في ليالي شهر رمضان العظيم يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات على بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحته دام ظله يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلى ما يتفضل به سماحته من وصايا وتوجيهات.
الشك في جزئية مكانٍ من المسجد
سئل سماحته في بدء الجلسة بالإشارة إلى كلام صاحب العروة «اذا شك في موضع من المسجد أنّه جزء منه او من مرافقه لم يجرِ عليه حكم المسجد». إذا تعامل المؤمنون مع موضع من المسجد معاملة المسجدية ولكن مع ذلك كان يشك في جزئيته من المسجد فما هو التكليف؟
أجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: أنه في الشبهة البدوية بعد الفحص تجري أصالة البراءة، والفقهاء وإن قالوا في الأصول بعدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية ولكن التزموا في الفقه عملاً؛ بلزوم الفحص في الشبهات الموضوعية وتسالموا عليه.
وأما في فرض السؤال فإنه تثبت جزئية ذلك الموضع من المسجد بعمل المؤمنين لأن عملهم وإن كان دليلا لبياً، ولكنه في مقام الظاهر لا فرق بينه وبين الدليل اللفظي من حيث التنجير والإعذار.
التزاحم بين إرتكاب مفطرَين وفروعه
ثم سئل سماحته دام ظله: عما لو دخلت بعوضة في حلق الصائم ودار الأمر بين إبتلاعها وبين إخراجها بالقيء من الحلق فبأي من الأمرين يعمل؟
فأجاب سماحته: هذه المسألة من صغريات باب التزاحم وفي التزاحم لو استفيد من الأدلة كون أحد المتزاحمين أهم فيجب تقديم الأهم، وأما إذا كان أحدهما محتمل الأهمية، فقد قال جمع من الفقهاء كالميرزا الشيرازي والميرزا النائيني: إن محتمل الأهمية في حكم محرز الأهمية فيجب تقديمه في مقام الظاهر، ولكن قلنا سابقاً: إنه لا يجب تقديم محتمل الأهمية لأن أهميته ليست محرزةً، ولا معلومة بل مشكوكة وعند الشك تجري أصالة البراءة وعند التزاحم لو لم تحرز أهمية أحد الأمرين المتزاحمين فالمكلف مخير في تقديم أي منهما شاء.
وفي فرض السؤال أيضاً التزاحم هو بين إرتكاب مفطِرَين؛ لأن المكلف لابد من إرتكابه لأحد الأمرين المحرّمين وفي مثل هذا الحال لو اُحرزت أهمية أحد الأمرين فيقدم محرز الأهمية، وإلا فمقتضى القاعدة هو التخيير كما أن جمعاً من الفقهاء قد أفتوا بلزوم ارتكاب أحد الطرفين من دون تعيين.
قال أحد الحاضرين: البعوضة هي من الخبائث ولا يجوز أكلها فيقدم إخراجها ولو أدّى ذلك إلى إخراجها بالقيء..؟
أجاب سماحته دام ظله : نعم لو كانت البعوضة من الخبائث فيكون الإفطار بها إفطارا بالحرام وإخراجها بنحو يوجب القيء يكون أهون من هذه الجهة ولذا يقدم إخراجها على إبتلاعها.
وقد طرح نظيرَ هذه المسألة صاحب العروة أيضاً وهي: لو أن صائما دخلت البعوضة في حلقه حال الصلاة فلو بلعها يبطل الصوم وإذا أخرجها يستلزم تلفظ حرفين وهو مبطل للصلاة، قال صاحب العروة فيقدم مبطل الصلاة على مبطل الصوم فتخرج البعوضة وإن استلزم تلفظ حرفين وإبطال الصلاة.
ومع أن الصلاة أهم من الصوم قطعا، إلا أنه أفتى الفقهاء هنا بتقديم إبطال الصلاة لجهة إرتكاز المتشرعة أو لغير ذلك.
حكم الإفطار لإحتمال الضرر
ومن ضمن ما طرح في الجلسة هو ما طرحه أحد الفضلاء قائلا: لو أفطر شخص أياماً لإحتمال الضرر البالغ، وتيقن بعد ذلك أن الصوم لم يكن مضرّاً بحاله فما هو تكليفه؟
فأجاب مدّ ظله الشريف: يكفي إحتمال الضرر ولو إنكشف الخلاف، وفي فرض السؤال يقضي الصوم ولا تجب عليه الكفارة لأن دليل الكفارة ناظر إلى صورة العمد ولا يصدق عنوان العامد على هذا الشخص.
فروع في نية الصوم
ثم طرحت مسألة أخرى في خصوص نية الصوم وهي: لو أن أحداً لم ينو الصوم من أول الفجر ثم ندم قبل الظهر ونوى الصوم فهل يصح صومه؟
فأجاب سماحته دام ظله: قال بعض الفقهاء بلزوم الإمساك وبوجوب الكفارة عليه، ولكن الذي يبدو أن الشخص إذا لم يرتكب المفطرات يجب عليه أن يجدد نية الصوم قبل الزوال ويصوم، بدليل ما جاء في الخبر: لو دخل المسافر وطنه قبل الظهر ولم يرتكب المفطر فعليه أن ينوي الصوم ويصوم، ويستفاد من هذا الخبر أنه في ما نحن فيه أيضاً الحكم كذلك، أي يفهم منه عدم خصوصية السفر، وإن قال مشهور الفقهاء أن نية الإفطار ونية المفطر مبطلةٌ للصوم، علماً أنه على المبنى المنصور ـ لا يجوز التعدي عن قول المشهور إلا أن يوجد دليل أقوى في المسألة، كما وجدنا تمامية الدليل في ما نحن فيه فعدلنا عن قولهم.
نعم، قد ارتكب هو حراماً من جهة الحكم التكليفي حيث لم ينو الصوم ولذا يجب عليه التوبة والإستغفار، وأما في الصوم الندبي فيمكن أن يمتد وقت نية الصيام إلى الغروب.
نسيان عدد الصلوات الفائتة
ثم سأل أحد الحاضرين: لو أن شخصاً كان قد علم عدد الصلوات الفائتة منه ثم نسي العدد ولا يعلم مقدار الفوائت فهل يجوز له أن يأتي الأقل في مقام الإمتثال؟
فقال سماحته دام ظله: إذا لم يكن المكلف مقصراً في مقدمات النسيان، فيأتي بالأقل وتجري البراءة في الأكثر وأما إذا كان مقصراً في مقدمات النسيان فلا يشمله حديث الرفع.
حكم صوم من جهل ببعض المفطرات
والسؤال الآخر الذي طرح في هذه الجلسة هو: ما حكم صوم شخص كان جاهلاً بمفطرات الصوم؟ وما هو حكمه لو إرتكب أحد تلك المفطرات عن جهل ؟
فقال سماحته دام ظله الشريف: العلم التفصيلي بالمفطرات ليس شرطاً في صحة الصوم فإذا نوى الشخص أنه يجتنب عما هو مفطر للصوم واجتنب فعلا، فصومه صحيح ولكن لو إرتكب عمداً بالجهل التقصيري الإتيان بالمفطر فعليه قضاء صومه.
ملاك الضمان في الصغير
ومما طرح أيضا في هذه الجلسة السؤال التالي: لو أن صغيراً أقدم بأمر صغير آخر على عمل يوجب الضمان لو كان كبيراً فهل على الصغير ضمان؟
فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: قد تسالم الفقهاء على أنه لا فرق في الضمان بين الصغير والكبير والمجنون والعاقل فإذا كان الصغير أو المجنون ضامناً، فلو كان له مال فيجب أداء الضمان من ذلك المال، وإن لم يكن له مال؛ فيجب أداؤه على عهدة إمام المسلمين وليس على وليّهما شيء.
نعم، الأصل في الضمان أن يكون على المباشر، إلا إذا كان السبب أقوى من المباشر، كأن يكون المباشر صبياً أو مجنوناً أو حيواناً ويكون السبب بالغاً وعاقلاً فيجب الضمان حينئذ على السبب دون المباشر.
التباكي على الإمام الحسين صلوات الله عليه
وفي ختام الجلسة سئل عن المراد من التباكي على الإمام الحسين عليه السلام الوارد في الروايات هل المراد منه التظاهر بالبكاء أو المراد هو التكلّف بالبكاء؟
فقال سماحته دام ظله: يبدو أنه يشمل كلا الموضوعين، والتباكي هو من مصاديق الجزع. وقد جاء في الرواية عن الإمام أمير أميرالمؤمنين عليه السلام: (إن لم تكن حليماً فتحلّم) أي إذا لم تكن متّصفاً بالحلم فأوجب على نفسك أن تكون حليماً والزم نفسك به.