LOGIN
المقالات
alshirazi.org
غواية المعاصَرة وحماية الشباب من مخاطر الزلل
رمز 46
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 8 مارس 2012
شبكة النبأ: ملامح العصر الراهن وملامحه تشكّل تحدّياً صارخاً للشباب بالدرجة الأولى ولسائر الناس الآخرين، أما نوع التحدّي فيتمثّل بوسائل الغواية التي ينطوي عليها العصر، لاسيما أننا نعيش ثورة المعلومات والاتصال بطريقة لم يسبق لها مثيل، حيث تتاح أمام الشاب سبل الانحراف في العالم الافتراضي، الذي بات يحتوي على كل المتناقضات التي تحتوي على الشر والخير في آن واحد، لهذا أصبحت حالات التحصين وحماية الشباب من غواية العصر أمراً محتوماً.
هنا يتضاعف العمل من أجل حماية الشباب من الانحراف، وهذا الأمر يتطلّب جهوداً مشتركة ومتنوّعة، لا تتوقّف على المحيط العائلي أو المدرسي أو الإعلامي وسواه، إنها جهود ينبغي أن تكون حثيثة ومخلصة لدر مخاطر العصر المعلوماتي في جانبه السيئ على الشباب.
في هذا الصدد، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في إحدى محاضراته القيمة: (أمّا وصيّتي إلى الشباب فأقول لهم: لا تدعوا أيّاً من الشباب ينحرف إلى طريق الفساد، إنّ خير من يسوق الشباب صوب الخير والهداية هو أمثالهم من الشباب) ويضيف سماحته قائلاً: (ما أكثر الحالات ـ عبر التاريخ ـ التي أنقذ أخ أخاه أو أخته من الفساد والضلالة).
على أننا يجب أن ننتهج سبل الإصلاح الصحيحة في هذا المجال، فهناك طرق يمكن إتاحتها للشباب لكي يستدلّوا بها على مكامن وسبل المسارات المتوازنة، وهي سبل كثيرة ومتعدّدة، لكن ينبغي اختيار ما هو أنسب منها للشباب، بمعني يلائم ذائقتهم وأعمارهم ومستوياتهم العقلية والفكرية، لكي لا يذهبوا إلى البدائل الخاطئة، لذا يركّز سماحة المرجع الشيرازي في هذا المضمار، على أهمية الأناة والاستدلال قائلاً في محاضرته: (لابدّ من إنقاذ الشباب ـ بالأناة والاستدلال ـ من الطرق المنحرفة وإرشادهم إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم. وفي هذا المضمار يجدر بالشباب أن يطالعوا رسالة الإمام الصادق سلام الله عليه إلى شيعته -الواردة في كتاب تحف العقول وبحار الأنوار وغيرهما- بدقّة وتأمّل، وأن يعملوا بها، ويكثّروها، يوزّعوها على الآخرين).
وكلنا نتفق على ان عمر الشباب يجعله أكثر حماسة من غيره، وربما يقوده ذلك إلى حالة من التزمت بالرأي أو التوجّه، لذا لابد من مراعاة هذه النقطة بدقة، عندما نحاول توجيه الشاب نحو السبل التي لا تؤدّي به إلى المزالق، بمعنى ينبغي أن نتعامل مع ذهن الشاب ونوازعه النفسية وسواها، بطرق سهلة ومقبولة تجعله يندفع إلينا ويتشبث بنا، بدلاً من أن يتهرّب منّا بسبب سوء الاسلوب والتعامل وما شابه، خاصة أن تجربة الشاب في الحياة لا تزال طرية بعد، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (ليتعامل الآباء والأمّهات إيضاً بحسن مع أبنائهم، وأن يكونوا أصدقاء معهم، لا أن يأمروهم وينهوهم فقط. ليسعوا في دعوتهم إلى مكارم الأخلاق عن طريق الكلام الليّن والقصص والأساليب المناسبة الأخرى، ولا ينسوا أنّ هؤلاء الأبناء لم يذوقوا مرارة الحياة ولم يكتسبوا التجارب بعد، ولكنهم في الوقت نفسه يتمتّعون بفطرة أنقى وأنهم يتقبّلون الخير أسرع من غيرهم. فعن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال: عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير).
إن قضية اصلاح الشباب ليست مهمة يسيرة، بل تتطلّب جهوداً مكثّفة لابد أن تتحلّى بالإقناع والسلاسة والكياسة أيضاً، فكلما كان اسلوب التوجيه مقنعاً ورقيقاً وواضحاً، كلما كان تقبّل الشاب له اكثر وأكثر، وفي جميع الحالات لا يجوز التخلّي عن الشاب، حتى لو أظهر نوعاً من عدم القناعة أو التفهّم، بمعنى ينبغي مواصلة محاولات الإصلاح مراراً وتكراراً، حتى نضمن تحصين الشباب من الزلل، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (ربّ شابّ يتغيّر بجملة واحدة، ولكن ليس كل الشباب هكذا، فقد يحتاج شابّ آخر إلى مئة جلسة حتى يهتدي ويسير في طريق الصلاح، فهل طول الفترة والجهود اللازمة مسوّغ للتخلّي عنه، كلاّ بالطبع. لابدّ من بذل الوقت والجهد لكلا الشابّين).
إن الجهود التي يبذلها الأبوان مثلاً في تربية أولادهما بالطرق السليمة، قد لا تكون سهلة، وقد تنطوي على متاعب جمة، لكن في نهاية المطاف يكون القطاف مثمراً لهما وناجحاً ومجزياً أيضاً، لأن قيمة الولد الصالح كبيرة جدّاً، ليس في الحياة الأولى فحسب، إنما في الدار الأخرى أيضاً، وقد وردت كثير من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على أهمية التربية الصالحة للأبناء (الذكور والإناث)، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في محاضرته نفسها: (إنّ الولد الصالح أغلى من أيّ شيء، وكما أنّ لكلّ عمل صعوباته الخاصّة، فكذلك تربية الأولاد ليست مهمّة يسيرة ولكنّها تستحقّ ما يبذل في سبيلها، لأن الولد الصالح ينفع والديه في الدنيا وفي البرزخ والقيامة).
ربما يهتدي بعض الشباب بسهولة ويسر، وربما يعاند آخرون، أو تتعثر محاولات الإصلاح لهم، لكن على العموم، تبقى فطرة الشاب على درجة من النقاء تتيح للمصلح أن يعيدها إلى طريق الرشد، نعم ربما نواجه عوائق وصعوبات في هذا المضمار، وهو أمر يرتبط بطبيعة النفس البشرية وتركيبتها، وليس فقط بالشباب وطبائعهم، لذا يتطلّب الحال جهوداً قد تكون استثنائية أحياناً، بمعنى لابد أن نبذل ما يكفي من الجهود، لإصلاح الشاب في جميع الحالات ولا ينبغي أن نركن إلى اليأس والكف عن محاولات التوجيه والإصلاح، لأن الأمر ينطوي على أمانة لا يجوز تجاوزها، أو عدم الالتزام بها، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إن للشباب فطرة نقية، ولكن لابدّ من السعي والبناء حتى نهديهم إلى الطريق الصحيح).
وأخيراً إن العمل على تصحيح مسارات الشباب وهدايتهم إلى الصواب، لا يمر من دون جزاء، مع أن الغاية الأولى من الإصلاح لا تكمن في طلب الجزاء، بل الهدف هو تحقيق حياة ناجحة للفرد والعائلة والمجتمع عموماً، ومع ذلك يعد الإصلاح مصداقاً من أهم مصاديق الوفاء للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (لاشك أن السعي لنشر ثقافة وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم والأخلاق النبوية وإنقاد الشباب من المزالق والمهاوي والأخذ بأيدهم نحو الخير والهداية والصلاح يُعدّ من أهمّ مصاديق الوفاء لرسول الله والعرفان بجميله وتوقيره والاعتراف بحرمته صلى الله عليه وآله).