LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"ثورة العشرين: "
معطيات القيادة والفتوى
رمز 69
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 10 يوليو 2012
((مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم، رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسّل بالقوة الدفاعية، إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطاليبهم)).

نصّ الفتوى التي أصدرها آية الله الميرزا محمّد تقي الدين الشيرازي قدّس سرّه بعد رفض الإنكليز إيقاف القتال في مدينة الرميثة، إذ كان لاعتقال ابن الشيرازي الميرزا محمد رضا من قبل الإنكليز ونفيه خارج العراق أثر كبير تسبّب في حركة العشائر العراقية كونه أحد قادة الثورة، حيث اتهم من قبل الإنكليز وبالأخص ويلسون بأنه منبع الحركات المناوئة لهم في منطقة الفرات الأوسط، إضافة إلى الحوادث التي اندلعت في منطقة دير الزور، فسبب هذا الاعتقال هياج عشائر الرميثة والذي تم على إثره توقيف رئيس عشيرة الظوالم شعلان أبو الجون، من قبل الضابط البريطاني هيات، معاون الحاكم السياسي في الرميثة، فاقتحم عشرة أفراد من رجال قبيلته مكان حجزه وحرروه، بعد قتلهم الشرطيين.

وظلت عشائر الرميثة تقاتل وحدها القوات البريطانية بدون أن تسرع إلى نجدتها العشائر الأخرى وقد مَثَلَّ ذلك ألم شديد للإمام الشيرازي في كربلاء والمجتهدين الآخرين في المدن المقدّسة، مما أدّى به إلى بذل الجهود الحثيثة لوقف القتال، فأرسل لهذا الغرض، وفداً إلى ويلسون في بغداد مكوناً من السادة: هبة الدين الشهرستاني، والميرزا أحمد الخراساني، إلاّ إن هذه الجهود المحمودة لوقف القتال قد فشلت، مع اشتدادها في جبهات القتال في الرميثة الأمر الذي لم يتردّد معه الإمام الشيرازي في إصدار فتواه الشهيرة، والتي ألهبت مشاعر الثورة في جميع مدن الوسط والجنوب.

من خلال المعطيات المتقدمة في أعلاه نلاحظ ما يلي:

أولاً: فيما يخص الفتوى؛
1- إن الإمام الشيرازي قائد الثورة كان يحرص أشدّ الحرص على انتزاع الحقوق بالوسائل السلمية والابتعاد عن العنف مادامت تلك الوسائل متاحة وتؤدي إلى الحفاظ على أرواح الناس.

2- التوسّل بالقوة الدفاعية في نص الفتوى جاء كحل أخير بعد أن استقدمت بريطانيا عساكرها ونشرتها في جميع المدن العراقية بخلاف الوعود التي أطلقها القادة الإنكليز عند إسقاط الولايات العثمانية في العراق.

ثانياً: فيما يخص القيادة؛
1- لم تشرع القوى العشائرية بالتحرّك لطرد الإنكليز إلاّ بناءً على أوامر المرجعية الدينية متمثلة بفتوى القائد الشيرازي.

2- استنفاذ مفاوضاته مع الإنكليز لإيقاف القتال في الرميثة حينما أرسل إليهم من ينوب عنه بوقف القصف على العشائر الثائر وفكّ الحصار عنها قبل أن يصدر فتواه وتهب بقية العشائر لنجدتها.

3- إرسال مندوبين على وجه السرعة إلى كافة العشائر العراقية لإبلاغهم بفتواه، الأمر الذي فتح عدد كبير من الجبهات أمام المحتل الإنكليزي.

4- لم يترك جانب التفاوض والمطالبة بالحقوق أثناء اندلاع الثورة والقتال، الأمر الذي قوى موقفه التفاوضي مادام المحتل يتعرّض للخسائر المادية والبشرية.

ثالثاً: فيما يخص الجانب السياسي؛
1- إن ثورة العشرين لم تكن عبارة عن عصيان مسلح قامت به العشائر العراقية ضد السلطات البريطانية المتحضرة كما ادّعت ذلك بعض الدراسات والمصادر البريطانية، كما أنها لم تكن محدّدة الفكر السياسي كما ادّعت هذه الدراسات والمصادر بالإضافة إلى بعض الدراسات الأخرى المناوئة للثورة، ففتوى الشيخ الشيرازي بالتوحّد ضد الإنكليز في العراق جعلت الإنكليز يجرّون أذيال الخيبة والانكسار ويسحبون جيوشهم من أرض العراق، وتركت آثارها الواضحة فيما بعد على الحياة السياسية والفكرية في العراق.

2- تم أول اجتماع في كربلاء مع أغلب رؤساء العشائر من الوسط والجنوب برئاسة القائد الشيرازي، وتشكّل من هذه القبائل وحدات عسكرية توزّعت من قضاء الرميثة إلى كربلاء، وأقر الاجتماع (المؤتمر) في كربلاء بالتحرّك السريع ضد القوات البريطانية كما قرروا أن يعقد اجتماع سياسي في بغداد للتحرّك لإسناد الثورة التي انطلقت من كربلاء وبفتوى من الشيرازي.

3- لقد تمكّن القائد الشيرازي من استقطاب أكثر من ستين من المجتهدين الذين كانوا مراجع التقليد في ذلك اليوم، أو صاروا مراجع للتقليد فيما بعد، أمثال: شيخ الشريعة الأصبهاني والشيخ محمد كاظم الشيرازي والسيد مهدي الشيرازي والسيد عبد الهادي الشيرازي والشيخ مهدي الخالصي والسيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ ميرزا حسين النائيني وغيرهم ممن ذكرت أحوالهم في التاريخ مفصّلة، فإنهم كانوا معه، ولذا كان معه سائر علماء الدين.

رابعاً: فيما يخص أخلاق القيادة:
كما يذكر ذلك عنه المرجع الديني الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي قدّس سرّه بالقول: (وكانت صفاته النفسية قدّس سرّه من العلم والحلم والزهد والتقوى والورع، وأخلاقه الاجتماعية من المداراة وحسن الخلق وما أشبه وتدبيره للأمور من العوامل التي سبّبت حبّ الناس له حبّاً منقطع النظير، وكان من زهده أنه لم يكن يملك حتى داراً لسكنه وإنما كان ساكناً في دار مستأجرة، وقد رأيت تلك الدار حيث كان يسكنها أولاده من بعده، ولباسه كان بسيطاً أيضاً وأحياناً كان يلبس الملابس المرقّعة، كما أن طعامه كان بسيطاً إلى أبعد حد)، الأمر الذي جعل حبّه في قلوب الجميع وكان ذلك سبباً واضحاً في نجاح الثورة. 

 
مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com