شبكة النبأ المعلوماتية: وفقاً للتعاليم الإسلامية، استطاع النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، أن يبني دولة تمكّنت من أن تضاهي، بل تتجاوز الدول المعاصرة لها آنذاك، من حيث القوة والاستقرار، وحماية حقوق الأمة، ونشر العلم، ومحاربة الفقر، ودرء مخاطر التطرّف، والقضاء على العادات القبلية التي كانت تعشعش في النسيج المجتمعي للعرب قبل مجيء الإسلام، فتم تشييد دولة الإسلام الكبرى بقيادة النبي الكريم صلى الله عليه وآله، حتى صارت مثالاً ونموذجاً للدول الأخرى.
والسبب بطبيعة الحال، هو الالتزام بجوهر التعاليم الإسلامية الخاصة في إدارة شؤون الدولة كافّة، في السياسة والحرب والسلم والزراعة والتجارة والحقوق والتعليم وما شابه، هذا هو الجذر الأول لنموذج سياسة المسلمين ودولتهم، والعجب كل العجب يكمن في مجافاة حكّام المسلمين في العصر الراهن لذلك النموذج القوي السليم في بناء الدولة.
إذ أن معظم الأنظمة السياسية في العالمين العربي والإسلامي، تضع في دستورها الإسلام ديناً رسمياً لدولها، ولكن المشكلة الكبرى تكمن في عدم التزام بعض الأنظمة بجوهر الإسلام، أي ان الحكّام وأنظمتهم في الدولة الإسلامية، يعلنون شيئاً، وينتهجون سبلاً أخرى تظلم شعوبهم، وتسلب حقوقهم، ويحمون عروشهم بالحديد والنار والقتل وسرقة المال العام، وما إلى ذلك من أساليب، انتهجتها الأنظمة المستبدّة، التي تدّعي الإسلام وهي بعيدة عنه كل البعد.
ومما لوحظ عن بعض الحكومات التي تعلن الإسلام ديناً لها، أنها تعلن إسلامها رسمياً ولكنها لا تلتزم بجوهر التعاليم الإسلامية في التطبيق الفعلي، مما يسيء إلى الدين الإسلامي، إذ تتحوّل إلى حكومات دكتاتورية تهدف لحماية مصالحها، وتسعى لغبن حقوق الشعب، فتعمد إلى تطبيق الإسلام بصورة شكلية لا جوهرية، وحسب مصالحها، وتتهرّب من تعاليم الإسلام التي تساوي وتوازن بين الحاكم والمحكوم من حيث الحقوق والواجبات.
لذلك يرى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كما جاء ذلك في كتاب (من عبق المرجعية): بأن (تطبيق الإسلام بصورة ناقصة يعطي صورة مشوّهة عن الإسلام، وهذا هو حال بعض الدول الإسلامية اليوم، المتبجّحة بتطبيق الإسلام مع أنها لا تطبّق إلاّ جَلْد الزاني وقطع يد السارق، فهل هذا هو الإسلام وحسب؟).
إنّ جوهر الدين يتعلّق بتنظيم الحياة، بكل مجالاتها وتفاصيلها، ويسعى إلى الموازنة بين الحقوق والواجبات، وضمان حرية الرأي، وحقوق الفرد والأمة، وحق المعارضة، وتأكيد الضمان الاجتماعي، لذلك فإنّ الإسلام ليس أقوال فقط، بل تعاليم تتجسّد في الأعمال والأفعال، لاسيما في إدارة الدولة وشؤون الأمة.
ضمان حياة أفضل للمواطن
مما لا شكّ فيه أن الحقوق الفردية والجماعية التي وردت في النصوص القرآنية، وفي الأحاديث النبويّة الشريفة، وفي أقوال وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام، أكّدت بما لا يقبل التهاون أو التردّد، على أهمية ضمان حق الإنسان في حياة أفضل، تتناسب مع القيمة الكبرى للإنسان، لذلك فإن الحاكم الذي يعلن نفسه سلطاناً على الناس، عليه أولاً الوصول إلى السلطة بصورة مشروعة، عبر الانتخابات، أي ينبغي أن يستمد شرعيته من سلطة الشعب.
وعليه أن يلتزم بتعاليم الإسلام في التطبيق وليس فقط في قول النصوص وقراءتها، وإلاّ فإنّ الإعلان وحده لا يكفي، ولا يصحّ أن يتبجّح الحكّام بالدين كأقوال فقط، أو انتساب بالاسم فقط، لأن الإسلام كما يعرف الجميع، يمثّل منهج حياة ضامن لحقوق الجميع، وعلى الحاكم وحكومته تطبيق النصوص التي تنظّم العلاقة بين الطرفين بصورة عادلة، فلا يصحّ أن يطالب الحاكم بواجبات الدولة على المواطن، ويهمل الحقوق التي ينبغي على الدولة المحافظة عليها وحمايتها، ومن ثم تطبيقها من أجل ضمان حياة أفضل للناس.
إن التبجّح بالعدالة وإعلان التمسّك بها لن يحقّقها، وان التكلّم بصوت الحقّ يحتاج إلى تطبيق عملي مشهود، وإن إعلان السلطة بأنها مهتمة بمصالح الشعب يحتاج إلى إثبات دائماً، هذا الاثبات يتمثّل بتطبيق الدين روحاً وفعلاً في التجربة، استناداً إلى ما يريده الله تعالى من الطرفين الحاكم والمحكوم.
أي أنه ليس هناك مفرّ للحاكم من النجاح في تطبيق المعنى الحرّ في الإسلام على الواقع الفعلي، وليس هناك أي مجال للفشل من خلال اعتماد التصريح والقول المجرّد، لأن الكلام وحده والوعود وحدها، ربما تتناقض مع ما يقوم به الحاكم وحكومته من أفعال تجاه الشعب أو الأمة!!، وفي هذه الحالة لا يعدّ الحاكم إسلامياً، ولا حكومته أيضاً.
من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي، أن القول واللفظ وحده لا يكفي، ما لم يدعمه الفعل الواقعي للسلطة أو الحاكم، حتى لو أعلن بأنه ينتمي إلى الدين الإسلامي، لذلك يؤكّد سماحته قائلاً في هذا المجال: (لا يكفي للحاكم أن يقول: إنني حاكم إسلامي، بل لا بد أن يكون مستنداً إلى القرآن والسنّة، فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون سلام الله عليهم، ويقولون أنه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّى بالإسلام).
المنهج المناسب لحياة الناس
من الأمور المهمة التي ينبغي التنبّه إليها من لدن الحاكم الإسلامي، البحث الدائم عن المنهج الفكري والعملي الذي يناسب حياة الناس ويجعلها أفضل، وهذا يتوافر بصورة محقّقة في جوهر الدين الإسلامي، ولكن تبقى عقبة التطبيق هي المشكلة التي غالباً ما تواجه الأنظمة الإسلامية، أو التي تعلن بأنها تدين بالإسلام، فالحقيقة أن الإعلان والانتساب لا يكفي وحده، ما لم يتم إثبات ذلك من خلال التطبيق العملي.
وهكذا يوجد منهج واضح ومعروف في الإسلام، وهو كما نلاحظ من خلال مضامينه الإنسانية التي تراعي مقتضيات الإنسان، يناسب حياة الأمة، كونه يراعي جميع الظروف الإنسانية المحيطة بالإنسان، لا سيما أن جميع التعاليم الإسلامية تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة والرفاه، وتدعيم الجانب الأخلاقي لدى الناس عموماً من دون فوارق طبقية أو عرقية وما شابه.
لذلك يرى سماحة المرجع الشيرازي، بأن الإسلام: (له نظام خاص للحكم، وإدارة شؤون المجتمع، كما لا شكّ في أن هذا النظام الإسلامي الخاص قد طُبّق في البلاد الإسلامية طيلة ثلاثة عشر قرناً حتى سقوط الدولة الإسلامية قبل أكثر من نصف قرن، سواء أكان التطبيق تامّاً أم ناقصاً). وهذا النظام يمثّل خريطة عمل لإدارة الحكم وتنظيم العلاقة بين الحكومة والأمة.
كذلك هنالك مواصفات ينبغي أن يتّصف بها الحاكم الإسلامي، كونها تشكّل علامات مهمة عن شخصيته، وطريقة أدائه وتعامله مع السلطة وإدارة شؤون الشعب، إذ لا يصحّ تنصيب من هو غير متفقّه أو عالم بشؤون الحياة والدين والمجالات السياسية والاقتصادية وسواها، لأن الحاكم مسؤول عن الجميع، ومسؤوليته تحتّم عليه أن يكون ملمّاً بالعلوم والفقه وأصول الدين وغير ذلك.
من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على: أن (مواصفات الحاكم الإسلامي: أنه رجل مؤمن، متفقّه في الدين تماماً، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلّى بالعدالة التامة، فمتى ما توفّرت في الإنسان هذه الشروط، ورضي به أكثر الناس صار حاكماً).
واستناداً إلى ما تقدّم، لا يمكن أن نسمّي من يحكم باسم الإسلام، حاكماً إسلامياً، إلاّ عندما ينجح في تطبيق جوهر الإسلام على الواقع، وعندما يفشل في تحقيق التطبيق الفعلي لأفكار الدين ومبادئه، على حياة الأمّة وإدارة شؤونها، عند ذاك لا يمكن أن نطلق عليه صفة (الحاكم الإسلامي)، لهذا ينبغي أن يكون السياسيون الإسلاميون، أو من يعلنون الانتساب إلى الإسلام فكراً وسياسة، ملتزمين بجوهر العدالة الإسلامية عندما يسوسون ويحكمون الناس.