في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
من المسائل التي تم البحث عنها ومناقشتها في هذه الليلة وهي الليلة الثانية من ليالي شهر ررمضان المبارک: مسألة الوطن والمسافر وحدّ الترخّص. حيث سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً:
هل يعتبر مسقط الرأس شرط في تحقّق الوطن؟ مثلاً إذا ولد طفل بقم المقدّسة، وبعد يوم أو يومين من ولادته انتقل أبواه إلي مدينة اُخري، فهل تعتبر مدينة قم المقدّسة التي کانت مسقط رأس الطفل وطن لهذا الطفل؟
فأجاب سماحته دام ظله: هنالک قول للحاج آقا رضا الهمداني صاحب کتاب: «مصباح الفقيه» في هذه المسألة، وقد أخذ به الفقهاء الذين أتوا بعده، وهو: أنه لا يوجد عندنا عنوان مقيّد بالوطن، أي لا يوجد عندنا عنوانين: عنوان للمواطن، وعنوان للمسافر، بل إن المستفاد من الأدلة عنوان واحد وهو: إنّ علي الإنسان أن يصلّي صلاة کاملة ويصوم شهر رمضان إلاّ إذا کان مسافراً، مما يعني أنه يجب أن يکون عنوان المسافر محرزاً حتي تکون الصلاة قصراً، وحتي لا يصوم في شهر رمضان. ولذلک إذا صدق عرفاً علي شخص ما أنه مسافر، فهذا الشخص تکون صلاته قصراً ولا يصوم. وأما إذا لم يصدق عليه عنوان المسافر، فإنّه يصلّي تماماً ويصوم.
علي سبيل المثال: إذا جاء شخص مع عائلته من أقصي الکرة الأرضية إلي مدينة قم المقدّسة ـ مثلاً ـ واشتري بيتاً وقال اُريد السکن في قم، فمن اليوم الأول سوف لا يقال له ـ عرفاً ـ بأنه مسافر، وإن سأل عنه أحد فسيقال له بأن فلان قد سکن مدينة قم ولا يقولون له بأنه مسافر في قم. فالملاک هو العرف. وأما بالنسبة للطفل الذي ولد في قم وارتحل أبواه وأخذوه إلي بلد آخر، فإذا کانت ولادته فقط في قم، فإن العرف لا يعدّ الولادة ملاکاًًًً للوطن. وأما إذا سکن قم سنوات عديدة، ففي هذه الحالة تعدّ مدينة قم المقدّسة وطناً له.
وسأل آخر: لنفرض أن هذا الذي جاء من أقصي العالم وسکن في قم المقدّسة، انتقل إلي طهران ليسکن فيها، لکنه في نفس الوقت عزم علي أن يأتي إلي مدينة قم المقدسة ليبقي فيها مدّة شهر رمضان المبارک، فما هو حکم صلاته وصومه في قم المقدّسة؟
أجاب سماحته: إذا کان انتقاله إلي طهران لأجل السکن، فلهذه المسألة صورتان:
الأولي: أن يکون قد أعرض عن مدينة قم المقدّسة، وذلک بأن لم يکن له عزم علي الرجوع إلي قم للسکن ثانية، ففي هذه الصورة يکون مسافراً في قم المقدّسة إلاّ أن ينوي إقامة عشرة أيام.
الثانية: أن ليکون غير معرض عن مدينة قم المقدّسة، وذلک بأن کان قد عزم علي السکن فيها مرّة اُخري، ففي هذه الصورة ستکون قم المقدّسة ـ وهي وطنه الاتخاذي ـ يعدّ وطناً له، فيصلّي فيها متي ما جاء إليها تماماً ويصوم.
وأضاف السائل نفسه قائلاً: کم هي المدّة التي يجب أن يبقي فيها في ذلک المکان حتي يصدق عليه أنه وطنه الاتخاذي؟
قال سماحته في جوابه: المسألة عرفية، ولا تحتاج إلي مدّة محدّدة، فمثلاً: من يقضي شهرين من فصل الصيف في مدينة مشهد المقدّسة، فإنّه لا يقال ـ عرفاً ـ بأن مشهد وطنه، بل يقال له: أنه مسافر.
ثم أضاف سماحته قائلاً: إن الذي يبدو للنظر هو: ان من ينوي البقاء لمدة سنة في مکان لا يقال له انه مسافر، ويکفيه عدم صدق عنوان المسافر عليه، فإذا أقبل شخص من بلدة اُخري وقال: اُريد البقاء في قم لمدّة سنة واحدة لمواصلة دراستي وليس أکثر من سنة، فإن العرف يرونه انه ساکن في قم ولم يقل أحد بأنه جاء مسافراً إلي قم المقدّسة، فالملاک: هو العرف، ويکفيه أن لا يراه مسافراً، ومادام لم يصدق عليه المسافر وجب عليه أن يصلّي تماماً ويصوم.
وهنا أردف السائل قائلاً: لو أن إنساناً سافر إلي العتبات المقدّسة وعزم علي البقاء في کل منها سنة کاملة فما هو حکمه؟
فأجاب سماحته قائلاً: إن مما يذکر عن الشيخ عباس القمّي صاحب کتاب «مفاتيح الجنان» أنه کان قد بقي في مکّة المکرّمة لمدّة سنتين، وفي المدينة المنوّرة لمدّة سنة، وفي مشهد المقدّسة سنوات، وفي سامراء سنة، وليس الشيخ عباس وحده بل کان ذلک دأب کثير من المؤمنين حيث کانت حريّة السفر قبل تحکيم الحدود الاستعمارية بين البلاد الإسلامية موجودة، فيکون کل واحد من هذه البلاد وطناً له مادام لم يعرض عنها.
وهنا سأل أحد الفضلاء الحضور قائلاً: هل ملاک إعراض الإنسان عن إعراضه الأول هو نفسه؟
أجاب سماحته قائلاً: في المسألة خلاف لکن الذي يبدو للنظر هو کون الملاک واحداً والمسألة کما قلت عرفية.
وسأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً: هل تتبع الزوجة زوجها في مسألة التمام والقصر؟
أجاب سماحته: للزوجة حکمها الخاص بها ولا تتبع زوجها فيما أشرتم إليه، إلاّ إذا عزمت علي أن تکون تابعة لزوجها، وأما إذا لم تقصد ذلک فلها حکمها. فمثلاً: إذا سافرت الزوجة مع زوجها إلي مدينة ما، وعزم الزوج علي الإقامة فيها عشرة أيام، وعلي أن لا يخرج منها إلاّ بعد مضي عشرة أيام، ولکن الزوجة قد نوت علي أن تکلّم زوجها بعد مضي ثلاثة أو أربعة أيام وتقنعه بالمغادرة قبل انقضاء عشرة أيام. فهنا حيث إن الزوجة لم تقصد الإقامة عشرة أيام عليها أن تصلّي قصراً. وأما زوجها الذي نوي الإقامة عشراً فإنّ عليه أن يصلّي تماماً.
وأضاف سماحته قائلاً: نعم الزوجة تتبع زوجها في السکن لأنه فيه دليل خاص، إلاّ إذا کان في المسألة ضرر أو حرج وغير ذلک.
وسأل أحد الحضور: ما هو حکم أبناء مثل هذين الزوجين، أي اللذين مرّ ذکرهما آنفاً؟
قال سماحته: الأبناء مستقلّون، ولهم الحکم الخاصّ بهم ويتبعون قصدهم أنفسهم، إلاّ إذا قصدوا التبعية للوالدين فيتبعونهما في الحکم، علماً بأن الأبناء عادة يتبعون والديهم في السفر حيث يسافرون معهما ويرجعون معهما.
من جانب آخر سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، وکان سؤاله فيما يخصّ آداب الصيام وأحکامه، فقال: قال لي شخص بأنه عندما يصوم يصبح في حالة عصبية شديدة، إلي درجة أنه لا يتحمّل أولاده ويقوم بضربهم ضرباً مبرحاً، ولا يستطيع أن يتمالک نفسه. فهل ما يصدر من الشخص يتزاحم الصوم معه فيکون له الحقّ في أن لا يصوم؟
فأجاب سماحته قائلاً: کلا، ليس له الحقّ في ذلک، بل يجب عليه أن يصوم وعليه أن لا يضرب أولاده، وإنما يجب عليه أن يصوم لأنه ليس الصوم سبب في ضرب أولاده، بل إن الصوم ليس أکثر من معدّ فقط، ومعه لا تزاحم فلا يسقط عنه وجوب الصوم.
ثم إن سماحته أضاف سؤالاً استنکارياً بقوله: إذا قام الأب بسبب جوعه بضرب ابنه، فهل يمکننا أن نقول بأن الجوع علي هذا الأب حرام ويجب عليه أن يأکل؟ لا شک أن الجواب هو کلا، فضرب الأبن حرام وليس الصيام. نعم إذا کان للصوم السببية العرفية للضرب فإن الکلام هنا سيکون شيئاً آخر، ولکن الصوم هنا ليس سبباً وإنما له دور المعدّ فقط.
وقال السائل مضيفاً: علي فرض کون الصوم هو السبب في ضرب الأب ابنه، فما العمل؟
قال سماحته: يجب علي الأب أن يصوم ويذهب إلي مکان لا يتواجد فيه ابنه.
وسأل أحد الفضلاء سماحته قائلاً: بالنسبة للخبّازين الذين يعتبر الصوم عليهم حرجاً، ما هو الدليل علي أنه يجوز لهم أن يشربوا الماء بمقدار الضرورة؟
أجاب سماحته: الدليل الدال علي أن الضرورات تقدّر بقدرها.
فسأل أحد الفضلاء الحضور: في هذه الحالة لا يعدّ ذلک صياماً، لأن الصوم هو إمساک بين الحدّين؟
فأجابه سماحته: لوجود روايات خاصّة في هذا المجال، ومنها: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لنا فتيات وشباناً لا يقدرون علي الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش؟ قال: فليشربوا بقدر ما تروي به نفوسهم وما يحذرون»(1). وقد استفاد صاحب الوسائل هذه الرواية في مورد ذي العطاش، مع أنه لم يرد ذلک في الرواية.
وأضاف سماحته قائلاً: إن صاحب العروة اعتبر مسألة ذي العطاش ومسألة الخبّاز ونحوه مسألتين لا مسألة واحدة، وقد وافقه عليه أغلب الفقهاء، وعليه: فلا يُعلم أنه يجوز للخبّازين أن يشربوا الماء أکثر من مقدار الضرورة کما قلنا بذلک في ذي العطاش والملحق به کالمصابين بالأمراض الکليوية الذي يضرّهم عدم شرب الماء.
ثم قال سماحته: إذا کان الخبّاز بشربه الماء تزول مشکلته، فيجوز له أن يشرب الماء بمقدار الضرورة ويعطي عن کل يوم مدّاً من الطعام إلي الفقير، ثم يجب عليه قضاؤه بعد ذلک، فليس حاله حال ذي العطاش ومن يلحق به.
وسأل أحد الفضلاء الحضور السؤال التالي وقال: إذا اُغمي علي الإنسان وبقي في حالة الإغماء طيلة اليوم کله قالوا: هذا لا يجب عليه قضاء صلوات ذلک اليوم، ولکن إذا نام اليوم کله قالوا: بأنه يجب عليه أن يقضي ما فاته في ذلک اليوم من الصلوات،. فما الفرق بين الحالتين؟
فقال سماحته في جوابه: الفرق هو: قيام الإجماع والضرورة علي وجوب قضاء الصلاة التي نام عنها الإنسان. بينما في الإغماء دليل خاص علي عدم وجوب القضاء، ولولا هذا الدليل الخاص لقلنا بأنه يجب القضاء علي المغمي عليه أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) مشکاة الأنوار/ الفصل الرابع في الخلوة والعزلة و.../ ص258.