LOGIN
اليوم الأربعاء 3 شوال المكرّم 1446 2nd April 2025
اليوم الأربعاء 3 شوال المكرّم 1446 2nd April 2025
alshirazi.org
alshirazi.org
alshirazi.org

العلماء أمناء الرسل

تاريخ بحث الخارج 16 جمادى الأولى 1443

بسم الله الرحمن الرحيم 

بقلم: سماحة الشيخ حسين الفدائي دامت بركاته
 
الخمس في الإسلام هو أحد الموارد المالية والضرائب الرسمية التي لها دور العمود الفقري بالنسبة إلي الاقتصاد الإسلامي، علماً بان نظام الاقتصاد الإسلامي هو أفضل النظم الاقتصادية ألتي عرفها العالم وجرّبها في حياته الطويلة، فهو ليس كالنظام الاقتصادي الرأسمالي، كما أنه ليس كالنظام الاقتصادي الاشتراكي، بل هو نظام يجمع كل محسنات الأنظمة الاقتصادية المعروفة وغير المعروفة، ويخلو من جميع مساوئ الأنظمة الاقتصادية المعروفة وغيرها.
نعم، النظام الإقتصادي في الإسلام نظام مستقلّ، منسجم مع الفطرة الإنسانية، ومتكيّف مع تطوّر الزمن ومستجدّات الساحة العالمية. إنه كفيل بنفي الفقر والحاجة، وضامن لتوفير الرزق والرفاه.

إن من مميزات النظام الإقتصادي في الإسلام: توزيع الثروة في الناس، والعمل علي تأمين الحاجات الأولية لكل إنسان، ومن أجل ذلك حرّم الربا بكلّ أشكاله تحريماً باتّاً، فلم يسح بأخذ الفوائد علي القروض، ولم يأذن بفرض الضرائب المالية تحت أيّ إسم كان غير الضرائب الأربعة ألتي عيّنها الإسلام تعييناً واضحاً، وحدّدها تحديداً دقيقاً ومتقناً، ألا وهي: الخمس والزكاة والجزية والخراج.

وهذه الضرائب الأربع مورداً أو أخذاً، وكذلك صرفاً وانفاقاً، نظّمت بصورة يستلزم تطبيقها تنظيم العلاقة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي وخاصة الخمس، حيث إنّه يؤخذ من كلّ مال يحصل عليه الإنسان ويفيض من نفقات سنته، ومصروفات عامه من أكل وشرب، وملبس ومنكح، ومسكن ومكسب، وحجّ وعمرة، وسفر وزيارة، وغير ذلك، ويُصرف في كلّ ما يسدّ حاجات الفرد والمجتمع من صغيرة وكبيرة، وإسعاف وترفيه، وعلم وثقافه، وتقدّم ورقيّ؛ وذلك كما قال تعالي: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...» الأنفال: 41. كما قال سبحانه: «ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فللّه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عينه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب» الحشر:7.
فلأهميّة الخمس وأهمية دوره في الاقتصاد الإسلامي، وكبير تأثيره على تقدّم المجتمع ورقيّه، ونموّه وازدهاره، إختار سماحة السيد المرجع دام ظله تقديم بحث الخارج في كتاب الخمس من العروة الوثقي، علي غيره من الكتب الفقهية الأخري.

فابتدأ سماحته أولاً وفي أول السنة الدراسية للحوزة المباركة في قم المقدسة البحث عن قول صاحب العروة: كتاب الخمس، فقال: هنا عدة مطالب تمهيدية:

1- التمهيد الأول: الخُمْس بسكون الميم والخُمُس بضمّه كلاهما ورد في اللغة، والقرآن الكريم عبر عنه بالضمّ. كما عبّر بالضم عن الثلُث والربُع والسدُس والثمُن، وهو الأبلغ.
ثم ذكر سماحته قول الشيخ الأنصاري في أول كتاب الخمس: من أن الخمس لغة: رابع المكسور، وشرعاً: إسم لحق في المال يجب للحجة (عليه السلام) وقبيله، ونقده: بأن هذا التفسير والتفريق بين المعني اللغوي والشرعي للخمس يشبه تفسير صاحب الشرايع للزكاة وتفريقه بين معناه اللغوي والشرعي وهو في الزكاة في محلّه، لأن الزكاة لغة غيرالزكاة شرعاً، فالزكاة لغة: النموّ، وشرعاً: إعطاء شيء من المال ونقيصة فيه؛ بينما الخمس متّحد من حيث المعنى لغة وشرعاً، فالآية الكريمة التي تقول: «فأن لله خمسه» أي: إن واحداً من خمسة يكون لله سبحانه، وليس معناه: إسم للحقّ الواجب في المال. وعليه، فالأفضل أن نقول: الخمس لغة وشرعاً وعرفاً: هو رابع الكسور، جعله الله تعالي حقاً وحكماً في المال بشروط معيّنة للأصناف الستة، كما قال تعالي: «فأنّ لله خمسه وللرسول، ولذي القربي، واليتامي، والمساكين، وابن السبيل».

2- التمهيد الثاني: ثم تعرّض سماحته لتقييد الشيخ الأنصاري الخمس عند تعريفه له: بكونه حقّاً في المال، وقال: هو نظير تعبير المحقق في الزكاة، والكلام في أنه هل هو كذلك مجرّد حقٍ، أو هو حكم أيضاً؟ ثم أجاب: الظاهر: أنه حكم أيضاً، فهو حق وحكم معاً، أي: هو حق لأرباب الخمس من الأصناف الستة، وهو حكم من الله واجب او مستحب ايضاً.

3- التمهيد الثالث: ثم تطرّق سماحته لقول الشيخ الأنصاري: يجب (في تعريفه للخمس بكونه إسم لحق في المال يجب للحجة عليه السلام وقبيله) وقال: إنّ مراد الشيخ قدس سره من الوجوب هو الغلبة، وذلك لوجود موارد يستحبّ الخمس فيها.

4- التمهيد الرابع: ثم إنتقل سماحته إلي كلام صاحب العروة وقوله بعد ذلك: «وهو من الفرائض» قائلاً: إن الفريضة على ما في قواميس اللغة كمجمع البحرين على معنيين:
أ ـ بمعنى التقدير وجعل المقدار ب ـ بمعني طرفي القوس الذي يتصل الوتر بهما.
ثم علّق سماحته عليه بقوله: والظاهر: إن المعني الثاني ليس هو معنى آخر، وإنما هو مصداق للمقدار، اذ القوس هو الآلة المحدودة التي ينتهي (حدود) بها عند طرفيها. فهو نوع مقدار، وكذا يكون ـ أي: مصداقاً للمقدار ـ المعني الشرعي للفريضة، إذ الفرض شرعاً: هو ‌ إمّا الواجب مقابل الندب، وإما فرض الله كركعتي الصلاة لليومية مقابل فرض الرسول كالركعات المضافة إلي ركعتي الظهرين والعشائين، و واضح أن كلاً منها نوع مقدار. 

ثم إن سماحته ذكر بعد لفظ الفريضة أموراً تالية:
الأمر الأول: إن جعل الخمس للنبي صلي الله عليه وآله وذريته لايتنافي مع قوله تعالي: «قل لا اسألكم عليه اجراً» فان الله سبحانه لم يجعل للنبي صلي الله عليه وآله اجراً مادياً وإنما جعل له أجراً معنوياً كما قال عزوجل: «إلا المودة في القربي» وذلك لأن الخمس ليس أجراً للرسالة، بل هو لمصلحة الإسلام والأمة الإسلامية، ففي الحديث الشريف: إن الخمس عوننا علي ديننا، وعليه: فهو ليس عوضاً بل هو عون على الدين وسدّ خلّة للفقراء السادة من اليتامي والمساكين ولابن السبيل.
الأمرالثاني: ثم تعرض سماحته لقول صاحب العروة: «وقد جعلها الله تعالي لمحمد صلي الله عليه وآله وذريته عوضاً عن الزكاة» وقال: إن فيه اشارة إلى أن أصل التشريع في الصدقات هو: الزكاة، ثم اضاف قائلاً: وهو في نفس الوقت لايدل علي أن الزكاة أهم إذ هما جعلان مستقلان، فإن للخمس أوّلاً: تشريعاً مستقلاً، وثانياً هو في نفسه أكبر أهمية لما يترتب عليه من آثار كبيرة.
الأمر الثالث: ثم تطرق سماحة دام ظله لما قاله صاحب العروة بعد ذلك وهو: «إكراماً لهم» واضاف قائلاً: إن الخمس جعله الله إكراماً للنبي صلي الله عليه وآله وذريته، إذ في تخصيص التشريع بهم هو نوع إكرام وإن لم يكن فرق في المورد والمتعلق، فكيف والحال أنه يختلف مورداً ومتعلقاً مع الزكاة.
الأمر الرابع: إن المراد من جعل الخمس للنبي وذريته عوضاً عن الزكاة، إنما هو علي الأصل الأولي وعلى نحو في الجملة، وإلا فإن للسيد ان يعطي صدقاته الواجبة من زكاة ماله وزكاة فطرته للسيد مطلقاً علي المشهور وكذا الصدقات المستحبة، وعلي غير المشهور لغير السيد اعطاء حتى الصدقات الواجبة للسيد ايضاً.
الأمر الخامس: إن ما جاء في الروايات الصحيحة سنداً من وصف الزكاة بأنه أوساخ الناس، فهو نظير قوله تعالي في وصف المتصرفين في الخمس بلا إذن شرعي فيه – كما جاء في تفسير أهل البيت عليهم السلام وتأويلهم للآية الكريمة – :«الذين يأكلون أموال اليتامي ظلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً» فللظالم يكون ناراً، ولمانع الزكاة يكون وسخاً، وهذا التعبير في الروايات الشريفة كالتعبير في الآية الكريمة هو من البلاغة ونوع من الحجاز.
ثم طرح سماحته عدة أسئلة وأحال الجواب عنها الي درس قادم وحلقة قادمة باذن الله تعالي.

متابعة بحث الخارج
alshirazi.org

مثالية الحاكم وصنع المعجزات

تاريخ المقالات 29 رمضان العظيم 1446

شبكة النبأ: (نصر الله المسلمين في مواقف كان النصر فيها يبدو مستحيلا بالحسابات العقلية) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

عاش المسلمون عبر تاريخهم الحافل بالتحديات، مواقف ومصاعب لا حدود لها، لاسيما في البدايات الأولى لإشهار الرسالة النبوية والانتقال من السرية إلى العلن، حيث بدأت حرب التجويع والحصار والعزلة ضد أولئك الرجال الأوائل، الذين رسّخوا أسس الإسلام في تربة كانت مليئة بالأمراض والعداوات، ومع ذلك تم غرس بذور الرسالة النبوية، ونمتْ أغصان الإيمان، واشتد عود الإسلام والمسلمين، وبدأت الحروب الكبرى تلوح في الأفق.

ومع بزوغ مبادئ الإسلام، ودخول الناس فيه أفواجا، بدأت في نفس الوقت تتضاعف التحديات الخطيرة، لدرجة أن نسيجا واهنا من بيت العنكبوت كان يفصل بين ديمومة الإسلام ونهايته، والأحداث التي جرت آنذاك، والبغضاء، وتأليب الناس ضد الحق ومحاولات إضعاف الإيمان ومحوهِ من قلوب المؤمنين، كلها كانت تحتاج إلى قادة من طراز خاص من أمثال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

لذا فإن المخاطر حتى لو كانت تحيط بالمسلمين من جميع الجوانب والجهات، فهذا الأمر ينبغي أن لا يكون سببا في تراجعهم أو خوفهم، أو تزلزل إيمانهم، لأن ما يجري اليوم في واقع المسلمين والعالم أجمع كان قد حدث في رحلة انبثاق الرسالة النبوية، وطريقها الطويل والشاق حيث التحديات الخطيرة والعداوات تكررت مرارا وتكرارا، من هنا على المؤمنين التمسك بالقرآن الكريم والتدبّر في آياته لحماية وصيانة وتقوية رصيد الإيمان في النفوس والقلوب.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في الكتاب القيِّم الموسوم (من عبق المرجعية):

(لا ينبغي على المؤمنين والمؤمنات ان يتزلزل ايمانهم من خلال ما نشاهده هذه الايام وعلى مر التاريخ من احداث تهدف الى اخافة بعض المؤمنين بل عليهم ان يراجعوا القرآن ويقرؤوه ويتدبروا آياته ليروا أية مواقف نصر الله تعالى فيها المسلمين وكيف نصرهم؟).

النصر المستحيل بالحسابات العقلية

إن ما يجري في خصوص الأحداث العالمية، وانتشار الحروب، والظلم الذي تلحقه القوى المتنمرة بالمجتمعات الأضعف ومن بينها بعض المجتمعات الإسلامية، يتطلب موقفا قويا من المؤمنين، من حيث وحدة الصف، وترسيخ القيم الأصيلة، والتماسك بين المسلمين، وقد مر المسلمون عبر تاريخهم بمواقف أكثر خطورة وحرجا في مواجهات لم تكن متكافئة ومع ذلك نصر الله المسلمين المؤمنين على أعدائهم.

كما قرأنا ذلك عن تلك المعارك المصيرية التي كانت تدور بين أعداد المسلمين يوم كان الإسلام لا يزال غضًّا، وكانت أعداد المقاتلين المعادين تشكل أضعافا مضاعفة من عدد المسلمين، ومع ذلك وبقوة الإيمان كتب الله تعالى النصر للمسلمين.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(لقد نصر الله المسلمين في مواقف كان النصر فيها يبدو مستحيلا بالحسابات العقلية ومع ذلك كتب الله لهم النصر ومن تلك المواقف واهمها معركة الاحزاب).

دائما هنالك منافقون يسعون إلى تدمير الإسلام، وتعويق تقدم المسلمين إلى أمام، وقد حدث هذا في بدايات الرسالة النبوية، حتى بعد أن وعد الله تعالى المسلمين بالانتصار على أعدائهم، لكن هنالك المنافقين الذين أغرتهم الدنيا بمغرياتها، وجعلتهم يتنكرون للإسلام ويلتحقون بالكفر والشر والرذيلة.

فقد (وعد الله المسلمين بالنصر في صدر الاسلام ولكن المنافقين والذين في قلوبهم مرض كذبوا الله ورسوله عندما رأوا الاحزاب وقالوا ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) كما أكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي.

وهكذا نحن كمسلمين نواجه اليوم نفس المعوقات والتحديات والأخطار التي جرت في الماضي، فهل نستسلم للضعف، ونفشل في الامتحان الذي خاضوه أسلافنا الأوائل، أم أننا نقوم بما يلزم، ونتحمل مسؤوليتنا في المواجهة الصارمة والتصدي للتحديات الكبيرة التي ترغمنا قوى معادية على أن نقف تلك المواقف الإيمانية التي تنقذنا من حالات التراجع والتردّي.

يتضح بشكل لا يقبل الشك أننا نواجه نفس الامتحان القديم الذي يتكرر اليوم، وهذا يضعنا وجها لوجه أمام المواجهة الحتمية والتصدي الذي لا يقبل التردد، حيث الإيمان يدفعنا نحو تقوية أواصر الإيمان في نفوسنا وقلوبنا، بحثا عن أسباب القوة والرفْعة وحفظ الكرامة، وعدم السماح لمن يسعى لإلحاق الأذى بالمجتمعات الإسلامية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(نحن اليوم معرضون للامتحان نفسه فهل نشك في وعد الله للمؤمنين بالنصر أم نكون من الثابتين على الايمان المصدقين وعد الله غير ظانين به ظن السوء؟).

شخصية الحاكم ورفعة الأمة

بالطبع مثل هذه القضايا المصيرية لها علاقة مباشرة بطبيعة القيادة، وكيفية إدارة السلطة، والقضايا السياسية، وكيفية إدارة هذه المواجهة، وهذا أيضا يحتاج إلى قائد من طراز خاص، لا يختلف عن النموذج القيادي العظيم الذي تمسك بالقيم، ونشرها وعمل بها، ونجح من خلالها في إقامة الدولة القوية، والأمة المتماسكة.

هل قضية التماسك والرفعة لها علاقة بالقيادة ممثلة بشخص الحاكم وحكومته؟، الجواب نعم، الحاكم وطبيعة شخصيته وصفاته وطريقة تعامل مع القيم والواقع وتمشية شؤون الناس وفق الأحكام العادلة والمنصفة، كل هذا سوف يشكل عوامل قوة للمسلمين حكومة وحاكما وأمة، ونحن نقف اليوم كمسلمين أمام الحاكم النموذج الإمام علي عليه السلام، فحينما استشهد كان مديونا للآخرين، هذا النموذج لم يتكرر عبر التاريخ.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (اقرؤوا التاريخ ولاحظوا سيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وامير المؤمنين علي عليه السلام وتاريخ اهل البيت عليهم السلام، فإنه بالمقدار الذي كان لهم الامر وأُتيحت لهم الفرصة ماذا صنعوا؟ كان امير المؤمنين عليه السلام اكبر حاكم على وجه الارض وكان يحكم اكبر دولة على البسيطة في ذلك الزمن، ولكنه لما استشهد عليه السلام كان مديونا هل سمعتم بحاكم وزعيم يموت مديونا؟).

ليس كثيرا على حاكم مثل الإمام علي عليه السلام، أن يخرج من السلطة نظيف اليدين، فهو الذي نهل من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتعلّم في مدرسته الأخلاقية والعلمية والسياسية والاجتماعية، فكان الحاكم النموذج الذي قدم تجربة في الحكم لا يمكن أن تجد مثيلا لها عبر التاريخ، حيث رحل مديونا وبدأ ابنه الإمام الحسن عليه السلام في سداد ديونه، ألا يشكل هذا النموذج الخالد من الحكام مثالا لحكام المسلمين والعالم قاطبةً؟

بالطبع هنالك جذور تربوية ينتمي لها الإمام علي عليه السلام، وكان قد نهل منها أخلاقه وصفاته وملَكاته، ألا وهي الجذور النبوية المحمدية التي نقلت نفس القيم والتقاليد والسلوكيات إلى الإمام علي، ومنه إلى أئمة أهل البيت أحفاد الرسول صلى الله عليه وآله، الذين تربوا أيضا في المدرستين النبوية والعلوية.

لذا يذكر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(بأن رئيس اكبر حكومة على وجه الارض الامام علي بن أبي طالب عليه السلام يموت مديونا وليس عنده شيء ولذلك ظل الامام الحسن عليه السلام مدة مديدة وهو يسدد ديون ابيه امير المؤمنين عليه السلام وهذا كان شأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ايضا فقد كانت تأتيه الملايين ويوزعها ثم لما حضرته الوفاة قال يا علي انت قاضي ديني حيث توفي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو مديون وكانت درعه مرهونة وهذا أشهر من ان يذكر ان هذه الامور بحاجة الى تأمّل وعلينا ان نقتدي بهؤلاء الاطهار عليهم السلام).

في الختام نحن نقف بإزاء حكام عظماء، جاد بهم التاريخ على المسلمين والبشرية كلها، فمن باب أولى أن يبادر الحكام المسلمون إلى الاهتداء بهاتين التجربتين، وبما تبعهما من تجارب أئمة أهل البيت الأطهار التي تقوم على (العدل، الإنصاف، الانتصار للحق) ومن ثم اعتماد منظومة القيم التي تشيع التسامح والاعتدال ونشر السلام والمحبة في أمة المسلمين والبشرية جمعاء.

متابعة المقالات
alshirazi.org

تأملات

تاريخ من عبق المرجعية 16 جمادى الأولى 1443

1-الشيء الذي له قيمة عند الله تعالى ومنَّ به على البشر هو معرفته سبحانه وتعالى؛ وأن يعرف الإنسان لماذا خلق؟ ومن أين أتى؟ ولماذا جاء إلى هذا الوجود؟ وإلى أين سينتهي؟!

2-الوظيفة شيء، والرغبة شيء آخر، ويحسن الفصل بينهما جيدا.

3-إذا كمل عقد الإنسان، لم يركض خلف أهوائه، فهل سيكون ثمة ظلم أو فقر أو بؤس؟ كلا بالطبع.

4-إذا كمل عقل الإنسان، كملت عقيدته وكمل إيمانه، بل كملت حياته أيضا.

5-لتكن لنا في (أويس القرني) قدوة وعبرة، فإن هذا العبد الصالح لم يوفق لأن يدرك الرسول صلى الله عليه وآله مع أنه كان في عصره، فقد كان يعيش في اليمن، وعندما توجه منها إلى المدينة لرؤية الرسول صلى الله عليه وآله وزيارته لم يدركه أيضا، فقد كان صلى الله عليه وآله قد استشهد وتأثر أويس لذلك ولكن هل تعلمون أن أويسا هذا مقدم على كثير ممن صحبوا الرسول صلى الله عليه وآله.

6-إن نوم العالم ليس مجرد ترك، بل هو مقدمة وجود؛ لأن العالم إذا نام استراح، واستراحته هذه تمثل مقدمة للخدمة والهداية وإرشاد الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الجحيم إلى الجنة.

7-نور العالم حسنة.

8-إن الزمان قليل حقا لو لاحظنا بضعا من الأمور، فلو أن أحدنا يعمر مئة سنة فهي قليل تجاه ما يجب عمله، فكيف وأعمارنا أقصر من ذلك؟!

9-ما أكثر القصص! وما أكثر العبر! لكن المهم أن نعتبر ولو بقصة واحدة.

10-قد ننجح في غشّ من لا يعرف نوايانا وما يدور في أذهاننا، ولكن هيهات أن نغش الله تعالى.

11-إذا كنا نتعامل فيما بيننا حسب قناعتنا الشخصية فلا نساوي بين من يخلص إلينا ومن يغشنا، فلماذا نستكثر على الله تعالى أن يعاملنا كذلك؟!

12-لا شك أن الله لا يساوي بين الخائن المخلص، فهل يستوي من يعمل وهدفه منافع دنيوية أعم من أن تكون مالا أو شهرة وسمعة أؤ شيئا آخر ومن يكون عمله خالصا لله وحده، ولا يفكر في ذاته وذاتياته؟

13-الإنسان في شبابه أكثر قدرة على التركيز، والمجال مفتوح أمامه أكثر والمشكلات التي يعاني منها أقل، في الغالب، فغير المتزوج مشكلاته أقل من المتزوج، والمتزوج أقل مشكلات ممن ليس عنده أولاد، وذو الولد الواحد مسؤوليته أقل من ذي الولدين، وهكذا كلما تتقدم بالإنسان الحياة تقل الفرص أمامه وتكون مسؤولياته، ولهذا ينبغي المبادرة إلى تنمية بُعدي الخطابة والكتابة قبل فوات الأوان.

14-إن الاعتماد على الأستاذ والوصول من خبرته وإرشاداته والكتب التي يرشحها، والتدرب لديه، يعني الوصول إلى الهدف بصورة أفضل وأسرع.

15-ارتقاء المدارج يشبه صعود الجبل، فلو أن شخصا سقط من ارتفاع متر جرح جرحا بسيطا، ولكن كلما كان سقوطه من مكان أعلى كانت إصابته أشد ونتائجها أسوأ.

16-نحن، ولله الحمد، نعرف وظائفنا ولو سألنا شخص لأجبناه... ولكن علينا بالعمل.

17-من يبلغ الهدف الذي كان يسعى إليه يحصل على لذة.

18-الإنسان بطبعه يتعجل النتائج.

19-التمويه منشأ لكثير من البدع الموجودة وما نشهده من صراعات بين المؤمنين.

20-هل تظن أن أطراف الصراع من المؤمنين، كلهم يعلمون ما يعملون؟ ويعلمون أنه عصيان؟! كلا، بل كل يزين له أسلوبه ويتصور أنه على حق.

21-إذا كان الأصل في أعمالنا الاقتداء بالأئمة المعصومين سلام الله عليهم وأن المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، فلنفتح صدورنا إذن لكل الناس ونشجعهم على طرح ما يختلج في صدورهم وما يدور في أذهانهم، فهكذا كانت سيرة النبي الأعظم والأئمة المعصومين من أهل بيته سلام الله عليهم.

22-لا شك أن مواعظ النبي صلى الله عليه وآله والقرآن كثيرة، بل إن القرآن معظمه مواعظ، كما لا شك أن كل ما أتى به الأنبياء سلام الله عليهم وما نزل عليهم يتلخص بالقرآن الكريم، فهو عصارة الرسالات السماوية كلها.

23-الذي يتخذ هواه إلها فإنه تهمّه ذاته قبل كل شيء ولا يكترث إن عصى الله في هذا السبيل، فالمهم عنده توفير ذاته وتلبية رعبائها وتحقيق احترامها!

24-ترانا هل نقيم لأحكام الله وزنا كما يقيم بعضنا للدرهم والدينار؟ إن بعض الناس لو سمع بوجود مال وضيع مرمي في مكان ما، بحث عنه وسعى للحصول عليه! ولكن إذا قيل له أن الشيء الفلاني حرام أجابك: هل هذا كل ما في الأمر؟ فهو لا يقيم وزنا لأحكام الله حتى بمقدار عشرة دنانير يركض خلفها ويبحث عنها حتى لمجرد احتمال حصوله عليها.

25-لا انقطاع وانفصام في الحق، والصدق، خلافا للكذب، فحبله قصير سرعان ما يقطع بصاحبه.

26-كيف يصح مقارنة الصفر بالكثير بل لا بد أن يكون مقابل الكثير عدد لتصح المقارنة، ومن هنا قيل: من فضّل علينا على معاوية فقد كفر، لأن معاوية لا فضل عنده ليكون علي أفضل منه، بل لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة، ولا من غير هذه الأمة، أحد، فلقد كانوا صلوات الله عليهم أجمعين في سيرتهم يمثلون القرآن.

27-قد ترى شخصا يكلمك عن موضوع ما كلاما جميلا جدا، ولكن هذا الكلام لا عمق له في قلبه، لأنه لا يلتزم هو به، فمثلا يدعو الناس إلى ترك شرب الخمر بينما هو رجل سكير، أو يدعو إلى الإسلام وهو أول المخالفين له، وربما ترى الرجل جالسا أمامك بوجه منطلق بشوش ولكن لو شق لك عن قلبه لرأيته مليئا بالهموم والمشاكل، وهذا يعني وجود ظواهر وشكليات إلى جانب الحقائق والواقعيات الخالفة والمنافقة.

28-إن مثقالا من الواقع والحقيقة يؤثر أكثر من قنطار من الظواهر الخاوية، فلو أن بين يديك آلافا بل ملايين من البشر لكنهم موتى بلا أرواح، لما كلمك واحد منهم حتى حرفا واحد، ولكن لو تجلب طفلا صغيرا عمره شهر واحد فقط، لملأ لك البيت ضجيجا، وما ذلك إلا لأن الطفل واقع وحقيقة، أما الموتى فلا أثر لهم وإن حدثتهم لم تسمع جوابا، لأنه لا واقع للحياة فيهم.

29-هناك فرق بين المخلِص والخلَص؛ فالمخلِص مَن كانت أعماله خالصة لله، أي يقوم بها لله فقط ولا يقوم بها لغيره لا بالانفراد أي لغير الله فقط، ولا بالشركة أي لغير الله والله معا... أما المخلَص، فهو من طبعه الله بطابع الإخلاص أي ختمه ومهره يختم الإخلاص، فاستخلصه وجعله خالصا وأيّد إخلاصه.

30-لو سئل أحدنا عن عدد الأشخاص الذين عرفهم في حياته وهم مخلصون لله حقا، فلربما لزمه نصف ساعة من التفكير والاستذكار حتى يحضر إلى ذهنه اسم شخص واحد فقط من هذا النمط، ولو فكر أحدنا فيمن حوله من أصدقائه وأقاربه فكم سيكون عدد المخلصين بينهم؟

31-للتشجيع والتثبيط أثر في نفس الإنسان، ولكن من بلغ درجة الإخلاص لا يؤثران في حركته.

32-لو بحثنا لوجدنا أشياء كثيرة لم نكن نعرفها، ولاكتشفنا مطالب جمة لم نكن نتصورها على هذه الصورة أو تلك الكيفية، أي نكتشف أنّا كنّا نجهل أمورا كثيرة، ولا نعذر في جهلنا هذا ما دمنا كنا نتحمله.

33-أعمال الإنسان وتصرفاته تنعبث عن نفسه، فالأعمال الصالحة والخصال الحميدة أما أن تصدر عن نفس هي كذلك كنفوس المعصومين عليهم الصلاة والسلام وأولياء الله تعالى، أو عن نفس ملك صاحبها زمامها.

34-لا شك أن من يفكر في عواقب أموره عدة مرات يتمكن من إتقانها، ولا يخطئ فيها غالبا، كما أن من يكرر مطلبا يتقنه ويتفوق فيه.

35-النقاش المثمر طريق تنمية القوة العلمية.

36-ينبغي على الإنسان أن يكون ذا تصميم قوي وإرشاد قوي وإرادة فولاذية لكي يوفق إلى طاعة الله عز وجل في أعلى مراتبها ونيل أعلى الدرجات.

37-لا بأس أن يتذكر الإنسان أن هناك أناسا كانوا عصاة وفساقا، ولكنهم انقلبوا، بسبب قلوبهم المستعدة والرقيقة، بموعظة أو موعظتين، إلى أناس طيبين وعدول.

38-سوف نتحسر كثيرا يوم القيامة إذ لا مجال لإصلاح أنفسنا عندما نعرف أن إنسانا بعيدا عن المطالب الدينية انقلب طيبا وخيّرا وأصبح أحسن منا عند الله سبحانه وتعالى ولم نغيّر نحن أنفسنا مع أننا كنا نعرف المسائل الدينية أكثر منه.

39-كلما تصارع الحق والباطل، وبرز من المؤمنين جماعة شجعان نذروا أنفسهم لله، يكتب لهم النصر كما كتبه للمؤمنين في الأحزاب، فهذه سنة الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا.

40-من المؤسف حقا أن بعض الناس يبيع إيمانه بالتافه، فمع أنه ليس عضوا ولا عميلا في أجهزة الاستخبارات ولا يتقاضى منهم أجرا ولا مرتبا ولكنه يعطي كل ما عنده للظالمين بلا عوض، ويجعل رقبته جسرا لهم ومعبرا؛ ويكون من الذين قال الله عنهم: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

41-الإنسان كائناً من كان يطغى، أو في معرض الطغيان، فيجب ألاّ يستبد أي شخص بإدارة البلاد، ويجب ألا ينفرد أي إنسان بالحكم.

42-تخلو الثقافة الغربية (اليوم) من الإيمان ومن الأخلاق والفضيلة، والذي على إثره أصبح العلم، الذي هو أفضل وسيلة للرقي والتقدم، والثقافة التي هي أقوى آلة لتحقيق التعارف والتآلف والأمن والسلام في الأمة، بل في العالم كله، وسيلة للانحطاط والتناكر، وآلة لبث الخوف والذعر، والفوضى والاضطراب، والحرب والدمار في الأمة، بل في العالم كله.

43-عمر الإنسان وكيانه الظاهري، أي بدنه، سائر إلى الفناء والزوال، ولكن جنبته المعنوية وروحه، على العكس من ذلك، تسير نحو العروج والتعالي بدل الأفول والنقصان.

44-هناك بعض الأشخاص يبدون ظاهرا أنهم يقضون حياتهم في سلامة من دينهم ولكن عواقبهم في آخر عمرهم تكون إلى شرّ، ويصدق العكس أيضا.

45-ليس في أسماء الله تعالى ما يبعث على الخوف أو الصدود.

46-رحمة الله تعالى ورأفته ومغفرته وكل صفاته وأسمائه لا تحمل من معاني الخوف أو الرهبة شيئا.

47-لماذا لا يخشى الإنسان عدل الله تعالى إذا علم أنه ليس في عقاب الله عز وجل يوم القيامة وقفة، وأنه خالد، وأن أسباب الهلاك والثبور من كل لون تصب على المعاصي في ذلك اليوم، ومع ذلك لا يموت بل يذوق أشد العذاب؟

48-لو تأمل الإنسان قليلا في وصف القرآن الكريم لجهنم وعذابها لما هدأ باله.

49-ليس البائس من يبيت ليلته وهو جائع، أو يقبع في غياهب الزنزانات ويذوق أشد أنواع التعذيب، لأن ذلك كله إلى أجل معلوم ثم بعدها يشبع الجائع ويتحرر السجين، إنما البائس من حكم الله تعالى عليه بالعدل وحسابه على سيئاته، يوم تعرض صحيفة أعمال الخلائق على الله تعالى، فلا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة.

50-نسب رب العزة الكعبة إليه فسميت بيت الله الحرام، وهو تقديس لمكانتها وتشريف لمنزلتها؛ وذلك لأن ليس لله سبحانه بيت بعينه فهو غني عن المكان، لهذا، رفع هذه البقعة من أعماق الأرض إلى قمة السماء، وشرّفها بنسبها إليه عز وجل.

51-إذا كان الإنسان في نور الله عز وجل فلا يزل ولا ينحرف ولا يطغى ولا تسيطر عليه نفسه الأمّارة بالسوء، ولا يسمح للشيطان أن يغويه، وتكون الدنيا بنظره كأهون ما يكون، لأنه يرى بهذا النور حقائق الأشياء، كما يرى بالنور المادي الأجسام ويميز بعضها عن بعض، فيقبل على ما يرغب منها ويدبر عما يكره.

52-إن لم يكن الإنسان في نور الله تعالى، فسيكون في تيه وظلام وحيرة وضلال، وإن كان لا يدرك ذلك وتصور نفسه عارفا بما حوله.

53-إن قول (إنا لله وإنا له راجعون) يجعل الإنسان في نور الله تعالى أي أن الله يمنحه النور ليرى ما ينفعه وما يضره، وفيم يصرف عمره، وكيف يعاشر الناس، وكيف يسيطر على نفسه وشهواته، وكيف يتخلص من حب الدنيا وزخارفها، بل كيف يستطيع أن يعرف ما هو اللائق فيقبل عليه وما هو المذموم فيصدّ عنه، لأن هذا هو حال الإنسان الذي في نور الله عز وجل.

54-كوننا عبيدا لله تعالى هو الواقع شئنا أم أبينا، ولكن الدوافع الأخرى الموجودة تدفعنا إلى عدم الالتفات إلى هذا الواقع أي العبودية، ولذلك تبدو شيئا نحاول إقحامه على أنفسنا.

55-من يقر بالعبودية لله، ويشعر نفسه بها لا يطرده المولى من رحمته وإن صدرت منه بعض المخالفات لأنه سرعان ما ينتبه فيعتذر ويعزم على أن لا يعود لمثلها.

56-زلة بسيطة أو انحراف ضئيل بسبب غفلة ما قد تؤدي إلى معاناة عشرات السنين ومثاله من يخيط بإبرة فتنحرف قليلا فتدخل عينه فكذلك الحال مع الأخطاء المعنوية، فرب خطأ بسيط أو زلة صغيرة تجعل الإنسان يعيش الحسرة والندامة في الآخرة أحقابا.

57-يحاول الإنسان غالبا أن يحسن ظاهره،  بل هو مجبول على ذلك وعلى إخفاء عيوبه ونواقصه، ولذلك فهو يسعى أن يخفي حقيقته وباطنه لئلا يكتشف الآخرون اختلافه عن ظاهره وما يتظاهر به؛ لأن المفترض عادة مطابقة الظاهر مع الباطن، وهو الانطباع المأخوذ عن كل إنسان في الوهلة الأولى إلا أن يثبت خلافه.

58-إذا كان الإنسان قادرا على خداع أخيه الإنسان بظاهره، فإنه لا يقدر على ذلك مع الله لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الضمائر وما تخفي الصدور.

59-لم يقبض الله تعالى أسلافنا لأنه سبحانه كان ينظر إليهم نظرة سلبية، وإنه تعالى لم يجعلنا خلائف في الأرض من بعدهم، لأن نظرته إزاءنا إيجابية، فلا أولئك أساؤوا كافة فاستحقوا الإماتة ولا أننا أحسنا جميعا فأعطينا الحياة من بعدهم، بل إن الله تعالى أعطى كلاً فرصة في هذه الحياة لينظر كيف نعمل.

60-هناك ظاهرة خاطئة في المجتمع، وهي أن كثيرين من الناس يقولون إذا كان فلان مع ما له من المقام الاجتماعي أو العلمي أو الديني يعمل المنكرات أو في حياته زلات، فماذا تتوقعون منا نحن الناس العاديين؟ لا شك أن هذا الكلام ليس صحيحا، بل هو يمثل ظاهرة خاطئة، ويدل على أن قلب المتفوه به غير مرتبط بالله، بل بغيره، وكأنه قد نسي أن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى قلوبنا ولا ينظر إلى صورنا!

61-إننا نتبع علماءنا وقادتنا ونتعلم منهم، ولكن لو انحرف أي منهم بمقدار أنملة فلا ينبغي لنا أن ننحرف معه وإن كان هو السبب في هدايتنا؛ وذلك لأن القلب يجب أن يرتبط بالله تعالى والله ينظر إلى قلوبنا إن كانت مرتبطه به أم لا؟ فإن كانت مرتبطة به وحده فهو الكيف المطلوب الذي خلقنا من أجله وإلا فلا فائدة ترتجى في العمل.

62-يجب أن يكون السّعي الذي أكّد عليه القرآن الحكيم ديدن هذه الأمة دائماً وأبداً؛ كي تجري الأمور في مجاريها بيسر وسهولة، وبعيدة عن المآسي والمشكلات.

63-لقد شاءت إرادة الله سبحانه، أن يتّخذ من الأمّة (شهداء) ليكونوا مناراً للمؤمنين، وقدوات في الصّبر والاستقامة والتضحية للأجيال على مرّ التأريخ.

متابعة من عبق المرجعية
alshirazi.org

تأملات

تاريخ التوصيات 16 جمادى الثانية 1443

1-لو أقسمت لك ألف يمين على أني مخلص لك ولكنك لم تكن مقتنعا بصدقي لما ترى من سلوكي أو ما تخبره من نواياي، أفتعاملني معاملة من تعتقد إخلاصه؟ كلا أبدا! قد تتظاهر معي وتجاملني وتعاملني بالمثل، ولكنك في المنعطفات والمواقع الحساسة تعاملني بالمثل، ولكنك في المنعطفات والمواقع الحساسة تعملني حسب قناعتك، فإن كنت شاكّا بي، فإنك لا تودعني أسرارك، ولو سألتك عن السبب فستحول مجرى الكلام بل قد تنفي وجود سر عندك، بينما الحقيقة هي أنك لا تثق بي، فإذا كانت هذه موازيننا في تعامل بعضنا مع بعض ونرى أنها حق، فلماذا لا نعطي الله الحق نفسه، فنتوقع أن يعاملنا معاملة المخلصين ونحن لم نخلص له في نوايانا؟!

2-تختزل مواعظ النبي صلى الله عليه وآله مواعظ الأنبياء الذين سبقوه كافة، أي مواعظ مئة وثلاثة وعشرين ألفا وتسعمئة وتسعة وتسعين نبيا، ولكن الله سبحانه يطلب من نبيه أن يلخص المواعظ كلها بكلمة واحدة؛ يقول تعالى لنبيه الكريم: (قُلْ إِنّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) و(إنما) كما هو معلوم، تفيد الحصر، أي بموعظة واحدة وحسب، فما هي الموعظة التي يأمر الله نبيه أن يقول لمخاطبيه أنه يعظهم بها وحسب؟ تقول الآية المباركة: (أن تقوموا لله) أي أن يكون قيامكم ونيّتكم وتوجهكم وتفكيركم خالصا لله، ولا يراد من القيام للصلاة أو أداء العبادات الأخرى، بل المقصود التفكير وإخلاص النية، وبتعبيرنا المعاصر نكران الذات والتجرد عنها وأن يكون الله تعالى هو الهدف والنية والوجهة، وليس الذات ومصالحها.

3-إذا خلونا بأنفسنا خاصة إذا هدأت العيون، فليفكر كل منا مع نفسه ويقول: من أكون لكي أظلم أو أوذي الناس أو أفعل المحرمات؟ ثم إلى ماذا سيكون مصيري؟ وأين أبي وجدي وأقربائي وأصدقائي الذين عاشرتهم ثم مضوا؟ فهل سأبقى أم سأرحل مثلما رحلوا؟ أكُتب الموت والحساب لهم دوني أم كلنا ملاقٍ هذا المصير؟ هذا التفكير هو خلاصة مواعظ القرآن الكريم، وحقا إن من يصبح عنده وجدان كهذا، أي يجد الشيء من نفسه، ويفكر بهذه الصورة قد يستحيل أن يقدم على المعصية.

4-من الأمثلة الدالة على نتائج الابتعاد عن أحكام الله في حياة البشر في الحضارة الغربية، مستشفيات الأمراض العصبية، فهي أكثر عددا من المستشفيات الأخرى، على العكس من بلادنا! ومن الواضح أن 90% من أمراض الأعصاب تنشأ من المشاكل، فمن أين تأتي المشاكل؟ هي تأتي من الله سبحانه ينزلها مع أشعة الشمس على البشر؟! أم يفيض بها البحر علينا؟! كلا! بل تأتي من أفكارنا نحن، حينما يضع  كل منا نفسه في غير موضعه!

5-إن الله تعالى خالق الإنسان وهو أعرف بما يصلحه، سواء من الناحية التكوينية أو التشريعية، ولذلك سن الله تعالى قوانين لمصلحة الإنسان ونظام حياته بعضها تكويني هو مجبر عليها، وبعضها الآخر تشريعي ترك للإنسان تنفيذه، فإذا التزم الإنسان بتشريعات الله وما سنّه له من قوانين تصلح حياته وتنزل عليه البركات التي مفتاحها القوانين التشريعية، إضافة إلى البركات التي أنزلها عليه بإرادته التكوينية التي لا دخل للإنسان فيها، وإلا عاش في خبط وظلام، وقد يحرمه الله من بركاته التكوينية أيضا.

متابعة التوصيات
الإعلام
المكتبة
اتصل بنا

مكتب المرجع الشيرازي:

الإيران قم المقدسة شارع انقلاب الفرع 6 

الهاتف:

00982537717333