها حالة الوئام والتقارب، وهذا تحديداً ما تهدف إليه دعوة سماحة المرجع الشيرازي المسلمين نحو حالة التعاون وحلّ المشكلات بصورة متبادلة، والمساعدة في قضاء الحوائج وما شابه.

نظافة فطرة الإنسان
يرى أصحاب الاختصاص، أن التركيبة النفسية والبايولوجية للإنسان، تدلّ على أنه يميل بفطرته نحو الصلاح، فهو يميل إلى ذلك فطرياً، وهو مجبول على إعجاب الناس به، بسبب شخصيته الجيدة، وأفعاله التي تصبّ في خير الآخرين وصالحهم، لهذا يقول العلماء والفلاسفة أن أساس السعادة يكمن في العطاء، لذلك هناك ربط بين هذا العطاء وبين أهمية حلّ المشكلات وقضاء الحوائج والتعاون مع الآخرين على هذا الأساس، فمن تمدّ له يد العون، تتوقع منه أن يقوم بالمثل، وهذا الأمر يشكّل نوعاً من التراحم بين الناس، وهو مأخوذ عن الرحمة الإلهية أصلاً، فالإنسان عندما يميل إلى تقديم المساعدة للآخرين، إنما يندفع في هذا الاتجاه، تحت إحساسه وشعوره بالرحمة الإلهية التي ستشمله جزاءً على أعماله هذه.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: أن (كل إنسان يميل بفطرته إلى أن يكون صالحاً نظيفاً معافى، وأن صريح كلام الله تعالى يلفت إلى أن الله خلق الإنسان ليرحمه)، إذاً عليه بالمقابل أن يرحم الناس من خلال تعاونه معهم في إكمال نواقصهم، ومساعدتهم في ما يحتاجونه من أمور قد تكون مهمة وحاجة ماسّة بالنسبة لهم، وقد يكون بعضها سبباً في إدامة الحياة بصورة أفضل وأكثر لياقة بكرامة الإنسان وقيمته.

لذلك يشعر الإنسان أن تقديمه المساعدة للآخرين، تدخل في مرضاة الله، وتكسبه الرحمة الإلهية، علماً أن الله سبحانه، يضاعف من قدرات الإنسان إذا كان متعاوناً رحوماً رؤوفاً بالناس، علماً أن بناء المجتمعات يقوم بالدرجة الأولى على شعور الأفراد بالمسؤولية الأخلاقية تجاه بعضهم البعض، ولا شكّ أن إهمال هذا الشرط الحياتي المهم، يصنع نوعاً من المجافاة بين الناس ويؤدي بدوره إلى خرق في النسيج المجتمعي لا يمكن إصلاحه إلاّ بنشر ثقافة وسلوك (قضاء الحاجات)، الأمر الذي يزيد من أواصر العلاقات الجيدة بين أعضاء المجتمع الواحد، ويجعل من حالة التراحم بين الناس منهج سلوك دائم بينهم.

كما يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إذا عمل الإنسان بصورة حسنة وبإخلاص فإنّ الله برحمته، سيعينه ويرشده ويسدّده إلى الطريق الصحيح). فكلما كان الإنسان متعاوناً، ساعياً إلى مساعدة الناس، كلما كانت الإرادة الإلهية إلى جانبه، لكي يكون أكثر قدرة على المضي في هذا السلوك الإنساني القويم.